لست أمزح..فمن مصادر شبه موثوقة اتصلت بي، أكدت لي شخصيا لأسباب أجهلها ـ ربما لأنني من الذين يؤمنون بعروبة فلسطين، وبالوحدة العربية، وبأن فلسطين هي الامتحان لمصداقية أو كذب أي نظام حكم عربي، أو حزب، أو فرد عادي، أو مثقف شريف،..وما أكثرهم هذه الأيّام ـ بأن الجيوش التي دعا وزراء خارجية (عرب) لحشدها (لتحرير) سورية من نظام الحكم فيها، وتسليم البلد حرّة، ديمقراطية، موحدة، أنيقة، ظريفة..للشعب السوري، ليرفل بثياب العز، والكرامة، والاستقلال..سوف يتّم توجيهها بعد حشدها، وإعدادها، وتسليحها بأحدث الأسلحة الأمريكية التي بالكاد تمتلكها (إسرائيل)، لإنقاذ غزّة من (الإرهاب) الصهيوني، بل وتحرير فلسطين كلها!
صحيح أن الجيوش لم تزحف لوقف العدوان الرصاص المصبوب، والفسفور الأبيض، في الحرب على غزّة، والتي راح ضحيتها أكثر من 1400 فلسطيني، ناهيك عن تدمير البيوت، والمدارس، والمساجد، في نقل (حي) على الهواء مباشرة، وبأرقام مثبتة، نقلتها الكاميرات، وليس من مخبرين مفبركين، أو شهود عيان مجهولين..فالموت والحرائق والدمار كانت ترى بالنقل الحي ومباشرة، وكانت ترافقها صيحات، وصرخات، ونواح، وآلام طبيعية تلقائية، وليست تمثيلاً.
يبدو أن وزراء الخارجية المتحمسين جدا للتدخل العسكري في وسورية، وتسليح (المعارضات) المسلحة، من جيش حر، ومجموعات مجاهدين يتم نقلهم من ليبيا، وبلدان الخليج، واستجلابهم من أي مكان مهما بلغت التكلفة..لأن (معركة) الحرية في سورية تستحق التضحية بالمليارات..أقول: يبدو أنهم استيقظوا على صيحات غزة وأهلها، ومناشدات الغزيين (للعرب) ليهبوا ويبادروا لإنقاذهم من العدوان الجديد الذي يحصد يوميا أرواحا تنضم إلى قافلة الشهداء، الذين يتركون وراءهم أطفالاً أيتاما، وأرامل صبايا، وأمهات مكلومات، وآباء محزونين يرتجفون أمام الكاميرات قهرا لعدم امتلاكهم بين أيديهم ما يردون به الموت عن فلذات أكبادهم، وعن أرضهم وأسرهم وبيوتهم.
ما عاد وزراء خارجية العرب يتحملون (الفضيحة)، لذا اجتمعوا سرّا ـ بحسب المصدر الذي اتصل بي مطمئنا ـ واتخذوا قرارات ( تاريخية) فهم ليسوا أقل عروبة، وحمية، ونخوة من الخليفة( المعتصم) الذي لبّى استغاثة المرأة العربية وزحف على رأس جيوشه لينتقم من بيزنطة، ويرد للمرأة العربية كرامتها وشرفها..باطل على الزلم!
دافع (الجماعة)، ولست أقصد الأخوان المسلمين المشغولين بترتيب هيمنتهم على البلدان التي نطوا على ثوراتها، وإنما الوزراء ما غيرهم، حميّتهم العربيّة المبرأة من أي غرض، للقيام بفعل تاريخي بهدف تغيير الفكرة السيئة المأخوذة عن الرسميين العرب، وحتى عن الجامعة العربيّة في عصرها الزاهر الراهن، بعد أن تسنّم أمانتها العامة الدكتور (العربي) ..يا لمحاسن الصدف، فهو حتى بالاسم (عربي) ..فماذا تريدون أكثر من ذلك، خاصة والرجل فطن، لبق، دمث..حصيف..بدليل انه تملّص ببراعة من إجابة الصحافيين عن موضوع غزّة، وبحجة أن قرارات كثيرة اتخذتها الأمم المتحدة ومع ذلك لم تنفّذ؟!
لم يتوقع أمين عام الجامعة أن يسأله أحد: كيف تقول هذا الكلام يا (عربي)..وأنت في مؤتمر صحافي واحد مع كوفي عنان الذي كان أمينا عاما للأمم المتحدة؟! ولماذا يا (عربي) تعوّل على الأمم المتحدة، أنت (والوزراء) إيّاهم، و..تستقتل لانتزاع قرار يبيح التدخل للناتو في سورية، ما دمت تقّر بأن قرارات الأمم المتحدة لم تنفّذ ما دامت تختص بالقضية الفلسطينية..ومن يا (عربي) الجهة التي حالت دون تنفيذ تلك القرارات يا حلو..والتي سهّلت قرار قصف الناتو لليبيا..وتتحفز لإعادة الكرّة على سورية؟!
أنت مع تدخل حلف الناتو وحشد الجيوش و.. الانقضاض على (النظام) السوري..وبعدئذ يتحقق ما يجري في ليبيا، فمع نشر الحرية في تلك الربوع سيجري تمزيق سورية إلى أربع دول، وهو ما سيزيد من عدد دول الجامعة يا (عربي)، ويمنح (العرب) أصواتا أكثر في الجمعية العمومية..وهذا ما سيكفل تنفيذ قرارات الأمم المتحدة في آتيات السنوات، بعد أن يبلغ عدد دول الجامعة 48 دولة ـ ربما يذكركم هذا الرقم بنكبة العرب في فلسطين!ـ خاصة وبشائر ليبيا بدأت بإعلان انشقاق المنطقة الشرقية عن ليبيا الأم..على طريق نشوء 3 دول بدلاً من (الجماهيرية) العظمى!
للأسف لم يبلغني المصدر أين سيتم تحشيد الجيوش، ومن أين ستزحف، ومن سيكون قائدها!
ربما يعيدون تنصيب الجنرال إياه الذي دمّر العراق مع (شوارزكوف) ليبيّض صفحته، خاصة واسمه فيه بعض أحرف اسم سيف الله المسلول..وهو اكتسب خبرات من (عاصفة الصحراء)، ومن تدمير العراق.
ربما تبدأ الحشود بقوّات درع الجزيرة التي حققت بطولات لا تنكر على شعب البحرين، ومن ثمّ بفتح باب التطوّع لملايين العرب، ويتم تدريبهم، وتسليحهم، و..اجتياح القواعد الأمريكية إن حاولت التعرض للزحوف.
بعدئذ ستتم عملية نقل الجيوش بالسفن عبر قناة السويس، وبعمليات إنزال في صحراء سيناء..واستغلال انقطاع الكهرباء عن غزّة، وبحكمة عدم تزويدها بمادة السولار للاستفادة من العتمة، لأن اليهود لن يغامروا بمحاربة العرب في ظلام الليل والعتمة كما اعتادوا في الحروب السابقة..أمّا جيوش الجامعة فستزحف مع (الفجر)، وستواصل اندفاعتها من غزة إلى عمق فلسطين، لتنفذ ما لم تنفذه الأمم المتحدة من قرارات!
أمّا جماعتنا، أي المتخاصمين: حماس وفتح، فسيعلنون فورا توحيد (قوتيهما) و..هب.. سيبدأ الانتفاض على الاحتلال، لكسر الحصار عن غزّة، وكنس المستوطنين الأوباش من بيت المقدس، وأكناف بيت المقدس..وهكذا سيلتقي الجمعان في الميدان، وهنا سيسقط في يد أمريكا، ووزيرة الخارجية كلينتون التي أدانت ناطقتها الرسمية إرهاب الفلسطينيين الذين يقصفون (إسرائيل) المسكينة البريئة..بالصورايخ العابرة للقارات، وأصناف الأسلحة المحرمة دوليا التي يصنعونها في مفاعلات مخيمات غزّة!
تصريحات الناطقة بلسان وزارة خارجية أمريكا سترفع ضغط وزراء خارجية التدخل العسكري في سورية، وتحرجهم، وتفوّر دماءهم في عروقهم، وهنا سيكون الرد: طرد القواعد الأمريكية فورا وإلاّ فقوّات درع الجزيرة التي قمعت انتفاضة شعب البحرين جاهزة..والبادئ أظلم!
يسرني أن أهلنا في غزّة لن يصدقوا كلمة مما كتبت، وأنا مثلهم لا أصدق، فهم أخبر من أي إنسان بمدى مصداقية وزراء الخارجية، وجنرالات العرب، وأمناء الجامعة العربية المتلاحقين..وآخرهم طويل العمر (العربي)!
أهلنا في غزة يعرفون أنه ليس لهم إلاّ الله وأنفسهم..فمن لا يزودون محطات توليد الكهرباء بالسولار..من لا يجرؤون على (تحدّي) أمريكا والكيان الصهيوني بتزويد مستشفيات غزة بالنور لإجراء عمليات للجرحى مبتوري الأطراف..مفقوئي العيون..مبقوري البطون..لن يزحفوا بجيوشهم لمواجهة جيش الكيان الصهيوني الذي حوّل قطاع غزة إلى مضمار رماية نيران، وسماءها ملعبا للطائرات الأمريكية..بطيّار، ومن غير طيّار.
يا أهلنا في غزّة، وفي كل بلاد العرب: فلسطين كانت دائما الامتحان..وفي الامتحان من جديد، يسقط الكاذبون، والمنافقون، والمدلسون..ولعنة الله على كل قادر على بالمال، أو السلاح ..على تقديم العون لأهلنا في غزّة، وفي كل فلسطين، ويتقاعس عن واجبه القومي والديني والإنساني!