لا يمثّل الحراك الشعبي سوى “رأس جبل الجليد”؛ فهو جزء من تحول المزاج السياسي للشريحة العريضة من المجتمع، نتيجة ثلاثة عوامل رئيسة: الربيع العربي بما فرضه من ثقافة جديدة تمحو خط الخوف والرعب لدى الأغلبية من السلطة وأدواتها؛ الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي فرضت أسئلة كبرى حول الفساد والديمقراطية؛ والإنترنت وما خلقته من فضاء جديد لم يكن متاحاً من قبل.على الشبكة العنكبوتية اليوم تجد عشرات الآلاف من الناشطين الأردنيين؛ ليسوا جميعاً من الشباب، فهنالك كهول وكبار في السن، وأحياناً أخرى أطفال صغار.
وبات بإمكاننا اليوم أن ننصت إلى حوارات متنوعة وموضوعات متعددة.
ثورة الإنترنت، أو “الفيسبوك”، حدثت بالتزامن مع الربيع الديمقراطي العربي، إذ تضاعف النشاط بصورة مذهلة، ودخل آلاف الفاعلين الجدد، وتشكّلت شبكات وعلاقات وصراعات خلال الأشهر الماضية، وأصبح الجميع بإمكانهم أن يساهموا في الحوار، ويتحدثوا من دون قيود الإعلام التقليدي أو مخاوف “ما قبل الربيع العربي”، فساهم هذا “العالم الجديد” في تعزيز ثقافة جديدة متمردة.
اجتياز الحدود الحمراء لم يبدأ من الحراك الشعبي، بل من “الفيسبوكيين”؛ فهم من حطّموا -على صفحاتهم- “المعادلة السياسية التقليدية”، وفرضوا أخرى جديدة، انتقلت إلى حراك الطفيلة على الأرض.
فـ”فيسبوك” و”تويتر” والمدونات الشخصية أصبحت اليوم بمثابة “المطبخ” الفكري والسياسي، الذي تتطور فيه الأفكار والآراء، قبل أن تنزلق إلى الأرض، وتُحدث اختراقات اجتماعية جديدة.
ولم يعد هذا الفضاء افتراضياً بالمعنى السياسي، إذ أصبح جزءاً حيوياً من الواقع السياسي الجديد!وإذا كان الإعلام التقليدي ما يزال محدّداً، سياسياً وفنياً، بدون القدرة على نقل “كل” ما يحدث على أرض الواقع، فإنّ “يوتيوب” يتكفل حالياً بالمهمة؛ إذ لم يعد ما يحدث في الطفيلة –على سبيل المثال- لغزاً أو أمراً اجتهادياً، بل أصبح على مرأى ومسمع الجميع، يمكن لكل شخص أن يشاهد ما يجري وهو في منزله، وهو ليس بحاجة إلى محللين أو معلقين ليشرحوا له ذلك!
خطبة أم مجدي القبالين أمام مئات الأشخاص في الطفيلة أصبحت اليوم مشهورة ومتداولة أكثر من خطب الزعماء والمشاهير العرب، وطغت على حديث النخب والشارع خلال الأيام الماضية، واعتصامات حي الطفايلة وهتافاتها ذات السقوف المرتفعة، ما يلغي أهمية التقارير المكتوبة الرسمية التي لم تعد لها قيمة أمام “ثورة الإنترنت” اليوم!صُدم د.
مروان المعشّر عند مشاركته في حوار شبابي، نظمه قبل أشهر موقع “حبر.كوم”، بأنّ السقف الذي يتحدث به، ويزعج النخب الرسمية كثيراً، يعتبر محدوداً ومتواضعاً أمام سقوف الحضور، وأغلبهم من جيل الشباب الجديد الليبرالي، وخرّيجي الجامعات الغربية.
نحن -إذن- أمام انقلابات في المزاج السياسي لدى الشارع، وثقافة جديدة تتشكل لها شروط مختلفة عن السابقة، فالأردنيون يتغيّرون، وليس من الممكن إيقاف القطار، بل المطلوب التأثير في مساره ليأخذ الوجهة الصحيحة
.. فهل ندرك ذلك؟!
الغد