هي القدس أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، مدينة السلام، زهرة المدائن. فيها الأقصى حيث مسرى نبي الهدى محمد الأمي العربي. بناها العرب الكنعانيون قبل أكثر من خمسة آلاف عام. كانت مقصد الغزاة والطامعين بكنوز الشرق وبالمجد، ولكنهم جميعا هزموا وظلت القدس دائما لأهلها صامدة وهادئة، ومحج محبي الحرية والأمن والسلام .. كانت أنموذج التعايش الديني المسيحي الإسلامي، فهي الأرض التي بارك الله حولها، وهي المكان الذي انتصر فيه العرب والمسلمون على الصليبيين في حطين.
هي القدس التي احتل الصهاينة جزءا منها في العام 1948 وأكملوا الاحتلال في يونيو عام 1967.
واليوم يتعرض الأقصى لمحاولة الهدم وتتعرض القدس للتهويد على مرأى ومسمع من العالم كله .. والمحتلون يجهدون لجعل أهلها العرب مجرد أقلية والأقصى مجرد خبر كان في التاريخ، حيث يخطط المحتلون لهدم الأقصى وبناء هيكلهم المزعوم في مكانه .. وكل هذا ونحن نتفرج ولا نملك إلا أن نحزن عن بعد ونضع أيدينا على قلوبنا لأن من هم مكلفون بتحريرها هم نحن: أهل فلسطين وأهلنا العرب وأشقاؤنا من مسلمي العالم.
حين نقول هي عاصمة فلسطين فمعنى ذلك أن الفلسطيني مسؤول عن تحريرها.. وحين نقول إنها عاصمة العرب، فذا يعني أن مسؤولية تحريرها تقع على عاتق العرب .. وحين نقول هي عاصمة المسلمين فذلك يحمل المسلمين في كل أرجاء المعمورة مسؤولية تحريرها.
لكن إن كنا من جيل ليس مسؤولا عن احتلالها فنحن حتما من جيل يتحمل مسؤولية التحرير وذي أمانة في عنق كل منها: فلسطينيين كنا أم كنا عربا أو مسلمين، وعلى كل منا تقبل المسؤولية لا التهرب منها. ولكن أين نحن من تحرير عاصمتنا؟
سؤال محزن بدوره؛ لأن أهلنا الفلسطينيين مشغولون بمحاولة الوصول إلى المصالحة .. ولأننا كعرب منهمكون في أمور أخرى منها أن نجيب عن سؤال يتعلق بمدى رضا السيد الأميركي عنا وعن أعمالنا وسياساتنا .. ولأننا كمسلمين منهمكون أيضا؛ كل منا في مشكلاته الخاصة وغارقون نحن في كل شأن إلا الشأن المقدس وهو تحرير فلسطين بقدسها وبأقصاها لنحظى برضا الله والتاريخ والضمير، ولنسدد دينا في أعناقنا لكل من استشهد على أرض فلسطين، لكي تكتحل عيون أحفاده أو أولاده برؤية علم فلسطين وأعلام العرب والمسلمين ترفرف فوق القدس المحررة والمتحررة، ولتكن مقابرنا في منجاة من عبث طغاة الأرض العنصريين الذين لاحقوا من دفن في أرضنا كما يلاحقون أطفالنا، وكل تراثنا وتاريخنا ويعملون على مصادرتنا كما على مصادرة عروبة القدس وإسلامها.
أين نحن اليوم من مهام التحرير الشامل والكامل لفلسطين بأقصاها ومهدها؟ لكي نكون جديرين وفخورين بانتمائنا العربي والفلسطيني والإسلامي فليس أمامنا سوى أداء الواجب وإنفاذ وصية كل شهداء الوطن .. علينا أن ننسى أطماعنا، وأن نتخلص من البحث عن مصالحنا الأنانية، وأن نبتعد عما يجعلنا بعيدين عن قدسنا.
أيها الفلسطيني: القدس عاصمتك فتحمل المسؤولية وعليك أن تؤدي الأمانة.
أيها العربي: القدس عاصمتك فعليك أن تجاهد لانتزاعها من بين أنياب الفك المفترس الصهيوني.
أيها المسلم: القدس عاصمتك فتحمل وزر تحريرها مع كل عربي وفلسطيني.
أيها الباحث عن العدالة والأمن في العالم: عليك أن تضع يدك فوق يد كل من يروم تحرير القدس وافتداءها بالروح وبالدم.
