كتب – جهاد الرنتيسي -،تستحق مآلات التسونامي العربي ، الحاضر في اولوياتنا ، الخروج من تابوهات السجال السياسي الاردني ، الغارق في اولويات الاصلاح السياسي والدستوري ومكافحة الفساد لتأخذ نصيبها من فضاءات القضايا الخاضعة للجدل .
،تشابه البنى الاجتماعية ، وطبيعة القوى السياسية ، في الاردن وبلدان التسونامي العربي، يملي مثل هذه الخطوة ، رغم خصوصيات تجربة تكوين الدولة القطرية ، ومراحل تطورها ، واختلاف مطالب الحراكات.
،اول ما يقود اليه سؤال المآلات المفترض امكانية ان تفضي عملية التغيير العربية المختلف على تسميتها الى الانتقال من نظم غير ديمقراطية الى اخرى شمولية اكثر تقييدا للحريات .
،ملامح هذه الامكانية ظهرت في اكثر من بلد مر به التسونامي وخلف وراءه ركام نظام سياسي لم يكن بقاءه ممكنا بعد مفارقته روح العصر ، ومؤشرات ارتداد الى مكونات ما قبل الدولة الوطنية يعيد انتاج ظروف الازمات .
،الاجواء التي اوجدها قفز هذه المكونات الى الواجهة ووصول بعضها الى السلطة لم تتح فرص التفاؤل بافاق بناء انظمة سياسية اكثر انفتاحا على حركة الزمن .
،في ليبيا مثلا لم يستطع الثوار الذين اطاحوا بدكتاتورية القذافي رؤية تمثال جمال عبدالناصر الزعيم القومي الذي ارتبط اسمه بمحاولة استعادة الامة على ارضية التحرر والتحديث وان بقيت تجربته محل اختلاف .
،هدم التمثال الذي بناه القذافي للتمسح بالناصرية على امل اكتساب شئ من الشرعية لم يخرج عبدا لناصر من التاريخ ولكنه اعاد الى الاذهان تجربة حركة طالبان الافغانية في هدم التماثيل.
تونس التي حققت خلال حكم بورقيبة منجزات في بناء الدولة والمجتمع والقضاء على الامية لم تبتعد تحولاتها كثيرا عن المناخ الليبي رغم محاولات زعيم حزب النهضة راشد الغنوشي الايحاء بانه حالة مختلفة .
،فهناك حالة من الفرز اليومي بين القوى الدينية والعلمانية تغذيها ممارسات من قبيل ملاحقة الاعلاميين بقوانين عرفية ومنع فنانات عربيات من الغناء في تونس وطواف السلفي وجدي غنيم في المدن التونسية للدعوة الى ختان النساء وهي بالمناسبة عادة فرعونية لا تمت للاسلام بصلة .
،تطورات الحالة المصرية كانت الاكثر تعبيرا عن النزعة الشمولية في تفكير التيار الاخواني الذي حقق اغلبية في البرلمان .
،فقد اهدى المرشد العام لجماعة الاخوان المسلمين د . محمد بديع كتاب ” التصوير الفني في القرآن ” وهو احد مؤلفات سيد قطب لنقيب الفنانين المصريين اشرف عبدالغفور الذي زاره مستشرفا رؤية الجماعة للفن .
،كما حدد بديع رؤية جماعته للفن والتي تتمثل في ان يكون هادفا يرتقي بالمجتمع وغير مبتذل وهي مواصفات مطاطة تختلف بين الاشخاص والعصور والجماعات والثقافات والاهم من ذلك ان زيارة نقيب الفنانين للمرشد العام جاءت بعد طرد فريق مسلسل “ذات” المأخوذ عن رواية تحمل نفس الاسم للكاتب اليساري الملتزم فكريا صنع الله ابراهيم .
،مظاهر التفكير الشمولي لدى القوى المؤثرة في بدايات مرحلة ما بعد التسونامي العربي تجد ما يحاكيها في ممارسات جماعة الاخوان المسلمين في الاردن خلال العقود الاربعة الماضية .
،بعض ظواهر هذه المحاكاة تمثلت في تحريم د . اسحق الفرحان الفلسفة وحرمان طلبة المدارس الاردنية من دراستها حينما كان وزيرا للتربية منذ ما يزيد عن اربعة عقود ، والحملة التي شنها الاخواني تيسير الفتياني على الفنانة روبي لمنعها من الغناء في الاردن حين كان نائبا في البرلمان ،، ومعارضة عودة مهرجان جرش ، ومساهمات في التضييق على كتاب ومبدعين .
،ولا تخفي اوساط الاخوان الساعين للسلطة في الاردن اتفاقها مع فروع الاخوان الاخرى على ايجاد مرجعية دينية للحكم دون وضع اعتبارات لاهمية التوافق المجتمعي في تحديد ،المرجعيات .
الوقوف عند هذه القضايا لم يعد ترفا فكريا في اجواء التغييرات السياسية التي تمر بها المنطقة ، ولا يعني نقاشها توفير غطاء فكري لقوى الشد العكسي ، او رفض الاصلاحات بمختلف اشكالها وفروعها ، بقدر ما هو ضرورة للاستفادة من تجارب الاشقاء , وتجنب خطوات غير محسوبة النتائج سيكون لها اثارها المدمرة على مستقبل الحياة السياسية والثقافية في الاردن .
،