اتصل بي أقارب من معان إثر توقيف المهندس عمر المعاني يدعونني للمشاركة والتغطية في فعاليات تضامنية معه. الطلب الغريب تكرر في كل القضايا التي تحال للمحاكم، مع أن المتهمين فيها ليسوا من معان أو من عشيرتي الأقربين. جميعهم يتطلعون إلى “فزعتي” بصفتي الشخصية أولا، وبصفتي المهنية في الجزيرة والغد ثانيا.
فالمسألة إنسانية أولا وآخرا، تتطلب، مثل تسونامي أو زلزال اليابان، إبداء الحد الأدنى من التعاطف مع الضحية بمعزل عن أي موقف مهني أو سياسي.
آخر اتصال كان من بني معروف، أقارب أكرم أبو حمدان المسؤول عن شركة موارد. وقبلها اتصال من زميل إعلامي من عباد تضامنا مع رئيس الوزراء معروف البخيت في قضايا الفوسفات والكازينو.
وفي حال تقديم أي متهم آخر في قضايا فساد فإني أرجو من أقاربه الاتصال معي فورا لأعرب عن مشاعري الإنسانية تجاههم. ومهنيا لا أستطيع أن أعدهم بشيء لأني مجرد موظف في المؤسسة التي أعمل بها وتتطلب تقييما مهنيا للحدث، ولست صاحب قرار في الحشد والتعبئة مع أو ضد المتهم.
في الأحوال الثلاثة وغيرها غرائب يكاد يتفرد بها الأردن. فالجميع لم يأت بهم أقاربهم، بأي معنى من المعاني. لم ينتخبوا في بلدية أو نقابة أو جمعية أو نيابة.
اختارهم النظام بشكل انتقائي شخصي ولم يشاور أحدا من أقاربهم. وهو لم يستهدف أصلا من الأصول أو عشيرة من العشائر أو منطقة من المناطق.
ولنفترض جدلا أن ثمة انتقائية في محاربة الفساد، أول قضية كان خالد شاهين من أصول فلسطينية، وباسم عوض الله وبرنامج التحول الاقتصادي ملف مفتوح لا تحميه أصول باسم. في المقابل خريطة المتهمين تغطي الجغرافيا الأردنية بدون تمييز.
لا أدري، سواء صحت النوايا أم لا، كيف يمكن للدولة أن تقدم دفعة متهمين مرة واحدة تثبت فيها أنها لا تميز ضد أحد. يعني عليها أن تعد قائمة تشبه قانون انتخابات يغطي مناطق المملكة كافة، بحيث لا تشعر جهة أو منطقة أو عشيرة أو طائفة أنها مستهدفة.
وبما أن ذلك غير ممكن، لنكتف بالمحاولات التي بذلت، وليصدر قانون عفو خاص مع ملحق موازنة يشمل تعويضا ماليا مجزيا على ما تعرض له السادة من تشهير وتجريح في الإعلام، ويعاد لهم الاعتبار مرة واحدة في تعديل وزاري موسع يدخلون فيه جميعا.
وهم وحدهم قادرون على محاربة الفساد!علينا أن نشعر بالسعادة الغامرة لأننا مجتمع متضامن إنسانيا، يفيض بالمشاعر، فترى بلادي في جنوبها وشمالها في قراها وبواديها ومخيماتها تخلو من الفقر والمرض والجهل، فعندما يمرض أي ابن عشيرة أو يشتكي من فاتورة كهرباء أو قسط جامعة يهب أبناء العشيرة أو المنطقة أو الطائفة للتضامن معه، فلا يعلم كيف يشكر الناس وكيف يرد جميلهم.
فإذا طرق بابه ممثل صندوق المعونة الوطنية قال له اذهب إلى جاري وافد مصري قد يكون بحاجة، أما أنا فإن عزوتي وأقاربي كفوني مساعدة الدولة.
في ظل هذا المشهد التضامني البهيج نقولها بملء الفم؛ إننا “نحن أسرة واحدة ولن نحارب الفساد ولا يوجد فساد أصلا”.
الغد