أقام الاخوان المسلمون يوم أمس مسيرة تضامنية مع “الثورة السورية” وسط عمان, وأرجو من القارئ أن يأذن لي في تعليقي أدناه بأن أدمج ما هو شخصي بما هو عام, وأن يتحمل مني أسلوب الانتقال السريع من فكرة الى أخرى, سعياً للاختصار رغم أن المقالة ستكون طويلة نسبياً:
* فقد كنت خلال السنوات الماضية ممن ينظرون بأمل الى المشروع الاسلامي بصفته مشروعاً صاعداً, وعندما اختار الأعداء من صهاينة وأمريكان, الاسلامَ عنواناً لعدوانيتهم تجاهنا, كنت وما زلت ممن يعتقدون أن هذا العنوان نفسه جدير فعلاً بأن يكون عنواناً للمواجهة من قبلنا, وعلى هذا, كنت ضمن فريق واسع من الأمة في صف المقاومة الاسلامية ممثلة في حزب الله وحركة حماس والجهاد الاسلامي على وجه الخصوص.
* صحيح أنني لم أكن اسلامياً من الناحية التنظيمية, لكني سعيت الى تدريب نفسي على قيمة اسلامية إيمانية كبرى هي “تقوى الله”, مع إدراكي صعوبة الوصول الى مراتب عليا فيها, لقد وجدت أنها تتفوق كثيراً على قيمة “الضمير” نظراً لأن هذه الأخيرة قيمة دنيوية ونسبية, بينما التقوى ترتبط بما هو ايماني مطلق.
* بهذه الروح كنت أتابع نشاط الاسلاميين, في مسيرة أمس, ونظراً لأنني لا أتفق مع الاسلاميين في موقفهم الحالي من سوريا, فقد حضرت وأنا قلق على ما أراه توظيفاً لانفعالات الشباب. ولكن لحسن الحظ, وربما لحسن التوفيق, لم يكن المشاركون مندفعين بحماس للهتاف, وانا هنا أقارن مع ما عودنا عليه جمهور الاسلاميين من شدة الانفعال, بل إن العدد كان متواضعاً نسبياً (مقارنة مع أعداد الاسلاميين في نشاطاتهم المركزية) فالمسيرة ابتدأت بحوالي ألفين وانتهت بأقل من ألف. وهذا من الزاوية التي أنظر بها الى جمهور الاسلاميين يسجل لهم لا عليهم, فهو بنظري دليل على أن هذا الجمهور لا يزال يعرف الوجهة الصحيحة لانفعالاته. في الواقع لقد كنت معتاداً على الشعور بكثير من السعادة عندما أسمعهم يهتفون بقوة ضد العدو ونصرة للمقاومة, وقد قمت أكثر من مرة بتهنئة قادة الهتاف على رجولة أصواتهم ووضوحها. لقد شعرت بالأمس أن جمهور الاسلاميين رغم مشاركته بالمسيرة لا يريد أن يسمح بالانحراف الى الضفة الأخرى, ولهذا لم يكن منفعلاً بشدة, وقد يقال أن ذلك ما تهيأ لي أو ما رغبت فيه, ولكن عذري أنني أرغب فيه من منطلق الاخلاص والمودة لهذا الجمهور, بصفته مكوناً من مكونات الجمهور الشعبي الفاعل.
* في الكلمة الرئيسية التي ألقيت في المسيرة, بدأ المتحدث بالتذكير بالآية الكريمة من سورة آل عمران والتي تقول: “الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل”. في هذه الأثناء كان بقربي ثلاثة شيوخ لا أعرفهم, قلت لهم ممازحاً: من يجمع لمن في الحالة السورية برأيكم? انظروا الى الجمع المكون من الأمريكان والأوروبيين والأمم المتحدة ومشايخ الخليج وقادة الدول العربية وقنوات البث العالمية وباقي الطقم من سمير جعجع والحريري وصولاً الى تنظيم القاعدة وغيرهم. قال لي أحدهم مبتسماً: مشيها يا حجي. فمشيتها.
* غير أن ما لا يجوز لأحدنا أن يمشّيه, هو حصل من هتاف ضد حزب الله ومن المنصة الرئيسية, لقد كان محزناً أن يُهتَف ضد حزب مقاوم في وسط عمان, هذا المكان الذي كان شاهداً طوال عشرات السنين على جماهير هتفت لفلسطين والجزائر ومصر وضد الأعداء من انجليز وصهاينة وأمريكان, وفي زمن قريب لغزة والعراق ولبنان. من المحزن فعلاً أن يتم الهتاف ضد حزب الله, وهو من أنبل الظواهر السياسية العربية الإسلامية في الزمن الحالي.
* سيسارع بعض القراء للقول إنني بكلامي هذا أخفي مناصرتي للنظام السوري, ولكن ما يهمُ أنصار “الثورة السورية” انهم يعتبرون كل كلام عن المقاومة والعدو مناصرة للنظام? بالنسبة لواحد مثلي فإن مرجعيتي في الشان السوري هي المعارضة الوطنية السورية الشريفة, وفي المرة الأولى والأخيرة التي التقيت فيها مسؤولاً سورياً سألت عن أمرين: الأول عن ميشيل كيلو المعارض السوري وقد كان معتقلاً, والثاني عن الفقر في سوريا, وهو اختصاصي. غير أنني اليوم لا أستطيع أن أرى أية ملامح لثورة خاصة في الطرف المسيطر عند خصوم النظام هؤلاء.
* أيها الاخوة, تعالوا معاً نعود الى الأسس, الى ما قبل السياسة, تعالوا بنا نتدرب على تقوى الله