ما إن وصلوا الى بر الأمان في رحلة نزوحهم على شريط الموت الحدودي بين الأردن وسورية، هربا من أعمال القتل التي يمارسها النظام السوري بحق مدنيين، حتى وجدوا أنفسهم في رحلة “شقاء” جديدة توفر لهم الأمان بيد أنها تفتقد إلى أبسط مقومات الحياة.
فمن أسر نازحة دخلت الأردن مهمومة بتوفير الأمان لأطفالها، لتصبح أسرا مقيمة تسللت على استحياء مع أول تثبيت أوتاد خيامها في منطقة وادي الأردن الى سوق العمل، تنافس بدون جدوى العمالة المحلية في القطاع الزراعي، طلبا للقمة عيش كريمة بعد أن أثقلت كاهل مستضيفيها، لتجد نفسها أسيرة الفقر والعوز تتقاسم تحت سقف خيامها التي لم تقها برد الشتاء، وتتوعدها بلهيب صيف حار، رغيف خبز بالكاد يسد جوعها.
الأسر السورية في وادي الأردن دخلت لاجئة وتحول أفرادها الى عمالة وافدة، فيما هم ضيوف جياع، بعد تواصل رفض الجهات المعنية منحهم حق اللجوء لعدم استكمال الشروط وبالتالي عدم تلقيهم الدعم، مقابل تدني مردود العمل في القطاع الزراعي الذي يشهد تراجعا يجبر أرباب العمل على تقليص العمالة وتخفيض الأجور.
وسط مجموعة خيام نصبت بالقرب من الشارع الرئيسي في منطقة وادي الأردن، تفوح منها رائحة الجوع، تصطف إحدى المركبات وفي داخلها أسرة سورية ما تزال بادية عليها أهوال رحلة النزوح المميته، يخيم السكون لدقائق قبل أن يهم أفرادها بالنزول متثاقلين للبحث عن مكان فارغ ينصبون فيه خيمة فقر جديدة.
قناعات سوريين بأنهم مجبرون على تحمل كافة الظروف المعيشية الحالية بدت تهتز لدى أبو عبدالله الذي نزح أخيرا الى الأردن والذي يؤكد عدم اعتياده على العيش في ظروف يصفها بـ”المأساوية” إذ غالبا ما يقومون بخياطة أكياس الخيش لصنع الخيام والتي تشكل لهم المأوى غير أنها لا تدرأ البرد والأمطار، فيما العيش فيها خلال الصيف سيكون مستحيلا خاصة وأن منطقة وادي الأردن تعرف بصيفها الحار جدا.
ويقول أبو عبدالله “إنهم بين ليلة وضحاها وجدوا أنفسهم يتلمسون حياة جديدة، فيها من القهر والمعاناة ما يكفي فرغم كل الظروف النفسية التي نعيشها فإننا نفتقر الى أبسط مقومات الحياة التي نجد بعضها يوما ونعوزها أياما أخرى كالماء والكهرباء والطعام والملبس”.
ويوضح أن 7 أشخاص يعملون من بين 35 يقيمون في تجمع واحد، نتيجة عدم توفر فرص العمل، لافتا إلى أنهم يتقاسمون ناتج عملهم في شراء الخبز والاحتياجات اليومية من الطعام غير أنها لا تكفي لكافة أفراد التجمع.
أبو محمد نازح آخر يقول وهو يلف سيجارة، ويلملم ما تناثر من التبغ، “ها نحن نحاول التأقلم ما أمكن الى أن يأتي الله بالفرج”، متمنيا أن تهدأ الأحوال ويستطيع العودة الى وطنه، مؤكدا أن الأوضاع الحالية لم تعد تحتمل على الإطلاق، غير أنه يستدرك قائلا “وأي شخص يحاول الرجوع سيجد الموت بانتظاره”.
لؤي ابن التسع سنوات بدا يحمل هما يكبره بكثير، يتمنى أن تهدا الأوضاع في سورية ليتمكن من العودة الى مدرسته، التي تركها قبل ثلاثة أشهر، وأصدقاءه فهو لا يجد من يلعب معه الآن.
ويشير لؤي الى أنه يفتقد الطفولة التي كان يعيشها في سورية فهو محروم من أبسط الأشياء التي يحتاجها الأطفال في سنه، معربا عن شوقه إلى العودة بسلام الى بلدته ومدرسته وأصدقائه.
الستيني أبو محمد الذي نزح تاركا زوجته وأولاده بعد أن أصبح مطلوبا من قبل أجهزة الأمن السورية، يقول والحزن يمتلك قلبه إن الأوضاع المعيشية صعبة للغاية، إلا أنها لا تقارن مع ما نسمعه عن وطن يدمر وأهل يذبحون، مشيرا إلى أنهم ورغم شعورهم بالأمان وسط أهلهم في الأردن، إلا أنهم يحترقون شوقا للعودة الى وطنهم وأهلهم.
تواصل أعمال العنف وتصاعدها في سورية، ينذر وفق مدير مركز الجسر العربي لحقوق الإنسان مجدي شموط باستمرار نزوح آلاف السوريين الى الدول المجاورة ومنها الأردن، في وقت أوضح فيه أن عملية حصرهم بشكل دقيق تعتبر صعبة.
ويدعو الحكومة الأردنية الى الاستعجال في فتح مخيمات للسوريين حتى تتمكن هيئات المجتمع المدني الدولية والمحلية من تقديم المساعدات اللازمة لهم، موجها نداء استغاثة للمنظمات الدولية لنجدة هؤلاء وتقديم الرعاية اللازمة لهم.
ويرى شموط أن هناك واجبا قانونيا وأخلاقيا على المجتمع الدولي يحتم عليه الاضطلاع بمسؤولياته تجاه الأسر السورية، مشيرا الى أن الأردن من أكثر الدول استقبالا للاجئين حيث يزيد عدد المسجلين من مختلف الجنسيات على 50 ألف لاجئ.
ويؤكد أن الأردن لا يعتبر السوريين لاجئين، وعلى الرغم من شح الإمكانات المتاحة إلا أنه يقدم المعونة والمساعدة لهم.
ورسميا، تواصل الجهات المعنية رفض اعتبار السوريين لاجئين، وفق مصادر رسمية قدرت أن عددهم في الأغوار الوسطى يزيد على ألف شخص يعمل معظمهم في القطاع الزراعي، فيما يرتبط غالبيتهم بعلاقات مباشرة مع أفراد وأسر أردنية سواء أكان بالمصاهرة أم بصفة العمل والتجارة.
وبين المصدر، الذي فضل عدم ذكر اسمه، أن أيا من هؤلاء الأشخاص لم يتقدم بطلب مساعدة حتى الآن.