تحولت انتخابات الرئاسة إلى مولد وصاحبه غائب، فقد تحولت الدعاية الانتخابية المسبقة لبعض المرشحين إلى حالة خاصة من التلوث السمعى والبصرى، وأينما ذهب المواطن طاردته صور المرشحين المحتملين للرئاسة فى صحوه ومنامه، حتى قبل أن يبدأ الماراثون، انتشرت صور المرشحين، لم تترك ركنا ولا مكانا إلا فرضت نفسها عليه.
بعض المرشحين وضعوا صورهم على الكبارى والطرقات والمساحات المخصصة للإعلان، لكن البعض الآخر تجاوز الكبارى والطرقات إلى الشوارع والمنازل والسيارات وأتوبيسات النقل العام وعربات المترو، بشكل عشوائى، وبدون استئذان أو تنسيق، بشكل تجاوز الدعاية الانتخابية إلى حالة تلويث للبيئة و«توسيخ» الشوارع والمنشآت العامة، ويشترك فى هذا مرشحون محتملون أو منتظرون، وهذه الكثافة الإعلانية تكشف عن أسقف إنفاق غير محدودة، وربما تشير إلى أن الأموال المخصصة للدعاية تم إنفاقها حتى قبل الإعلان رسميا، بما يكشف عن جهات تقف وراء دعايات بعض المرشحين، جهات دينية أو سياسية أو مالية، خاصة مع بدء دخول جهات دينية تمتد علاقاتها إلى الخارج، لأننا فى حالة يصعب فيها تمييز الدعاية أو ضبط التمويل للحملات الانتخابية، لأننا نعيش حالة من الانفلات ليس على مستوى الأمن فقط ولكن أيضا على مستوى الإنفاق والتمويل.
لكن الأهم هنا هو مدى موافقة المرشح للرئاسة على حملات تشوه الشوارع والمنشآت بما يتجاوز الدعاية الانتخابية إلى حالة من الاعتداء على الشعور العام، فقد فرضت دعايات المرشحين للرئاسة نفسها لتصل إلى محطات المترو وعرباته، بما شكل نوعا من الاعتداء على المنشآت العامة وحرمات الطرق والذوق العام، ناهيك عن مفارقات من نوعية أن ترى دعاية رئيس محتمل بجوار أكوام الزبالة وهو يتحدث عن كرامة المواطن، أو يشوه محطة المترو، والمواطن مطارد من الدعاية والصور للمرشح المعجزة حامل برامج الإنقاذ بينما هو يلوث البيئة.
وربما يكون على المواطن أن يفكر ويرى كيف يمكن لشخص يقدم نفسه لمنصب الرئيس وهو يبدأ حملته الانتخابية بالاعتداء على الشوارع والمنشآت، وهو يسعى لمنصب الرئيس الذى يفترض أنه سيكون مسؤولا عن مصالح البلد، كيف يمكنه أن يطالب المواطنين بالتزام النظافة واحترام الذوق العام وهو يقضى حاجته الانتخابية على المنشآت العامة وفى الطرق العام، متجاوزين كل حدود العقل والمنطق فى الدعاية، وربما يرد مرشح رئاسى بأنه غير مسؤول عما تفعله حملته، لكن نفس هذا الشخص سوف يكون رئيسا فماذا سيفعل مع مخالفات أنصاره.
الأمر يتعلق بالفرق بين الادعاءات والبرامج والخطب، وبين حقيقة المرشح، فالكل يتحدث عن العدالة، بينما البعض يمارس الظلم مع مرؤوسيه، أو عن النظافة والنظام وهو يقضى حاجته الانتخابية على الجدران وفى محطات المترو، لنجد أنفسنا قد اخترنا رئيسا ملوثا للبيئة.