تسع سنوات على غزو العراق..
وعلى إسقاط النظام..
تسع سنوات من الحروب الامريكية – البريطانية المفتوحة على العراق دولة وشعبا وحضارة وتراثا وتاريخا وعلما واقتصادا وحاضرا ومستقبلا..
تسع سنوات من القتل الجماعي المبرمج للشعب العراقي..
ومن التدمير الممنهج للبنى التحتية العراقية..وللحضارة العراقية العريقة
تسع سنوات من العمل المبيت على تقسيم العراق الى دويلات ومحاصصات طائفية…
ومن الحروب الطائفية الاهلية المدمرة – نتاج الاحتلال..
تسع سنوات من الاغتيالات المنهجية لعلماء ومفكري واكاديميي العراق..
تسع سنوات من العذابات والمعاناة العراقية التي لم يسبق لها مثيل في التاريخ…
تسع سنوات والبلدوزر الامريكي الاسرائيلي يعمل على تجريف عروبة العراق…
تسع سنوات من الكذب والخداع الامريكي للعالم…
نتوقف اليوم مجددا امام المشهد العراقي بعد تسع سنوات كاملة على الغزو, لنتبين ان كل حكاية العراق استندت الى مخطط استعماري مرعب استند بدوره الى كم هائل من الاكاذيب والاضاليل الامريكية الاسرائيلية الاوروبية المبرمجة, التي سوغت لهم غزو وتدمير العراق كبلد ودولة ووطن عربي متماسك قوي.
فنتذكر في هذا السياق-ما كنا كتبنا عنه مرارا – مناخات التحشيد والتحريض الامريكي الاسرائيلي الدولي ضد العراق تمهيدا لغزوه وتدميره واخراجه من التاريخ لصالح الهيمنة على النفط ولصالح”اسرائيل”, ونتذكر سطوة الاعلام الامريكي الذي روج الرواية الامريكية المضللة حول خطورة العراق وامتلاكه لاسلحة الدمار الشامل وغير ذلك, لغاية تسويق خطة الحرب على العراق من اجل تحرير شعبه وتخليص العالم من تهديدات الديكتاتور العراقي…!
لم تكن الادارة الامريكية برئاسة بوش الابن لتنجح بذلك وفق الوثائق والشهادات لو لم يتحول البيت الابيض الى مصنع للاكاذيب والاضاليل, فالرئيس الأمريكي جورج بوش قد اوجز فترة حكمة قائلاً:” إن الفشل الأكبر خلال فترة حكمي يتمثل في المعلومات الكاذبة التي حصلت عليها الاستخبارات الأمريكية بخصوص امتلاك العراق أسلحة دمار شامل والتي دفعتنا لغزو العراق”, وبحسب موقع يديعوت أحرونوت الالكتروني- الاثنين 1 / 12 / 2008 – فقد رفض بوش الرد عن سؤال: هل كنت ستغزو العراق حتى وان لم تكن فيها أسلحة دمار شامل?
غير ان المعلومات الكاذبة لم تكن في الحقيقة الا من صناعة البيت الابيض نفسه, وفي ذلك تكشف دراسة نشرتها منظمتان أمريكيتان مستقلتان, وهي بعنوان “حجج واهية” عن تعدد التصريحات “الخاطئة” للرئيس الأمريكي جورج بوش ومعاونيه بين 2001 و2003 حول الخطر الذي يمثله العراق, لتكون هذه الدراسة كوثيقة أخرى تضاف إلى جملة كبيرة من الوثائق التي تدين الإدارة الأمريكية بصناعة الأكاذيب والتلفيقات التي مهدت فيها لغزوها العراق, وفي مقدمة تلك الأكاذيب ما أطلقوا عليه “الحرب على الإرهاب”.
فقال واضعو الدراسة من مركز “من أجل السلامة العامة” وصندوق “من أجل صحافة مستقلة”:إن الرئيس بوش وسبعة مسؤولين كبار في الإدارة بينهم نائب الرئيس ديك تشيني ومستشارة الأمن القومي (آنذاك) كوندوليزا رايس ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد فبركوا وأدلوا ب¯ 935 تصريحاً خاطئاً على الأقل خلال السنتين اللتين تلتا 11 سبتمبر 2001 حول التهديد الذي يشكله العراق, برئاسة صدام حسين على الأمن القومي الأمريكي”.
وفي مسألة أسلحة الدمار الشامل العراقية كان تقرير “معهد كارنغي الامريكي” قد أكد “أن الإدارة الامريكية لجأت إلى الخداع والتضليل في قضية أسلحة الدمار الشامل العراقية”, ولذلك إذا كانت “الحرب على العراق قامت على الأكاذيب” وفق التقرير أعلاه وكما أعلن أيضاً الرئيس الامريكي الأسبق كارتر, وإذا كانت ماكينة وأجهزة ولجان وهيئات البيت الأبيض قد “تحولت بهذا الشأن إلى مصنع للأكاذيب لصالح “إسرائيل” كما جاء في تقرير امريكي شامل, وإذا كان حتى الرئيس بوش نفسه قد اعترف قائلاً: “الأسلحة التي ظننا أنها في العراق لم نعثر عليها”, فإن صناعة الأكاذيب التضليلية إذا المتعلقة بالملفات العراقية على اختلافها تستدعي من العراقيين والعرب وقفة مراجعة حقيقية للأجندة والأهداف الامريكية المبيتة.
هناك وفق الوثائق والمعطيات جوقة كاملة متكاملة تمتد من البيت الأبيض وتمر عبر تل أبيب, لتتجمع وتتكثف في بغداد, يمكن أن نطلق عليها إن جاز التسمية “جوقة تسويق الإرهاب” التي قامت بنشر وتسويق قصص وأكاذيب “الإرهاب”, و”المتسللين الأجانب” و”الجماعات الإسلامية” و”خلايا القاعدة” المنتشرة انتشاراً هلامياً في كل أنحاء العراق, واصرت “جوقة الإرهاب” تلك إصراراً غريباً عجيباً على تغذية ونشر صورة الإرهاب وعلى وصم المقاومة العراقية المشروعة ب¯ “الإرهاب” أيضاً.
فالحرب الامريكية-البريطانية التدميرية اذن, وهذا الغزو الشامل للعراق إنما استند إلى الأكاذيب والأضاليل, والحملة الامريكية المسعورة تحت شعارات “الديمقراطية” و”حقوق الإنسان” و”الحريات العامة” و”تحرير الشعب العراقي” وغيرها, إنما هي كليشيهات كاذبة ومخادعة وتضليلية, وأن كل قصة “الإرهاب الدولي” خدعة كبيرة أيضاً, ما يستدعي في الاستخلاص المكثف وقفة مراجعة تقييمية حقيقية وجادة لدى المثقفين والإعلاميين العرب على نحو خاص لإعادة صياغة الخطاب الإعلامي والأولويات العربية الحقيقية والمنطقية في قصة “الإرهاب” من بداياتها إلى نهاياتها.