أسأل: هل يجهل من يدبرون التفجيرات في سورية، أنها ستصيب مواطنين أبرياء، ربما أكثر بكثير مما تصيب رجال أجهزة الأمن؟!
وبأي منطق، ومعايير أخلاقية، ودينية، و(ثورية)..يمكن أن يبرروا ما يلحقونه من موت وخراب بحياة وممتلكات المواطنين السوريين، الذين يدعون أنهم يريدون (تحريرهم) وإنقاذهم من نظام الحكم؟!
وحتى لا تذهب الأسئلة في الهواء، وتعلّق دون إجابة، فإنني أرى بأن من يوجهون القتلة، ويغررون بهم، ويغسلون عقولهم، وضمائرهم، ويحشونها بالحقد والكراهية، يعرفون تماما إلى أين يذهبون، وما هي الأهداف التي يعملون على تحقيقها، دون أي حساب لحياة الناس، وآلامهم، وما تجره عليهم تلك الأعمال الجهنمية من موت وخراب بيوت.
ولأن هناك من ينسون، ويتناسون عمدا، فلا بدّ أن نذكر بأن الأهداف الشريفة النبيلة، الإنسانية، التي تسعى لتحقيق العدالة، وتهدف إلى إنصاف الناس، وتخليصهم من الظلم.. لا بد أن تكون شريفة، ونبيلة، وطاهرة، وعادلة..فلا يمكن أن يكون الهدف ساميا، بينما الوسيلة خسيسة منحطة.
ما يحدث أمامنا الآن في سورية، من تفجيرات، بدأت تستشرس، وتستفحل، تذكرنا بما جرى في العراق، ويجري حتى يومنا هذا، لا يمكن أن تخدم مطالب الشعب السوري في الإصلاح والتغيير، بل أراه معوقا قصدا، وعن سابق تخطيط، لأن هدف من يقتلون المواطنين، ويهدمون بيوتهم على رؤوسهم وهم نيام، ويقصفون أعمار أطفالهم وهم في الطرق إلى المدارس، ليس العدل والحرية والتغيير والإصلاح!
مشاهد دمار البيوت الدمشقية، وأشلاء الأبرياء..في دمشق وحلب يومي السبت والأحد الماضيين، لا ترسم الطريق إلى سورية الغد، سورية الحرية، سورية الديمقراطية، بل هي بالدم والأجساد المحترقة المتفحمة، بالخوف والقلق في العيون، ترسم الطريق إلى سورية الخراب!
هذا ما يريده برنار هنري ليفي مُنظّر الخراب الليبي، ومن أشاعوا الفوضى في العراق ردّا على خيار المقاومة التي انطلقت مباشرة بعد رفع علم الاحتلال الأمريكي في ساحة الفردوس..فكانت المقاومة رد الشعب العراقي، وهو ما فاجأ الاحتلال وعملاء الاحتلال..فكانت عمليات التفجير اليومي التي ما زالت تحصد أرواح العراقيين، والتي زرعت الأحقاد الطائفية، وضللت العراقيين عن عدوهم المباشر الواضح الذي يستبيح وطنهم، وينهب ثرواتهم، هي خيار الاحتلال الأمريكي لتشتيت قدرات الشعب العراقي، وتأجيج الطائفية التي ما زالت تفتك به.
في سورية للإرهاب هدف محدد: تدمير سورية الوطن، وضرب قدرة شعبها على مقاومة المخططات، وإمساك مصيره بيده، لأن الهدف تغييبه بالتخويف، ونشر الكراهية في صفوفه، ودفعه لليأس والانطواء غريزيا بحثا عن الخلاص الفردي، وهو ما يعني تفكيك المجتمع، تمهيدا لتقرير مصيره نيابة عنه، وفي غياب إرادته، وافتقاده لمن يقوده ويدله على طريق الخلاص.
خيار السلاح في سورية بحجة حماية الحراك الشعبي من قمع النظام، فتح الباب واسعا لكل من جاء لتنفيذ مخططات أعداء سورية الوطن، سورية الكيان، وسورية الشعب الواحد المتماسك.
لم يكن الشعب السوري بحراكه الثوري السلمي بحاجة لمن يحميه، فقمع النظام مهما تمادى، فإنه ما كان يستطيع المواصلة في مواجهة شعب خرج إلى الشوارع وكسر حالة الخوف، وحدد مطالبه العادلة المشروعة التي يستحقها منذ سنين، وليس الآن..والتي انحزنا لها مع أول تظاهرة تدفقت إلى الشارع.
الوصاية التي انتحلتها (معارضة) خيار السلاح، فتحت الباب واسعا للقاعدة للانتقال من العراق إلى سورية.
ماذا حققت القاعدة في العراق للشعب العراقي؟! وهل هي التي ألحقت الخسائر الفادحة بالاحتلال، أم مقاومة الشعب العراقي الباسلة هي التي فاجأت الاحتلال، وأرهقته بضرباتها الجسورة، وأنزلت به أفدح الخسائر، وهي التي حرمت الاحتلال الأمريكي من مدّ عدوانه إلى سورية واجتياحها، وحتى إلى إيران.
انظروا إلى سورية الآن. ما المشهد السياسي هناك؟ شعب لم يعد يخرج إلى الشوارع إلاّ قليلا، ونادرا..ولنتساءل: ما الأسباب؟!
هناك السلطة..وهناك المعارضة المسلحة..ودخلت القاعدة على الخط، ناهيك عن المجموعات التي لا تحمل أسماء، والتي تُسلّح ويدفع بها لتلعب دورا ضد النظام في سورية، تصفية لحسابات قديمة مع جهات سياسية لبنانية..ولنسأل: أين ذهب الحراك الشعبي، ومن أضعفه وغيبه؟!
من يدعمون المعارضة المسلحة بالمزيد من السلاح والمال لا يهمهم الشعب السوري، فلهم هدف آخر يخدم استراتيجية أشمل، وأبعد، لا تأبه بمستقبل سورية الوطن، والشعب، والكيان السياسي!
هل يمكن لمن يدّعون حماية الحراك الشعبي أن يوقفوا العمليات الإرهابية، كونها، كما يفترض، تتناقض مع أهدافهم، ورؤيتهم، و(ثوريتهم)، وحبهم للشعب السوري؟!
ما موقفهم منها، وقد اتضح أن من تقوم بها جهات معروفة، باعترافات أمريكية، وأوروبية.. وبإعلان الجهات نفسها عن انتقالها إلى سورية، وبتوجيهات الدكتور الظواهري؟
سورية تُغرق بالفوضى والرعب، والإرهاب، ودعم شعبها لا يكون بتسليح المعارضة، فمن يسلّح هذه المعارضة، ويمولها، سيبقى هو صاحب القرار..وهو من يحدد الهدف، وهو من يقرر متى تتوقف قعقعة السلاح!
إنه من يقرر متى يكون الحوار مع السلطة، ومتى لا يكون الحوار..وهو بالضرورة لن يكون مع الحوار، ومن يتسلحون منه ويتمولون لن يقدروا على الخروج عن طوعه، فرضاه هو الذي يضمن تدفق المال والسلاح، وكل أنواع الدعم، ولذا سيبقى القرار قراره!
يبدو أن هناك أطرافا بدأت تنزعج من تنبه الشعب السوري، ويقظته، وقلقه على مصير وطنه، بعد أن رأى ما جرى في ليبيا، ولذا كان خيار التفجيرات التي تبث الرعب، وعدم الثقة بالنفس، والتي تجيء بعد خسارة المعارضة المسلحة في حمص، وإدلب، ودخول خيارها في مأزق.
الجهات التي أرادت الانقضاض على الحكم في سورية، بالسرعة التي جرى فيها هذا الأمر في ليبيا، هي التي دفعت إلى خيار السلاح، وهي وضعت نفسها وصية على الشعب السوري وحراكه الثوري المطالب بالإصلاح والتغيير سلميا، وهي تجاهلت أن بعض أخطر ما يجري هو صراع على سورية.. وليس خدمة للتغيير للأفضل.
هنا أتوقف لأستشهد ببعض ما قاله الأستاذ محمد حسنين هيكل في حوار أجرته معه صحيفة الأخبار المصرية، والرجل ليس بعثيا، وليس صديقا لنظام الحكم في سورية.
قال هيكل: هناك من يحاول الاستيلاء من الخارج على الثورة وعلى سورية..وأضاف لمحاوره: دعني أذكرك أن ذروة المعركة على روح الثورة السورية، وعلى سورية نفسها، سوف تبلغ ذروتها خلال أسابيع. (الأخبار المصرية الأربعاء 15 شباط/فبراير).
هذا هو ما يحدث هذه الأيام، فالتفجيرات الإجرامية تدلل على ما ذهب إليه الأستاذ هيكل من أن ذروة المعركة على روح الثورة السورية، وعلى سورية نفسها، ستبلغ ذروتها..وها هي الأسابيع قد جاءت محملة بالدم والجثث والخراب والرعب، وكل هذا يقف وراءه أعداء شعب سورية المحب للحرية، والمعتز والمتعلق بوطنه سورية، والمنتمي قوميا، والمتمسك بفلسطين. (آمل أن القراء استمعوا لعشرات المواطنين السوريين وهم وسط مشاهد الموت والدمار يعلنون عن عنادهم في حمل راية فلسطين، والانتماء للعروبة..فهم رغم كل شيء لم يصابوا بردة فعل تجاه عروبتهم).
أعداء سورية لا يريدون في سورية شعبا ثائرا ينتزع حقوقه بإرادته دون تدخل خارجي، ولا سورية واحدة، ولا شعبا سوريا واحدا واحدا واحدا..وإنما بلدا يتحوّل إلى وكر للتآمر، تابعا ينفذ مخططات أمريكا، ويتعايش مع الكيان الصهيوني.
أترون إلى أين يريدون أخذ سورية..بل وأخذ كل الثورات الشعبية العربية؟!