كتب / ناصر قمش
التحفظات الكثيرة التي تكتنف بعض الحراك الشعبي المطالب بالاصلاح تقابله اعتراضات اخرى على الخطاب الذي تطرحه فئات تقدم نفسها على انها في صف الموالاة في هذه اللحظة “ الملتبسة “ من تاريخنا .
فقد اتيحت لي فرصة متابعة الكثير من المظاهرات والاعتصامات في مختلف مناطق المملكة، من شمالها الى جنوبها منذ بدء الربيع الاردني وحتى اخر موجة قطبية ، لاحظت خلالها ان بعض هذه الفعاليات انزلق لمربع الابتزاز للحصول على استرضاء يقابله من الدولة .
وبالمقابل فان هنالك حراكات راشدة وواعية، ومنظمة تطرح قضايا وطنية ومطالب تهم معظم الناس، بعد ان طورت هذه الحراكات خطابها، واصبحت اكثر تلمسا لاحتياجات الوطن ،وقربا من نبض الشارع وظروفه، ومحددات صنع القرار فكانت على قدر من المسؤولية والرزانة .
الا ان المفاجئ في الامر ان التيارات التي تقدم نفسها على انها في صف الموالاة لم تطور خطابها، او ادواتها وفشلت في التأطير والتحشيد لوجهة نظرها، وموقفها بسبب افتقارها للادبيات التي تمكنها من الظفر بتأييد قاعدة وفيرة من المناصرين.
ذلك ان اشد المفارقات التي تستوقف المراقبين بان هذه الفئة تقابل الشعارات التي تطرحها المعارضة بشعارات اخرى تحاول تنصيب النظام السياسي، كخصم للمطالبين بالاصلاح والتغيير ومحاربة الفساد وتعديل التشريعات والمطالبة بالمساواة والعدالة
وهو الامر الذي يتناقض تماما مع واقع الحال، فالنظام السياسي يتقدم ببضع خطوات على المطالبين بالاصلاح، من خلال مبادرته الدائمة لدعم الاصلاحات المطلوبة التي تتوفر لديها فرص التوافق الوطني، باعتبار هذه الاصلاحات تخص جميع الاردنيين، ولا يمكن تقديمها كهدية لفئة محددة واستعداء الفئات الاخرى .
الملك نفسه اكد اكثر من مرة في جميع اللقاءات التي اجريت معه بانه انتظر الربيع العربي بضع سنوات حتى يعينه على تحقيق اصلاحات داخلية، ولا نمالئ جلالته اذا قلنا ان ما نلحظه من اصرار لديه على التقدم بالربيع الاردني واجراء الاصلاحات ومحاربة الفساد يؤكد بان هذا الربيع مثل اكبر اعانة له على تحقيق ما عجز عنه في وقت سابق .
فمن يعود الى الخطابات الملكيه وكتب التكليف للحكومات يلحظ انه كان على الدوام يشير الى امتعاظه من القوى المعيقة للاصلاح والمعارضة له .
وهذه الخطابات تم توجهيها قبل الربيع العربي بسنوات؛ ما يعني ان جلالته استعان بهذا الحراك وبموجة الربيع العربي على تحقيق ما لم يتمكن من تحقيقه في السابق . لذلك فليس من المنطق والمقبول من نشطاء “ الموالاة “ الاستمرار بهذه الخفة في التعامل مع مطالبات الاصلاح ووضع العصي بدواليبه من خلال الهتافات التي نسمعها .
ما ينطبق على حراك الموالاة ينسحب على اداء الكثير من اذاعاتنا المحلية التي مازالت تغرد خارج سرب الاجماع الوطني بضرورة استيعاب اللحظة التاريخية ومتطلباتها .
فالعالم بعد الربيع العربي ليس كقبله ، ولايمكن المضي قدما بنفس الادوات السابقة، والاساليب القديمة من خلال التحشيد والتعبئة فالاناشيد والاغنيات لا تبني اوطانا .
التهليل والتطبيل والتزمير لم يعد له اي فسحة في حديقة الربيع العربي، فهذه المصطلحات اكل عليها الدهر وشرب ولا يمكنها ان تقدم اي قيمة مضافة لاوضاعنا الحالية التي تستوجب استنهاض كل الهمم لتجنب اوضاع كارثية.
فاذا كنا مع النظام فالاولى ان نتحدث عن تحول الاردن الى وجهة صحية للاستطباب بفضل الجهود التي بذلت لتطوير القطاع الصحي في الاردن.
وربما كان من الاجدى استعراض الانجازات التي كرست الاردن كوجهة تعليمية لمعظم الدول المحيطة بنا، بدلا من مهاجمة المعلمين المضربين وتسفيه مطالبهم .
كما ان الحديث عن مظاهر الامن والامان في المملكة كما يرى زوارها اكثر تأثيرا من بث اغان تمتدح شرطة النجدة والشرطة النسائية والدرك.
لم تكن شرعية الحكم في بلادنا يوما من الايام قائمة على تبجيل الاشخاص وانما قامت على الانجازات الحاضرة في حياتنا .
كلنا يذكر كيف رفض الحسين رحمه الله ان تقيم له امانة عمان تمثالا وامر بهدمه لان الحسين اراد لانجازاته ان تكون مادة للحكم عليه امام التاريخ وليس نصبا تذكاريا .
على جميع من يحسبون أنفسهم في صف الموالاة ان لا يعيدوا انتاج قصة الدب الذي قتل صاحبه وان يخوضوا مراجعة معمقة لخطابهم الذي يعيق عجلة الاصلاح ويسيء للنظام اكثر مما يفيده في هذا الظرف الدقيق الذي تمر به الامة.