كتب: جهاد الرنتيسي/
مسح الذاكرة واعادة تاثيثها طقس مرافق لطروحات الاخوان المسلمين حين تتضارب الطروحات الجديدة للجماعة مع سلوكيات وممارسات لم يمض عليها الوقت الكافي للنسيان .
تبدأ عملية المسح ، بهتافات الساحة المحاذية للمسجد الحسيني ، ولا تنتهي قرب ساحة النخيل ، حيث يعتلي احد الشيوخ ” مشكورا .. مأجورا ” سيارة البيك اب ، ليلقي كلمته.
وفي العادة لا تخلو الهتافات والكلمات من صدى في الضمير والشعور الديني وان كانت اقرب الى طقوس الزار .
المسيرة التي نظمتها الجماعة في وسط البلد ، لنصرة الشعب السوري ، الذي يتعرض لابشع انواع القمع والتنكيل ، على ايدي نظام ” آل الاسد ” وليس حزب البعث ، الذي انتهى دوره الفعلي منذ عقود ، وتحول الى واجهة بائسة للاسرة ، لم تخرج عن هذا السياق .
المشاركون رددوا بحرقة المواطن العربي ، الذي يلازمه الالم السوري ، هتافات تدعو لحماية ابناء جلدتهم في حمص وحماة ودرعا وادلب ، من ممارسات الاسرة ، ولا اعني بالاسرة هنا الطائفة العلوية الكريمة ، التي قدمت لسوريا والعرب خيرة المفكرين والمناضلين السياسيين ، بل نسل حافظ الاسد والمستفيدين من حكمه ، وهم طيف يضم فئات من مختلف الطوائف السورية .
لكن الهتافات المركزية ، التي كانت تنطلق من السماعات ، لتتلقفها جموع الهتيفة ، لا تخلو من قطيعة ، مع فترة زمنية لا تصل الى العامين ، مما اظهرها وكأنها نباتات بلا تربة او جذور .
الكلمة التي القاها رئيس مجلس شورى حزب جبهة العمل الاسلامي علي ابو السكر، مع اقتراب المسيرة من ساحة النخيل ، حيث انتقد ايران وحزب الله ، ودعاهما الى مواقف مختلفة من الازمة السورية ، بدت وكانها المشهد التالي ، من مسلسل مكسيكي ، بدات اولى حلقاته قبل عام .
ففي السنوات التي سبقت ثورة الشعب السوري ، ركبت جماعة الاخوان المسلمين موجة المقاومة ، التي مثلها حزب الله في جنوب لبنان ، دون اي اعتبار لتراكمات سياسة آل الاسد ، التي استخدمت الحزب وحركة حماس وشعارات الممانعة، في قهر،السوريين واذلالهم .
وخلال تلك السنوات ، كانت قيادات الجماعة تحج الى بلاط ال الاسد ، للتبرك واكتساب شرعية المقاومة ، امام جمهورها في الاردن ، دون اية اعتبارات لواقع الفرع السوري في جماعة الاخوان المسلمين ، الذي كان ولم يزل محظورا في سوريا .
كما كانت قوى اليسار السوري ، بمختلف تياراته ، عرضة للملاحقة والاعتقال ، على ايدي اجهزة امن النظام ، وكذلك المثقفين العرب ، الذين اتخذوا مواقف واضحة الى جانب رفاقهم السوريين .
لم يكن ذلك الموقف الاخواني ، الذي لا يخلو من النفعية ، معزولا عن اسباب ومبررات ، اخفيت وراء شعارات العداء لاسرائيل ، التي رفعها ما كان يعرف بمحور الممانعة، المكون من ايران وسوريا وحزب الله وحركة حماس ، وان لم تكن خافية عن المطلين على العوامل المؤثرة في تفكير الجماعة ، والتي تتمثل في الطريقة التي اتبعت لاحلال قوى دينية بدلا من احزاب علمانية في مقاومة اسرائيل من جنوب لبنان ، والعلاقة التي كانت تربط حركة حماس مع حزب الله وسوريا وايران .
يحق لجماعة الاخوان المسلمين ، مثلما يحق لغيرها ، ان تغير موقفها ، المهادن لآلة القمع في سوريا الى موقف اخر ، الا ان هناك خطوات ، لا بد من اتباعها في عملية التغيير .
من بين هذه الخطوات ، مراجعة المواقف السابقة ، وطرح المبررات الحقيقية والمقنعة ، للوقوف الى جانب آلة التنكيل ، واضفاء شرعية دينية عليها .
كما يتطلب تبيان الحالات التي يمكن السكوت فيها عن القمع والملاحقة والتنكيل والاسباب المقنعة للخروج عن الصمت واتخاذ مواقف الى جانب المقهورين .
والاهم من ذلك يفترض على جماعة الاخوان المسلمين وحزبها جبهة العمل الاسلامي ان تقدم اعتذارا للشعب السوري والشعوب العربية عن مواقفها السابقة في مهادنة الة القمع السورية .
الاعتذار والمراجعة في حال حدوثهما ، لا يؤهلان الجماعة للمزايدة على القوميين واليساريين الذين يهادنون نظام القمع في سوريا ، لا لشئ سوى ان الفرع الاردني لجماعة الاخوان المسلمين كان سباقا في مهادنة آلة القتل والتنكيل والملاحقة ، حين كانت تطال رياض الترك وميشيل كيلو وفايز سارة وسهير الاتاسي وغيرهم من المثقفين والمناضلين العلمانيين ، مثلما كانت تطال الفرع السوري لجماعة الاخوان .