مُخطئٌ وحتى مُضللٌ كلُ من يزاود بأننا كوطنٍ بإستطاعتنا الوصول إلى أهدافنا الوطنية من تنمية إقتصادية وبشرية ترفد الوجدان الوطني الأردني وترتقي به من غير وضوح ونقاء في بوصلتنا الوطنية والتي تحدد بمنتهى الدقة منهجيتنا وآلية عملنا ومآل أهدافنا، والتي نُحاسب عليها أمام شعوبنا إن أخطأنا أوقصرنا. فحتى في زمن ما بعد الحداثة يعيش الأفراد والشعوب في ظل مجتمعات مدنيّة ذات بوصلة وطنــــية تسمو فيــــها سيادة القانون وبشكل مطلق بحيث يتساوى الجميع بإحتكامهم أليه وفي تفعيل آلياته والتى تضمن الحماية القصوى من التطاول والتعدي.
ففي هذه البوصلة الوطنية تكمن شمولية الرؤيا من حيث إدراكنا بالواقع الذي نعايشه في عالمنا العربي من تمزق وتسلط إرهابي من قبل متنفذيه. فهؤلاء المتنفذون حاولوا وعلى مدى العقود المنصرمة تجيّير وسلب الحقوق الإقتصادية والسياسية من خلال الإستحواذ على أعلى المناصب العليا في إستغفالٍ مُتعمدٍ لشعوبهم وتوزيع المكتسبات والمواقع العامة والخاصة على أنسبائهم وأقاربهم ومحاسيبهم في شلليات وعصابات تحكميّة.
والعنفوان الوطني الحي الذي لفظ هؤلاء لن يكون يوما إلاّ في خندق المستضعف والمُتطاول علــــيه من أبناء شعــــبنا النبيل الذي تلاعبت في نقاء بوصلته الوطنية الاجيالٌ تلو الإجيالِ من الإنتهازين والمتسلقــــين والمتلاعبين في وحدتــه الوطنية ممن ظنوا وهماً أنهم سيركعّون أشراف هذا الوطن وحملة رسالته النبيلة.
فلقد نسيت أو تناست هذه الفقاعات الهلامية المتطفلة على وجداننا الوطني طوال العقود المنصرمة أن الإنجاز لم يكن يوماً بتحويل الأردن الى مفهوم سمسرة أو موطئاً دائماً لمفاوضات عبثية (علنية أوسرية) مهينة مع العدو الإسرائيلي بتنسيق أو بغير تنسيق مع من هو على شاكلتهم الوضيعة من المفاوضين ورموز الفساد غربي النهر. وتناست رموز الخنوع هذه أن الإنجاز ليس بتحقيق الالقاب التبجيلية أو في تسابقهم الرخيص على المواقع الإجتماعية العليا من خلال المصاهرة والمحسوبية أو حتى من خلال الإستيلاء والتلاعب في أرزاق أهلنا والتطاول على مقدرات البلد في غياب الرقابة القانونية والشفافية الممنهجة.
فالإنجاز الحقيقي لرجالات هذا الوطن الصلبة كان يكمن دائماً في غرس القيم الصالحة والتي بسببها يعلــــو شأن هذا الوطن الجامع بالفعل والعمل والتضحية في سبيل رفعة هذا المواطن البسيط. هذا المواطن الذي ظنت الفئات المتحكمة أنها قهرته بفسادها وتسلطها وتزويرها لإرادته الوطنية وإختطافها في تلاعباتٍ خطيرةٍ ومتتاليةٍ قبل أن تحاول هزيمته مشاريع أجهزة الإستخبارات الأجنبية.
فهل حقيقة أن الأردنيين يعانون من الاكتئاب اليوم لأن بعض أمراء الخليج لن يستثمروا بضعة مليونات قي الإقتصاد الأردني، علماً أن التخاذل الإقتصادي والفساد السياسي أضاع عدة مليارات من أموال الشعب في صورة عجز الحكومات المتعاقبة؟ ومع كامل تقديرنا لأي دعمٍ من أهلنا في الخليج للأردن في هذه الظروف، ولكن هل سنقبل أن يتدخل مثل هؤلاء المستثمرين في معركتنا الوجودية ضد الفساد مطالبين أن تتوقف، ربما بحسب رغبات بعض الفاسدين الأردنين الذين يحاولون الضغط وبكل الوسائل لإيقاف الحملة الوطنية الأردنية ضدهم؟ ثم ماذا إستفاد المواطن الأردني المسحوق من هذه الأستثمارات والمشاريع الضخمة التي أثرت فقط اصحاب الملايين من الشركاء الأردنيين الذين لم يُعرفوا يوماً بالحس الإجتماعي الصادق أوالإنتماء العميق لمشاكل هذا الوطن في ظل هذا الإستقواء الرهيب على مواطنه الأعزل؟وهل فعلاً لا ينام الأردنيون الليل لأن المستثمرين العرب أوالأجانب ليس لهم وحدة إستثمارية خاصة بهم في ظل المشاكل الداخلية الدقيقة التي يعاني منها البلد، خاصة في ظل الشكوك المتجددة حول شرعية الإستيلاء على الأراضي في عهد بعض الحكومات؟
وبدلاً من الرقص على كل الحبال المتناقضة، هل يجوز أن لا نرى موقفاً أردنياً مبدئياً لا لُبس فيه منذ البداية يقف وبكل حزمٍ إلى جانب أهلنا الأشقاء في سوريا في ظل المذابح اليومية والتي بلغت حداً همجياً لا يوصف؟هل هذا الطاقم الإنتهازي العبثي الذي يدير سياسة الأردن يعكس الصورة الحقيقية لقيم النظام بمدى إيمانه بنزاهة التعيينات العليا وشفافيتها؟فإلى متى سيبقى النظام وكراً للكثير من رموز الإنتهازية الوضيعة وشللهم التي لا تدين الإّ لمصالحها الضيّقة مسممة بتلاعباتها براءة الطرح الوطني الأردني والمصداقية الأخلاقية للنظام الهاشمي؟
الم يحن الوقت لفتح صفحة جديدة وحاسمة في عهد الحكم وهذه العائلة الهاشمية والتي يجب أن تكون بحق من المعاقل العربية الشامخة حماية لقيمنا العربية النبيلة في إحقاق الحق؟ فما زالت الطبقات المتحكمة تُصر أن تبقى في واجهة الحكم في الأردن في الكثير من المواقع العامة والخاصة وقد فاحت رائحة فسادها ومحسوبيتها وعقدة الأجنبي عندها في إيذاء الأردن الرسمي والنظام الهاشمي وإضعاف هيبته الشعبيّه وبشكل تتزايد خطورته يوما بعد يوم.
الم يحن الأوان لأن نقدم النصيحة الحقّة للملك عبدالله الثاني أنه يتوجب علينا أن نقف اليوم بكل صلابة لإعادة صياغة توجهنا الوطني الرسمي الذي يشوبه الكثير من الغموض والذي يستغله وبشكل متزايد كل متحامل ومشكك في خدمة النظام للوطن وولائه المطلق لمواطنه البسيط وحمايته من أنياب التسلط والفساد والتطاول؟وبضرورة خلق بوصلة وطنية لا لبس فيها لنظام هاشمي أردني عروبي مبنيٌ على هوية وطنية أردنية جامعة بعيدة عن شرذمة الأردن وأهله في ظل مؤسسة ديموقراطية خاضعة لسيادة القانون؟
هذا يستدعي مراجعة ملكية شاملة وسريعة وحاسمة، خاصة وأن معركة الفاسدين مع الأردن شعباً ونظاماً هي معركة وجودية لاهوادة فيها وسيستعملون فيها كل الأسلحة ضدنا من فتن وأشاعات وإثارة نزعات وحملات تشكيك، فهي اخطر واعمق مما نراه على السطح لأنها نهــــج حياتهم وتكسّبهم وعنوان وجوديتهم. فهل سنسمح لهم بطــــول المراوغة والثقة الشعبية تذوب بهذا التطارد غير المقبول؟ فان كانوا ما زالوا يختبئوا خلف نصوص قانونية ودستورية تمنــــع الملاحقة الجنائية أو تقديم كشوف الملاءة المالية والمحاسبية الدقيقة بأثر رجعي أو يحتمون خلف نصوص تقتضي تصويتاً سياسياً من قبل مجلس النواب الأردني بدلا من التحويل المباشر الى المدعي العام وغيرها من الثغرات القانونية، فهذه الثغرات القانونية والدستورية يجب حسمها وبشكل فوري.
فلقد أثبت الربيع العربي أن شعبية عبدلله الثاني هي من أساسيات الإستقرار في الأردن وإحدى ركائزه الأساسية. وأنه بالرغم من الحركات الإستعراضية لبعض الشخصيات المتهمة بالفساد، فإن الشعب الأردني يتوحد وراء الملك في حربه الوجودية ضد الفساد والتي يجب أن تضرب بيد من حديد كل الذين تلاعبوا بمقدرات هذا الوطن، وتلفظ بكل كبرياء من سمموا براءة الطرح الوطني الأردني بمحسوبيتهم وإنتهازيتهم وتسلقهم الإجتماعي الرخيص.