مهما قلنا بالحراك العربي أو ما يسميه البعض زورا ” بالثورات ” فإن ما حصل قد حصل .. أكلنا المقلب، لكن البعض مازال يصدق الشعارات رغم انكشاف ظهر الليبيين الذين باتوا وجه الشبه للعرب الأفغان في تصدير المقاتلين إلى كل من يحتاج القتال، ورغم مساحة ليبيا الهائلة إلا أنها لم تعد تتسع لتلك الآلاف الذين يريد المجلس الانتقالي التخلص من وجودهم فتراه يبعثرهم في أمكنة أخرى. وظهر أخيرا أن معمر القذافي لا يملك المال لا في داخل ليبيا ولا في خارجها، وقد أسقط في يد القيادات الليبية التي كثيرا ما صرحت عن وجود مليارات له في البنوك والمصارف، حتى ان الاثاث الذي تضمه العزيزية عادي وأقل من الفاخر.
هاهي وجوهنا جميعا تعود الى تشنجاتها السابقة، فلقد سقطت الأحلام بغد سعيد، ولم يبق من تاريخ الحراك العربي سوى ومضات أعقبها ندم .. لكننا أكلنا المقلب ثانية وثالثة ورابعة والحبل على الجرار. الأسلحة الليبية تدخل مصر، ثم جزء منها يذهب الى تونس، مجموعة من المقاتلين الليبيين وجدوا في سوريا.. كان نظام القذافي متهما بتدخله في شؤون دول عديدة، أفريقية وعربية وغربية، كان يرسل الأموال مقابل تنفيذ هجمات، لكنه لم يرسل مقاتلين ولا جيشه سوى مرة واحدة الى تشاد ثم ندم على فعلته فقرر ألا يفعلها في أي مكان آخر. لانقول إنه رجل سليم، فدكتاتوريته تملأ مساحات ليبيا وتفيض.
وقع المقدور ودخل الفاس بالرأس .. تراءت الحقائق على وجع بدل ان تأخذ الى الفرح وتنشيط الحياة بشكل مختلف. هل هي المشكلة المزمنة في العقل العربي الذي تربى على أنماط من التفكير والسلوك، أم هي أسباب التربية السياسية التي لم تكن موجودة رغم الشعارات الطنانة التي كانت تطن في المجتمعات المغلقة، أم هو الأرث المشدود إلى عصبيات لم تحل عبر تاريخ تكوينها فجاء السلاح ليترجمها بتلك الطريقة.. ثم هل ضحك الغرب علينا حتى صدقناه كالعادة بأنه المخلص، فاذا بنا على سبيل المثال التاريخي، نؤيد بريطانيا وفرنسا ضد تركيا ثم نكتشف لاحقا أن ثمن هذا التأييد جاء كذبة علينا وخداعا حين قسمتنا معاهدة سايكس بيكو الى بلاد مصنوعة من كرتون وورق.
إنه المقلب الذي قد لا نتعافى منه الا بعد مرور أجيال. فعل الصدمة وقع، لكن التصحيح مستحيل لأن ثمة من مازال يصدق انه صنع ثورة وحرية من أجل ديمقراطية فاذا به يهرس بلاده ويطحنها ثم يسعى لتقسيمها بناء على همس أجنبي في أذن البعض، ثم يهب الى بلاد أخرى ليفعل فيها ما فعل في بلاده.