بالرغم من الرغبة العارمة لدى الشعب الأردني بكشف حقائق الفساد في البلاد، فإن الكثير من علامات الاستفهام ثارت حول “تحريك” ملف الكازينو بالذات بعد استجواب قام به مجلس النواب قبل أشهر، في الوقت الذي تعاني فيه ملفات الفساد الاخرى التي ضاعت فيها مئات الملايين وأكثر من الأموال من حالات التردد في التحقيق وكشف المعلومات وحتى الحرص التام والشديد على عدم السماح بإغتيال الشخصية فيها!
ولكن رئيس الوزراء السابق معروف البخيت وسبعة من وزرائه تعرضوا لاغتيال شخصية مباشر في الأسبوع الماضي عندما طلب المدعي العام التحقيق معهم بسبب قضية الكازينو. ربما اثار البخيت الكثير من الإشكاليات بقراراته التي اتخذها، وتلك التي لم يتخذها عندما كان رئيسا للوزراء مرتين ولكنه بالنسبة لمعظم الناس ليس شخصا فاسدا وليس من السياسيين الذين جمعوا السياسية بالبزنس والمال فهل من المنطق أن يكون هو المسؤول الحكومي الكبير الوحيد الذي يتم اتهامه رسميا بالفساد؟
الأمر لا يتعلق فقط بالبخيت والذي حظي بدعم عشائري وسياسي وإعلامي لا يستهان به، فالوزراء السبعة الذين تم اتهامهم تعرضوا ايضا لتشويه لسمعتهم وربما بطريقة لا يستحقونها أبدا، وأقول وبمنتهى الثقة بأن بعضا من هؤلاء الوزراء على الاقل –حسب معرفتي الشخصية- هم من أنزه واكفأ الوزراء الذين شهدهم الاردن في السنوات القليلة الماضية فهل تكون مكافأتهم في نهاية الأمر اتهامات بالفساد قد تبقى لتشوه سمعتهم دائما حتى في حال صدور قرار بالبراءة؟
ما يثير التساؤل ايضا هو استهداف هؤلاء الوزراء بالذات من بين أكثر من نصف مجلس الوزراء الذي وقع على الاتفاقية. نعرف بأن هنالك ثلاثة وزراء أبدوا تحفظاتهم ولو يوقعوا ومنهم وزير العدل لأسباب قانونية ووزير الأوقاف لأسباب دينية ووزير ثالث لم يكن مقتنعا بكل الفكرة، ولكن المسؤولية التضامنية لا تعني فقط اختيار مجموعة من مجمل الوزراء وتحميلها المسؤولية. نحن نعرف جميعا بأن في كل جلسة لمجلس الوزراء توجد أكثر من اتفاقية للتوقيع وهي تمر عادة بعدة مراحل من التدقيق وخاصة من قبل الوزير المعني بالقطاع ووزير الشؤون القانونية وغيرهم فهل من المطلوب من كافة الوزراء ترك أعمالهم والتفرغ لقراءة كافة الاتفاقيات قبل توقيعها؟
الأمر الثاني هو ان ايا من الوزراء لم يستفد ماليا من التوقيع فلم تكن هذه قضية عطاءات أو فساد إداري فهل من المنطقي جعل قضية الكازينو التي لم تدفع فيها الدولة فلسا واحدا أهم من قضايا سكن كريم وموارد وغيرها من الصفقات التي تتضمن مئات الملايين إما في سوء التقدير أو النهب المباشر؟
هذه مسألة أخلاقية وإدارية صعبة التقدير. نحن جميعا نريد فتح ملفات الفساد ولكن نريد ملفات الفساد الحقيقية وليس تلك التي هي “اسهل” أو أكثر أمنا، والشعب من الذكاء الكافي بحيث لايقتنع بتقديم بعض الأسماء على مذبح مكافحة الفساد لإرضاء مطالب الشارع وترك القضايا الأشد إثارة للتساؤلات. وفي نفس الوقت من الضروري أن يتم التفكير مرة ومرتين وعشرة قبل تشويه سمعة شخصيات سياسية ذات نزاهة حقيقية وانتماء لا يقبل التشكيك، فإذا كنا نرفض اغتيال الشخصية من قبل وسائل الإعلام فكيف نقبله من مؤسسات الدولة نفسها?
الدستور