لا يزال النفخ في الرماد مستمراً، ولا يزال الصيد في الماء العكر متواصلاً.. وثمة من يراهن ويرهن ما لديه ولدى أدواته ومرتزقته للتأجيج واستمرار النزيف في الدم السوري.
من تجيير للمنظمات الدولية إلى قصف تمهيدي لمهمة أنان… وحرب تأويلات ومعارك اجتزاء ليصل الأمر في النهاية إلى السؤال الإشكالي الذي يغزو بعض الفضائيات .. لماذا لم تخفّ وتيرة العنف رغم مباشرة أنان لمهمته ؟!.
سؤال يسوّق بسذاجة محمولاً على ظاهره البريء.. لكنه ينطوي على اتهام لا تخطئه عين ولا يتوه عنه نظر حين يختصر الأمر بهذه الصيغة المواربة التي تجتزأ هنا وتحجب هناك وتسهب في مكان ثالث.
لنفترض حسن النية في السؤال.. ولو أنها مستبعدة.. وعليه سنفترض حسن النية في الدوافع والمبررات.. ولو أنها صعبة.. ولنفترض أيضاً أن المقتطع من السؤال وما يليه ليس له دلالة سياسية، حين يأتيك خارج السياق الذي أوصل الأمور إلى هذه الحافة، إذ من المنطقي أن نبني السؤال على سؤال افتراضي آخر متى بدأ العنف وكيف انطلق وأين استقر؟.
في بداية الأحداث.. كل من أشار إلى وجود مسلحين اندسوا في التظاهرات للضرب هنا وهناك، كان يخضع لعملية إرهاب فكري مارستها أبواق ودول وأطراف وشخصيات إلى حد المنع والقطع والعسف والإلغاء.
مع تطورها وحين بات وجود المسلحين أمراً لا يفارق تظاهرة ولا تخلو منه ساحة تجمع، كان الرفض أيضاً عاصفاً وأن هؤلاء فقط لحماية المتظاهرين في تبرير ساذج لا يقبله منطق ولا يصدقه عاقل، وذهبت أبعد من ذلك، حتى غدا وجود المسلحين ظاهرة طبيعية لم تعد تثير الانتباه، ولا يتوقف عندها ذلك الإعلام!!.
التحوّل الأخطر كان في الظهور العلني للمسلحين واحتلالهم لكل مشاهد التظاهر، ولم تعد التظاهرات إلا مجرد منفذ لظهور المسلحين وبوابة لتبرير حضورهم، حتى كادت تغيب مقابل سيطرة للمسلحين شبه مطلقة على الأماكن التي اعتادت التظاهر، وتطوّر الأمر إلى حدّ إغلاق الأحياء والمناطق وقطع الطرقات والاختطاف والتفجير والقتل والاغتيال، ومع ذلك ظلت لبعض الوقت عبارة «سلمية» تظهر إلى أن خفتت ثم ما لبثت أن سحبت من التداول.
إذا كان هذا الشريط مقتطعاً من الافتراض الذي بني عليه السؤال الأساسي: لماذا لم يخفّ مستوى العنف..؟ فلا نستطيع أن نجزم ببراءة السؤال ولا بمن يطرحه.. إذ إن تلك المشاهد تقدم إجابات صريحة وواضحة بأن العنف الذي تمارسه الجماعات الإرهابية والتنظيمات المسلحة لن يتوقف ما دامت هناك جهات ودول وأطراف تدعو علناً إلى تسليح «المعارضة»، وهي لم تنتظر إطلاق الدعوة بل كانت تمدّهم بالمال والسلاح وتؤمن لهم الرعاية السياسية والإعلامية وتحتضنهم وتوفر لهم معسكرات التدريب.
ولن يتوقف أيضاً لأن السيد كوفي أنان في مهمته هذه – ونجزم بذلك – لم يصل بعد إلى قنوات تمكّنه من انتزاع التزام بوقف توريد السلاح لأولئك الإرهابيين، وخصوصاً أن الأطراف الداعمة لهم لا تزال تواصل ضخّها الإعلامي والسياسي والتحريضي والمالي دون توقف.
عند هذه النقطة يمكن الإجابة لكن بمشروعية: حين يتوقف دعم الإرهابيين.. بالضرورة سيتوقف العنف.. بل حين يتم تجفيف منابع تسليحهم وتمويلهم ومصادرهم.. لن يحتاج أحد إلى العنف ولن نسمع السؤال مرة أخرى..
قلنا قبل الآن ونعيد القول إن أخطر ما يواجهه أنان في مهمته هو وجود مسلحين يرفض مموّلوهم حتى اللحظة وقف دعمهم.. وهو ما يهدد مهمّته، كما كان وجودهم سبباً ودافعاً لإفشال مهمة المراقبين العرب وسحب تقرير رئيس بعثتهم الفريق الدابي حين أشار وبوضوح إلى أن المسلحين يهاجمون قوات حفظ النظام التي ترد عليهم.. وهذا ما لم يرق لهم.. بل حاولوا تزويره وقلب الحقيقة فيه أكثر من مرة.
من هنا تبدأ أولى الخطوات وهناك قد تنتهي آخر خطوات التحضير لطرق البوابة الصحيحة، هذا إذا لم يفجروها قبل بدايتها بتفخيخ مهمة أنان وطروحاته!!.