ابتسم الرئيس بشار الأسد وقال لكوفي أنان أثناء اللقاء به في دمشق “أنا أستقبلك بصفتك مندوب الأمم المتحدة، وليس بأية صفة لجامعة الدول العربية؛ لأن بعض العرب يقتلون شعبي”. لعل سنة الأحداث الضخمة التي مرت على سوريا وبكل مأساويتها ودمويتها فقد أثمرت جملة حالات جديدة للشعب السوري. لعل الآلام العظيمة مدرسة للشعوب الحية، ولربما تحتاج تلك الفئة من الشعوب أن تتطهر كل سنوات، تماما مثل الهزات الصغيرة التي تحمي من زلزال كبير .. لم تكشف الأحداث للسوريين وحدهم عظمة بلادهم وموقعها الصعب وحضورها التاريخي الممجد، وأنها سوريا التي تتجاوز مساحتها الجغرافية الحالية، بل قدمت الدليل على أن كل ما حصل في بلاد العرب قبلها كانت هي المقصودة به، ولأنهم جاؤوا إليها كآخر حبة في العنقود الذي تفرفط، فقد وجدوا في النهاية “أنه حصرم رايته في حلب”. تاه كثيرون في اللعبة الكبرى ظنا بسهولة إسقاط نظام، ليس لأن بشار الأسد يحكمه، بل لأنهم لم يقرأوا جيدا تاريخ ذلك البلد، يوم ربت حافظ الأسد على كتف المسؤول الأكبر في الأمن القومي الأميركي ماكفرلين قائلا له بنبرة العارف “عد إلى بلادك واقرأ أنت ورئيسك جيدا تاريخ المنطقة وعندما تعرفونها جيدا عودوا إلينا”.
لم يعرف كثيرون ولن يعرفوا أن دفاعنا عن سوريا لم يكن عن أشخاص ولا قيادات، بقدر ما كان الهم المطروح على وجدان لم يصدق ما يرى: إلى أين المنطقة إذا تغيرت صورة سوريا، وكان لدينا الدليل ما جرى في ليبيا وقبلها في تونس وبعدها في مصر ومن ثم اليمن .. كل ما جرى ما زال تمرينا على ما يفترض حدوثه .. ثم إن لسوريا خصوصية هي عبقرية المكان الذي لم يشخ منذ أن وضع الإنسان رحاله فيها. بعض البلدان تنشأ كالحلم الذي يتراءى، وبعضها يعيش متمرسا بالقضايا الجوهرية التي هي علة وجوده، ومن أجلها يظل واقفا، بعض من هذا القبيل قتلته القضايا لكنه مات واقفا مثل الأشجار، إلى أن ظلت جذوره عالقة في التربة وفرخت بعدها نظيره وأكثر.
بعد سنة على أحداث سوريا تفتح ملفات ما قبلها من أجل المقارنة. لماذا سقط الماقبل، ولماذا هذه السوريا بالذات على عنادها التاريخي الذي لم يتغير؟ .. هل هي أقوى من هؤلاء جميعا؟ وهل هي ظاهرة في التاريخ؟ وهل لجيشها الذي هو صورة مصغرة عن شعبها ما تعجز حتى الكتابات عن وصف لحمته الوطنية .. لا شك أنه كل هذا وأكثر، ولسوف يصعب بعد الكثير من الأعوام سوى أن تقرأ الأجيال القادمة من العرب أن حماة الديار عليهم السلام.