جهشان : حالة واحدة تكفي لدق ناقوس الخطر.
المغالسة : المنظومة القانونية قاصرة عن التعامل مع جرائم السفاح .
الخياط : يجب وجود سجل عدلي يشرف عليه المجلس القضائي الأردني.
دفاعا عن شرف العائلة، بهذه العبارة برر الوالد قتل ابنته عائشة، ليخفي بجريمته التي لا يزال يجد من يدافع عنها في مجتمع متمترس حول مفاهيم تقليدية للشرف جريمة اكثر بشاعة كان بطلها وكانت عائشة الضحية لسنوات.
مقتل عائشة (16 عاما) رميا بالرصاص بدعوى الشرف خبر تناقلته وسائل الإعلام في 6 كانون اول 2010 ، ونصبت لها من خلال المعلقين على الخبر محكمة افتراضية يدافع جمهورها عن الوالد ” الشريف” ويدينون عائشة ” المنحلة”، واكثر المدافعين شراسة عن الفتاة اكتفوا بالتعبير عن الحزن.
نهاية عائشة، شكلت بداية لمأساة كشفت تفاصيلها التحقيقات، فالأب الذي قتل بداعي الشرف كان نفسه الجاني الذي اعتدى جنسيا على ابنته فيما، يعرف جرائم سفاح الأقارب،
وبحسب التحقيقات الأمنية، فان والد عائشة دأب على الاعتداء عليها تحت التهديد، وتهديد والدتها التي علمت بالاعتداء بالقتل في حال فضح أمره أو تقديم شكوى.
” بعد سلسلة من الاعتداء الجنسي على عائشة قرر والدها تزويجها لرجل يكبرها للتغطية على الجريمة”حسب التحقيقات، التي أشارت ” جرت الترتيبات وقبل عقد القران علم زوج عائشة بما جرى بينها ولين والدها، فاقدم على الاعتداء، ليقتلها والدها بعد أن انكشف الأمر”.
عائشة ليست الضحية الأولى أو الأخيرة لجريمة ارتكبت للتغطية على جريمة اكثر بشاعة، تكتشف المحامية الجنائية لين خياط عن قضية أخرى قامت الزوجة فيها بقتل زوجها ودفنه في باحة البيت وبلغت الأمن عن اختفائه، لتكتشف التفاصيل عن قيام الزوجة بالجريمة لتستر على كشف زوجها عن وجود عشيق لها، كانت الزوجة أجبرت ابنتها القاصر على ممارسة الجنس معه.
متنوعة جرائم السفاح، منها الكلاسكية ” يعتدي الأب على ابنته ، بسبب غياب الأم عن البيت لخلافات زوجية وانحراف أخلاقي لدى الأب “. كما يبين خبير مواجهة العنف لدى منظمة الأمم المتحدة ومستشار الطب الشرعي لدى المركز الوطني للطب الشرعي الدكتور هاني جهشان.بحسب جهشان يأتي التبليغ عن هذه الجرائم متأخرا، ويعزوا ذلك إلى محاولة حل الخلاف أسريا ً والتكتم على ما يحصل لخصوصية اجتماعية ونفسية غالباً. إلاّ أن “هذه الجرائم تفضح لأنها متكررة ” والقول لجهشان.
يقابل هذا الخوف الاجتماعي من التبليغ عن حالات سفاح الأقارب، ضرر أكبر من خلال تعدد الضحايا وتطور الجريمة إلى جريمة أكبر منها، توضح ذلك المحامية لين خياط بقولها ” السفاح لا يكتشف في الغالب إلاّ بجريمة قتل أو شروع بالقتل أو انتحار أو غير ذلك “، ومن هنا كان لابد من المطالبة بالنظر إلى المعتدى عليهم على أنهم ضحايا يجب الشد من أزرهم وتغيير الثقافة الاجتماعية والنظرة إليهم، حسب الخياط.
من بين هذه الجرائم .. أيها تعد سفاحاً ؟
يلفت جهشان إلى ضرورة ” التفريق بين سفاح الأقارب والاستغلال الجنسي داخل الأسرة ما بين المحرمين شرعا ” وسفاح الأقارب أو ما يسمى بـ(زنا المحارم) هو تعبير عام يطلق على أيّ أتصال جنسي ما بين رجل وامرأة بينهما صلة قرابة تحرم الاتصال الجنسي شرعاً.
ويشدد جهشان على “أهمية التفريق بين السفاح الحاصل برضا الطرفين حسب المادة 285 من قانون العقوبات الأردني، وبين جرائم الاستغلال الجنسي التي تكون فيها الضحية إحدى أقارب المعتدي المحرمات عليه شرعاً، من غير رضا الفتاة، سواء أكان الاتصال معها من خلال العنف أو الاستغلال أو أن عمر الفتاة أقل من 18 عاما حيث تتمتع بالحماية القانونية “.
و تشير أرقام سجل ونظام المحاكم لقضايا المحاكم الأردنية للعام 2011 أنه قد تم البت في 289 قضية هتك عرض، و 11 قضية شروع بهتك العرض، و70 قضية اغتصاب، و26 قضية شروع بالاغتصاب، و 33 قضية سجلت جريمة مواقعة أنثى وتدخل بمواقعة أنثى.
إلاّ أن جميع هذا الأرقام لم تبيّن إن كان المعتدي له أيّة علاقة قرابى بالمعتدى عليهن. وتختلف العقوبة لكل جريمة من السابق ذكرها.
ويؤكد جهشان أن معظم الحالات التي تراجع عيادات الطب الشرعي من خلال إدارة حماية الأسرة التابعة إلى مديرية الأمن العام ” تنحصر في نوعين من الجرائم هما الاغتصاب وهتك العرض ” وهما جريمتان تقعان بدون رضا المجني عليه، ” وقد يكون المعتدي قريبا للمجني عليه أو لا . أما جرائم الزنا والسفاح فهما خارج نطاق إدارة حماية الأسرة “، بحسب جهشان.
المحامية لين خياط تبيّن أن المجرمين في حالة الزنا والسفاح لا يعاقبان إلاّ بوجود شكوى من متضرر. ولم يعتبرهما المشرّع من جرائم الحق العام، ولا يلاحق السفاح إلاّ بتحريك شكوى من قبل قريب أو صهر لأحد المجرمين حتى الدرجة الرابعة “.
الأصل في الهدف من النص القانوني .. إنصاف الضحية
من جهة أخرى، توضح المحامية والناشطة الحقوقية مرام مغالسة لعمان نت، القصور القانوني في علاج جريمة السفاح من خلال قراءة قانونية للمادتين 285 و 286 من قانون العقوبات الأردني رقم 12 لعام 2010 . جاء فيها : ” أن القانون لم يميّز بين أحكام السفاح وزنا المحارم واعتبرهما جريمة واحدة، إضافة إلى أن أحكام السفاح تاهت بين اعتباره جريمة شراكة كالزنا أو اعتبارها ذات ركنيين – جان ومجن عليه “.
ففي حين ذكرت المادة 285 عبارة ” يعاقب مرتكبه ” تتساءل المغالسة قائلة ” من هو مرتكب السفاح ؟ ومن هو الضحية ؟ ” وتضيف في ملاحظاتها ” أن المواد القانونية قد خلت من مصطلح ضحية السفاح، وأن المادة 286 ذكرت – أحد المجرمين – بمعنى يفيد الشراكة، فهل قصد المشرّع أن السفاح شراكة ؟ أم جان ومجن عليه ؟ مشددة على أن الإجابة الواضحة عن هذه التساؤلات من شأنها إنصاف الضحية.
وفي قراءة المحامية و الناشطة المغالسة، تقول ” خلت أحكام السفاح من النص على الملاحقة الجزائية لكل من المحرض والمتدخل لجريمة السفاح مقارنة بجريمة الزنا، رغم أن الركن المادي للجريمتين واحد وأن السفاح أشد خطورة من الزنا “.
فهل يعد هذا قصوراً في المنظومة القانونية الأردنية المطبقة في التعامل مع هذه الجرائم وما ينتج عنها من تداعيات ؟
تقول المحامية الجنائية لين خياط ” مجموع المواد في قانون العقوبات الأردني حتى بعد تعديلها عام 2010 تعتبر قديمة وفق حاجات المجتمع “. وقد تم تعديل العقوبة عام 2010 برفع العقوبة. وذلك لأن ردة الفعل الاجتماعية تريد تشديد العقوبة.
وتطالب الخياط ” بضرورة إنشاء برنامج سجل عدلي في المجلس القضائي الأردني بالتعاون مع وزارة العدل بحيث يوظف كل طاقاته لتسجيل الأحكام القطعية الصادرة عن المحاكم ونسب الجرائم ونوعها وسبب وقوعها وفقا لتكييف المحكمة الأخير، وذلك بشكل دوري وسنوي “.
وبيّنت الخياط أهمية وجود السجل العدلي لضرورة توثيق الإحصاءات للقضايا المنظورة في القضاء وليس الإحصاءات الصادرة عن إدارة حماية الأسرة.
وقالت ” من شأن السجل العدلي المساهمة في رصد حالات السفاح وأسبابها على أن يكون فعّالا ومفيدا للجهات المعنية بعلاج المشكلة ” . ودعت إلى عدم الاكتفاء بتقارير مراقبين السلوك الموجودين في المحاكم الذين يكتفون بملء نموذج للمتهمين وليس للمجني عليهم في القضية، بحسب الخياط.
ولفتت الخياط إلى أن ” نشر القرارات وطلب نسخ منها لا يزال محصورا في برامج إلكترونية توزع على العاملين في القانون والمجلات القضائية والقانونية المتخصصة “، وهذا ما ترفضه كما ترفض تشكيل محاكم خاصة للقضايا الأسرية، مبينة أن تشكيل المحاكم الخاصة يضعف استقلالية القضاء، ومؤكدة وجود هيئات قضائية متخصصة و” على قدر عال من الخبرة والقوة للنظر في القضايا الأسرية “.
تم الاعتداء .. ماذا بعد ؟
الأثار النفسية لجرائم السفاح وزنا المحارم تظهر على المدى البعيد، كتأخر سن الزواج والخوف والقلق وعدم الثقة بالآخرين، وتأخر أو رفض الحمل عند الزواج. إضافة إلى تنامي مشاعر الكره والعداء وتأخر التحصيل الدراسي إضافة إلى أمراض عاطفية وأخرى في الأجهزة التناسلية. والأخطر من ذلك بعد وقوع جريمة السفاح أن تحدث جريمة أكبر كالقتل، ” كما حصل في قضية قتل بين أفراد عائلة واحدة، حيث كان شهود القضية حدثين بعمر 15 ، 16 عام وتبين في مجريات التحقيق أن الجاني كان يمارس على الشاهدين أفعالاً جنسية وهو خالهم ويتم الإعتداء بعلم من والدتهم “. كما تروي المحامية الخياط.
وتضيف في هذا الشأن الأخصائية الاجتماعية لدى مؤسسة نور الحسين آيات ختاتنة أن حالات السفاح التي تراجع خط الإرشاد في المؤسسة ليست جميعها من عائلات فقيرة أو من مناطق مكتظة سكانيا أو ريفية منعزلة، مشيرة إلى أن مراجعوها من مناطق متنوعة من المملكة، وتقول ” يعقد الأخصائيون النفسيون والإجتماعيون والمستشارون القانونيون جلسات للمعالجة في برنامج خط الإرشاد إلى ما يقارب 70 حالة سنويا، فإن تأكدنا من وجود اعتداء جنسي على الأنثى مهما كانت درجته، فإننا نحول الحالة إلى حماية الأسرة في حال رغبت المجني عليها بتقديم شكوى وليس لأحد أن يجبرها على ذلك”.
وفي هذا السياق يطلب الدكتور هاني جهشان من المعتدى عليهم ضرورة الإسراع بالتقدم بشكوى لإدارة حماية الأسرة قبل زوال العلامات الحيوية اللازمة للفحص. مؤكدا على أن حماية الأسرة ” تتعامل بحرفية وسرية تامة مع هذه القضايا وتصدر تقريرها خلال ساعات من إجراء الفحص “.
تعتيم رسمي .. وتشبث بحبال الإعلام
يقول الدكتور جهشان ” إن وجود حالة واحدة يكفي لدق ناقوس الخطر ويجب أن لا ننتظر لتحول الجريمة إلى ظاهرة في المجتمع ” . وتضيف الخياط ” أعتقد أن هناك إحصاءات رسمية لكنها لا تنشر للعلن “.
بينما لا يرى بعض المواطنين وجود مبرر لعدم نشر الأرقام الرسمية الصحيحة لجرائم السفاح أو زنا المحارم، كما أن أسباب عدم التبليغ عن جرائم الاستغلال الجنسي داخل إطار الأسرة ستظل متواصله، ولذا يعوّل الأخصائيون والناشطون الحقوقيون على دور الإعلام والمدرسة في زيادة الوعي بمخاطر التكتم على هذه الجرائم وزيادة الوعي المجتمعي والتثقيف الجنسي الصحيح الذي يخدم المجتمع ويحيمه.
ويرى بعض من استطلعت آراؤهم أن غياب الوازع الديني أحد أهم أسباب حدوث هذه الجرائم، إضافة إلى الانفتاح التكنولوجي والإعلامي وزيادة معدلات الفقر والبطالة.
تجدر الإشارة إلى أن قانون العقوبات الأردني قد نص فيما يخص جريمة السفاح في المادة 285 على ما يلي : ( يعاقب مرتكبه بالأشغال الشاقة المؤقتة مدة لا تقل عن 7 سنوات، وإذا كان الشخص الواقع عليه السفاح خاضع لسلطة شرعية أو قانونية أو فعلية يعاقب المرتكب بالحبس مدة لا تقل عن 5 سنوات ).
و عوضاً عن جميع المؤسسات الاجتماعية والدينية نجد في القبائل الأسترالية نظام الطوطمية، بحيث كل عشيرة تسمى باسم طوطمها وهو الأب الأول للعشيرة.
أتباع الطوطم لا يجوز أن تنشأ بينهم علاقات جنسية، وأي انتهاك خطر لتقاليد القبيلة فقد كانت تحاسب عليه القبيلة كلها باعتباره خطر يهدد الجماعة كلها، أو خطيئة تثقل صدرها.
فهل نكسر حاجز الصمت ونتعامل مع هذا الخطر الذي يهدد مجتمعاتنا بشفافية وجديّة !