الاصلاح نيوز- خاص- وليد حسني/
فعلها النواب اخيرا ومنحوا انفسهم جوازات سفر دبلوماسية لهم ولعائلاتهم مدى الحياة، وهذا أمر جيد، فقد يشحذ هذا النوع من الإمتيازات الباذخه “العقل النيابي” ويسمح له ولو قليلا بالتخلص من عقلية المقايضة التي يحتكم اليها منذ مطلع دورته العادية الثانية في السادس والعشرين من شهر تشرين الاول من العام الماضي وحتى الان.
وليس المجال مفتوحا لتقديم التهاني لنواب الأمة الأردنية على منجزهم الذي يعتبر جزءا أصيلا من مشروع الإصلاح السياسي الذي ينادي به الأرادنه منذ عام مضى ويزيد، فالحقيقة المطلقة أن المجلس بانتظار الحصول على امتياز اوسع واكثر خطرا على موازنة الدولة وعلى جيوب المواطنين دافعي الضرائب ويتمثل بالحصول المبارك على التقاعد مدى الحياة أيضا.
في الايام القليلة المقبلة التي لن تتجاوز منتصف شهر نيسان المقبل سيتوج نواب المجلس السادس عشر مسيرتهم النيابية بالحصول على التقاعد بعد ان يلجأ مجلس الأعيان لإخراج قانون التقاعد المدني من أدراجه ويصادق على قرار مجلس النواب الذي اتخذه في 22 اذار من العام الماضي برفض القانون المؤقت الذي يحرمهم من ميزة التمتع بالتقاعد المهيب.
ومجلس الاعيان مضطر تماما لإخراج القانون من أدراجه بعد احتجازه لمدة سنة كاملة بسبب التعديلات الدستورية الأخيرة التي حددت مدة احتجاز اي قانون مؤقت بدورتين عاديتين فقط، ولذلك فان مجلس الاعيان ليست امامه اية خيارات غير إخراج القانون والمصادقة عليه لمنح النواب جائزة في غاية البذخ على حساب دافعي الضرائب.
ولا تبدو امام النواب اية معركة يمكن خوضها غير معركة الجوازت والتقاعد، وقد حققوا نصف نصر باقرار حصولهم على جوازات دبلوماسية مدى الحياة، ولم يتبقى في سجل الانتصارات الخاصة والامتيازات المبالغ فيها غير الفوز بالتقاعد الذي منعته عنهم حكومة سمير الرفاعي الاولى وبطلب وتوجيه ملكي بالغاء كل هذه الحزمة من الإمتيازات الفاخرة.
مجلس الاعيان يستعد الان لإخراج قانون التقاعد من ادراجه، وسيقره بما يهواه النواب ويرغبونه، والسبب الخافي لهذا الاضطرار لا يتعلق فقط بتعديلات الدستور الأخيرة وإنما لأسباب أخرى قد تكون صادمه ، لكنها هي التي تدير الآن ورشة تفصيل الإمتيازات للنواب والأعيان.
مصادر موثوقة كشفت عن هذه الأسباب التي ترتبط عضويا باهواء النواب الذين اتقنوا تماما لعبة الضغط والمقايضه، والحكومة تدرك تماما تفاصيل تلك اللعبه التي تقوم على مبدأ” خذ واعطي”.
والتفاصيل في هذا الجانب في غاية البساطه، نمنح النواب امتياز الجوازات وامتياز التقاعد حتى لا يحتجزوا قانون الانتخاب.
والمعنى أكثر من واضح، صفقة في غاية النسج المتقن، “نحتاج لامتياز التقاعد حتى نعطيكم قانون الانتخاب، وفوق ذلك التمديد للمجلس لأشهر ثلاثة اخرى حتى منتصف شهر تموز المقبل من خلال دعوة المجلس لدورة استثنائية ثانية تبدأ في منتصف شهر أيار ــ حسب التوقعات المؤكده ــ وتنتهي منتصف شهر تموز، وبذلك يحصل النواب على نحو ثلاثة اشهر اضافية من عمرهم الذي كان يجب ان ينتهي في السادس والعشرين من شهر نيسان المقبل وهو الموعد الدستوي لانتهاء الدورة العادية الثانية للمجلس.
تراخى المجلس تماما في الضغط على الحكومة لتقديم مشروع قانون الانتخاب اليه قبل نهاية الدورة العادية الحالية، والإتفاق بين اقطاب السلطتين كان واضحا، تاخير عرض قانون الانتخاب الى الفترة الحرجة في الدورة الحالية لتبرير منح النواب ثلاثة اشهر اضافية تحت عنوان “دورة استثنائية ثانية” يتم خلالها اقرار قانون الانتخاب، وبعد ذلك يذهب المجلس الى الحل، فيما يعود النواب الى منازلهم وهم يحملون جائزتين ثمينتين، جوازات السفر والتقاعد وكلاهما مدى الحياة.
لن نتحدث في الكلف المالية الباهظة التي سيتحملها المواطن دافع الضرائب جراء منح النواب امتياز التقاعد، فهذه تفاصيل يمكن لكل منا تخيلها وحسبتها، ولكن أليس من المثير للتساؤلات ان يلجأ مجلس النواب لمقايضة اقرار قانون الانتخاب بحصول اعضائه على التقاعد وعلى جوازات السفر، وهم يدركون تماما ما الذي يجري في المنطقة والإقليم وهتاف المواطنين صباح مساء بالمطالبة بالاصلاح السياسي، ومكافحة الفساد، وحل مجلس النواب وإجراء انتخابات جديدة..
مجلس النواب يحتمي الآن بتعديلات الدستور التي لا تجيز للحكومة إصدار قوانين مؤقته، وهذا امر جيد، ولكن ان تتحول هذه المادة الى سيف يشهره النواب في وجوه المواطنين والحكومة لمقايضة امتياز حصولهم على التقاعد وجوازات السفر بتمرير قانون الانتخاب فهذا ما لا يمكن قبوله او التعامل معه باعتباره حقا مقدسا للنواب يتفانى المواطنون بتأمينه لهم من جيوبهم الخاصة.
ما يجري في خاصرة العبدلي الآن هو استنزاف المرحلة الأخيرة من حزمة امتيازات يقاتل النواب للحصول عليها، وسيبقى قانون الانتخاب عنوانا في حلبة السلطة التشريعية التي بدأت تعرف تماما من أين تؤكل كتف المواطن، وتدرك أكثر كيف تقايض القانون الأهم بامتيازات شخصية تبدو بالنسبة للنواب أكثر أهمية حتى من تعليمات جلالة الملك التي وجهها لحكومة الرفاعي الاولى وقوبلت في حينه بارتياح شعبي واسع.