اصطدم رجال الأمن اللبناني بعدد من حزبيي ” الكتائب ” الذين تظاهروا ضد كتاب التاريخ المدرسي لاحتوائه على مواد للمقاومة. ترى ماذا سيكتب المؤرخون عن السنوات التي بدأت منذ 2011 وقد تظل طويلا .. هل تصلح الكتابة الآن ام ان الامر متروك لنضج الفكرة والمعلومات. لابد ان وراء الحراك العربي ماوراءه، وانه لصيد ثمين ان يكتشفه المرء ولو بشكل متأخر.
أكثر التواريخ المقروءة ليست محايدة، هنالك دائما عواطف الكاتب والمؤرخ، ثم ان التاريخ تكتبه السلطات والمنتصرون، يتكشف للمهزوم ماكان السبب في هزيمته ولكن بعد فوات الاوان. عندما يفكر المهزوم باسباب الهزيمة يكون واقعها قد فرض نفسه، فاما يقبل، او يجد المسوغات لرفضه على ان يبني جل مستقبله على انقاض الهزيمة. عندما هزم جمال عبد الناصر في العام 1967 رفع اللاءات الثلاث في عز الاحساس بالهزيمة وهي ” لاصلح ولا تفاوض ولا اعتراف باسرائيل ” قائلا ” ان ما اخذ بالقوة لايسترد الا بالقوة ” . ذلك الموقف وتلك الكلمات أزاح الاحباط الشعبي دون ان تعني عودة كاملة للثقة المفقودة بامكانية النصر مستقبلا.
كل مايدور اليوم من كتابات حول الواقع العربي الراهن مجرد افكار صحافية في معظمها، وحتى المعالجات الكتابية قد جاء اكثرها ردود افعال عاطقية في معظمها، حيث انقسم المجتمع العربي الى مع وضد، ولأول مرة تتأثر نسبة المستقلين الذين هم عادة الكثرة الساحقة في المجتمع. وعلى مايبدو، فان اطالة أمد الواقع الراهن بشروطه الحالية سوف يميل لصالح أكثرية مضادة له .. عامل الوقت في الحسم ضروري من أجل اثبات الهوية النهائية للتغيير الذي مازال عربيا معرضا للتذبذب والمنعطفات والاجتهادات والتأويل.
لن أعرف مسبقا ماسيكتبه المؤرخون والكتاب عن الحراك العربي الذي اسفر عن تلك النتائج في البلاد العربية التي باتت معروفة. ولأن الصورة التلفزيونية لعبت الدور البارز فيه ، سيبقى الشك موجودا بان يكون للاعلام تأثيره في تشكيل المعرفة لدى المواطنين التي قد تكون خارج الحقائق. لكن المؤكد ان الاجيال القادمة ستقرأ الكثير عن مشهد عربي فريد من نوعه خلال التواريخ العربية الطويلة. وكما نقرأ نحن اليوم بعين المستفيد مما مضى ، فهل تكون لقراءة الاجيال التوجه ذاته..! يقينا سيحصل، لكنه بدون عواطف وحماس اللحظة التي حصلت فيها تلك الاحداث.. فعل الحماس تفرضه المعاطاة مع الحدث مباشرة كأن يكون المرء شاهدا بلا مشاركة او مشاركا، المهم انه يعيش الحدث في لحظاته التي حصلت ووقعت وكان لها تأثير عليه وعلى جيله بالكامل وعلى بلاده وربما منطقته.
التاريخ مفتوح لمن يرغب بالكتابة، ولكن بدون شروط مسبقة وهوى يغمر الصفحات والكلمات.