في مقالة سابقة في هذا المكان حلصنا الى ان ما يسمى بالربيع العربي هو حاصل استغلال واقع شعبي عربي متعطش للحرية واالعدالة واحترام انسانية الانسان وتتفجيره تحت شعارات الحرية والديمقراطية حتى اذا ما نزلت الجموع الغفيرة الى الشوارع تطالب بالعدالة يتم توجيه هذا السيل الجارف نحو نشر الفوضى التي تخلق كيانات طائفية وعرقية وغيرها تنفيذا للمخططات الغربية الاسرايلية ليصبح هذا الربيع اسرائيليا غربيا بدلا من ان يكون ربيعا عربيا.
ممارسو رياضة القفز العالي يرجعون الى الوراء بضع خطوات لتحقيق قفزة رائعة… والعسكريون في المعارك يمارسون انسحابا الى الخلف لتعزيز مواقعهم وتحقيق هجمة ناجحة على العدو… ولذا فاننا نرى ان عودة بالذاكرة الى الخلف تساعدنا على فهم الواقع واحتمالات المستقبل .
وعودة بالذاكرة الى الوراء قليلا تؤكد لنا ان ما يسمى بالربيع العربي لم يبدأ في تونس مع احراق البوعزيزي لنفسه كما روجت وسائل الاعلام وعرضت الموضوع بطريقة اشبه ما تكون بالعرض المسرحي الدرامي الكفيل بشد انظار المشاهدين.
شباب الربيع الذي تشهده الساحات العربية في غالبيتهم من مواليد العقدين او الثلاثة عقود الماضية…. بحاجة ماسة الى الرجوع خطوات للخلف لفهم القضية وتعزيز نظرتهم لما يجري وكيفية التعامل معه كي لا يتحولوا الى وقود في الحرائق التي يشعلها الاخرون لتدمير الاوطان وانما نريدهم شموعا تضيء الطريق وتنير هذه الاوطان.
بضعة خطوات الى الخلف تقودنا ان الربيع العربي بدأ بالعراق ..ولم يبدأ بتونس وان اختلف شكل الاخراج المسرحي ..فالاهداف واحدة والممثلون هم انفسهم ..والمضمون واحد .
خطوتان الى عقدين او ثلاثة عقود من الزمن توضح ان القوى الاسرائيلية الغربية قد حددت عناصر القوة العربية بأربعة عناصر تشكل اعمدة البيت العربي وهي … العراق بصعوده المتسارع نحو امتلاك القوة والتقدم…..ومصر بثقلها الحضاري والتاريخي…وسوريا بتوجهها القومي والعقائدي ….والسعودية بثقلها الروحي والديني.
هذه القوى كانت وما زالت محط انظار اسرائيل والقوى الصهيونية المتحكمة بالسلوك الامريكي الغربي ..لان تدمير هذه القوى “الاعمدة “كفيل بانهيار البيت العربي برمته لصالح المخططات الاسرائيلية الرامية الى السيطرة على المنطقة.
ولذا فقد بدأ العمل على كسر العمود العراقي ..و تم كسر هذا العمود على مرحلتين الاولى عندما تم توريطه بحرب استمرت منذ عام 1980 وحتى عام 1988 مع ايران التي ومنذ الثورة الايرانية بدأت بمحاولة تصدير ثورتها والاعتداء على العراق بدءا من اول اعتداء على قصبات وبلدات عراقية نفذته في الرابع من ايلول من عام 1980 حيث استمرت الاعتدءات بشكل يومي الى ان قام العراق بالرد على هذه الاعتداءات بقصف مواقع ايرانية في ال 22 من ايلول 1980 ولتقوم ايران في الوقت ذاته بقصف منشأت عسكرية واقتصادية عراقية لتشتعل الحرب.
لقد كان هدف الغرب الذي كان يزود ايران بالاسلحة والذي فضح ذلك فضيحة ايران جيت التي كشفت عن توريد اسلحة الى ايران عن طريق اسرائيل هو تدمير العراق وانهاكه.
لكن العراق خرج من المعركة قويا رغم الخسائر والتضحيات التي قدمها الى درجة تم تصنيف جيشه انذاك بانه الرابع بين جيوش العالم بعد الجيش السوفيتي والامريكي والبريطاني ليأتي الجيش الفرنسي.
المرحلة الثانية من الاستهداف العراقي بدأت من خلال اتهامات بانه يملك اسلحة محرمة دولية كيماوية ونوويه واتهامات بخرق حقوق الانسان وغيرها وبممارسة ضغوط اقتصادية عليه والعمل على النزول باسعار النفط الى 7 دولارات للبرميل …لمنع العراق من اعادة البناء والاعمار…اتهم العراق دولا عربية بالاضرار بأمنه واقتصاده من خلال اغراق سوق النفط العالمي ..وشكا للعرب وقال صدام حسين مقولته الشهيرة ( قطع الاعناق ولا قطع الارزاق)
واشتدت بهذا الصدد الخلافات بينه وبينه الكويت …الى ان ارتكب صدام غلطته وقام باحتلال العراق ..حيث بدا ساعتها انه وقع بالفخ فتكالبت عليه 36 دولة من الويات المتخدة الامريكية ودول الناتو ودول عربية شقيقة وغير عربية في حرب دمرت العراق واعادته عشرات السنين الى الوراء..ليظهر لدينا عراق جديد بملامح مختلفة كلية ظهرت فيه المذهبية والعرقية وغيرها لدرجة ان العراق اصبح عرقين او اعرقة عديدة لا يستطيع ان يدافع عن نفسه امام اي هجوم خارجي مهما بلغ صغير حجمه…وهكذا تم تدمير قوة عربية .
في هذا السياق علينا ان نفهم استهداف مصر….الحقيقة ان مصر كانت في طريقها الى الفوضى والدمار لولا ان الجيش مسك بزمام الامور…مصر ما زالت الان في عنق الزجاجة..وتكافح لتعبر هذه المرحلة بالبلاد الى شط الامان ..وهناك قوى خارجية وداخلية تعمل على اعادة الفوضي الى البلاد لتدميرها… الذين روجوا للثورات من امريكان وناتوو عرب ..لم يقدموا لمصر الثورة اية مساعدات…وهذا باعتراف المسؤولين الممصريين…بالعكس هم يقدمون اموالا طائلة لجماعات نشر الفوضى في مصر ..وهذا باعتراف المسؤولين المصريين …في ثلاثة اشهر تم ادحال 175 مليون دولار من الولايات المتحدة فقط الى ما تسمى بمنظمات المجتمع المدني….هذه المنظمات هي التي تعمل على عرقلة جهود الاستقرار.
وفي هذا السياق علينا ان نفهم ما يجري في سوريا من تحالفات دولية وجماعات مسلحة وغيرها ..وعلينا ان نفهم ايضا ما حدث في ليبيا التي تقول الارقام ان فيها الان اكثر من خمسين فصيلا مسلحا وان ليبيا تحولت الى مناطق نفوذ لقبائل وجماعات مسلحة وانها تعيش حربا اهلية …لكن الاعلام الغربي والعربي التابع له الذي كان يركز على اي حدث ابان ربيع ليبيا… لا يلقي بالا للذي يحدث الان.
نستطيع القول ان عمليا ت تدمير عناصر القوة العربية تسير وفق المخطط لها…ولم يبق منها الا المملكة العربية السعودية…. هل تنتظر السعودية ..حتى يأتي دورها… نتمنى ان يعي العرب ذلك ..ويحفظ الله البلاد والعباد
Write a reply…