من الأمراض النفسية الخطيرة مرض الكبر والعجب بالنفس، والذي يمثل انحرافاً خلقياً يجنح بالإنسان عن سبيل الحق، وهو من أبرز وأخطر العوامل التي تدفع إلى الإنحراف في المفاهيم الفكرية، ولأنه متى نفخ الكبر في أنف المستكبر المغرور، واستولى على عقله وارادته، ساقه بعنف شديد وتمرد لئيم إلى غمط الحق وطمس معالمه، ثم إلى انتحال صور من الباطل يعمل على تزيينها وتحسينها بالأقوال المزخرفة، والحجج الملونة، وهي في حقيقتها مظاهر خادعة أشبه بالسراب الكاذب.
يدفع المتكبر شعور بالاستعلاء الذاتي على الأقران والنظراء وعلى المكانة التي يجد نفسه فيها داخل مجتمعه، ويرجع إلى الرغبة بإشعار الآخرين بالإمتياز عليهم ولو لم يكن لهذا الإمتياز وجود في الواقع فهو انتفاخ بغير حق، وتطاول بغير مسوغ، وتعالٍ بغير حق، وتصغير للآخرين أو تصغير مالهم بغير حق، ويقترن بهذه الرغبة الشعور الجاهل المغرور بالإستغناء الذاتي عن غيره. للكبر والعجب بالنفس أسباب نفسية تنبع من منابع الأنانية المفرطة منها: الطموح الجامح إلى الإمتياز على الآخرين، والرغبة المجنونة باحتلال المرتبة المتفوقة ولو بغير حق، ومع إرادة هذا العلو في الأرض يأتي الشعور بالإستعلاء الذاتي، وصنف من هذا النوع يجد أنّ من حقه على المجتمع أن يمنحه هذا الإمتياز والتفوق، وإذا أحسّ أنّ المجتمع يجابه طلبه بالرفض فإنه يحقد عليه، وتبدو منه تصرفات عجيبة حمقاء لا تمت إلى الأخلاق والإنسانية بصفة، وهذا النوع لا يريد أن يعرف أن طريق المجد صعب، وأنه طريق لا يرتقى إلا بشق الأنفس، وبنفسية طيبة وبفطرة نقية.
نفسية المستكبر الكريهه تزين له أن يختصر الطريق، بدل ان يكدح لنيل المجد من خلال أخلاقه وعلمه ونبل صفاته، وهو لا يريد أن يعرف ان طلب العلا وطريق المجد له مؤهلات أجمع عليها العقلاء وهي ليست معاكسة لسنة الحياة، ولطبائع الأشياء، وليس له عن طريق استكباره الأهوج أن يعتلي مرتبة لا يستحقها أو يمتطي صهوة حماقاته ليعيث في الأرض فساداً، إنه في جوهره كالزبد الذي يربو على الماء ويتعالى مستكبراً منتفخاً، ثم يذهب جفاءً مطروحاً لا قيمة ولا كيان له، إن طلب المعالي عن طريق الإستكبار غباء شديد، ان الصلة بين المكارم والإستكبار منقطعة تماماً، ولا يتصلان إلا في وهم المتعالي أو في أحاديث مرضى العقول.
ومن أسباب العجب في النفس والمشي في الأرض مرحاً، الرهبة في إخفاء ما يشعر به هذا الصنف من نقص في ذاته أو في عمله، وهو حريص على أن يكون في أعين الناس كبيراً، وهو بهذا السلوك يوجه أنظار الناس إليه باحثين عن حقيقة حاله والناس أذكياء، لا يخفى عليهم محاولات المستكبر، ولا تخفى عليهم أهدافه، ولقد كان باستطاعته أن يستر نقصه بالتواضع، ولين الجانب، والتحبب إلى الناس، والصمت فيما يجهل، والبعد عن الأنانية، والإعتذار عما لا يحسن، وعدم الإفتراءات الباطلة.
لذلك شدد الإسلام على تحريم الكبر لأنه من أقبح الإنحرافات الخلقية، وأنه قد يدفع بصاحبه إلى جحود خالقه، وبالمقابل رغَبّ بالتواضع وَحَثَّ عليه، وَمَجَّد المتواضعين وأثنى عليهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله»، والمتعالي على عباد الله بماله أو منصبه أو نسبه ينازع الله هذه الصفة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل: « الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحداً منهما قذفته في النار»، ولكن ليس المراد من الكبر ما يشمل رغبة الإنسان بأن يكون مظهره أنيقاً ولباسه حسناً، بل المراد كما فسره الرسول الكريم « بطر الحق وغمط الناس»، إنّ المظاهر الجمالية والرغبة في الإناقة لا تكون أبداً من قبيل التعالي ولا دالة عليه، وعلينا أن نعلم أنّ العجب بالنفس والكبر على الناس بدون حق من المعاصي الكبرى ومن الكبائر، وربما إن استمر المتكبر على أفعاله أن يخرج من دائرة الإيمان والإسلام إلى دائرة الكفر والمقت من الله عز وجل في الدنيا والآخرة.