جمال زهران يرثي نابليون عمان

كتب: جمال زهران/
خبر كالصاعقة نزل على رؤوس المقربين منه وتناقلته الألسن وانتشر سريان النار بالهشيم وتأسفوا عليه وندبوا حظه، وعزى الكثيرين لحصول كرامات على يديه.
والحقيقة غير ذلك فنبيل عبد الرحمن هو مواطن اردني ككل المواطنين، له حقوق وعليه واجبات، وهو من فئة احتسبها الله تعالى وابتلاها بالمرض العقلي، نبيل هو انسان وكائن بشري قبل كل شيء، وهو واحد من عشرات بل ربما بظل الظروف الاردنية الحالية فئات وربما الوف على امتداد تشعبات الوطن الأردني.
هؤلاء المرضى العقليين بين هلالين (المجانين) الذين يجمعون بين المرض العقلي والمرض النفسي والتشرد، فهذه الفئة التي تعيش كما عاش نبيل بلا مأوى وبلا ادنى رعاية صحية واقتصادية واجتماعية يفترشون الارض ويلتحفون السماء.
نبيل كان (رحمه الله) قارئا للقرآن الكريم، مواظبا على مطالعته ليل نهار، يجمع ما بين المشي وقراءة القرآن الكريم، عزيز النفس لا يطلب إلا ما يقيم الأود ويحفظ الرمق، والبعض من اهل الخرافات الشعبية، كانوا يجتمعون به ويطلبون ان يدعي اليهم حتى لا تتعركس امورهم، نبيل واحد من فئة ليست قليلة، تمر عليهم الناس بلا ادنى اكتراث، واهملتهم المؤسسات الاجتماعية الرسمية والاهلية منها.
ماذا حل بهم، تأسفوا لحاله بعد أن عثروا عليه جثة هامدة، ومنهم من قال الموت ارحم له، ومنهم من ذهبت عليه تسلية، كان يتمدد من المسجد الحسيني الكبير وحتى باب الأمانة، حيث يفترش المرحوم نبيل.
نبيل قضى ردحا من الزمن يعاني ويتعذب ويحاول الاستعانة بكلمات الله عز وجل، حتى تخفف عنه العذاب، ولكن مرت السنوات تلو السنوات، والايام تلو الايام، ولم يلتفت اليه احد، والى اقرانه المتألمين، السؤال بحالة المرحوم نبيل، اين الاهل واين وزارة التنمية الاجتماعية، واين صندوق المعونة الوطنية، واين المؤسسات الخيرية والدينية والطبية عنه وعن غيره؟،نبيل الشاب الاردني هو وصمة عار على جبين هذه المؤسسات، وهو علامة سوداء من الواجب أن يندى لها الجبين.
سألنا بعض المقربين منه فقالوا: “كان مهموما بهم الاخرة، وحالما منفصلا عن الواقع لا يفكر الا بلقاء ربه، يتلوا ما ينشر من الذكر، طالبا للحسنات، مبتعدا عن السيئات، مهملا للدنيا الغرور، زاهدا بها ومع مرضه، لم يتخل قيد انملة عن طلب رضا الله سبحانه وتعالى، ولكنه كان مريضا فقط ولا شيء غير ذلك، حالة اجتماعية انسانية تستحق النظر اليها بتجرد، بعيد عن الزيف والرياء من قبل الافراد والمؤسسات المتآكلة التي تخربها سوس الفساد الاقتصادي والاجتماعي وحتى الانساني، بما يسمى بالدول المتقدمة، هنالك دور للرعاية الاجتماعية والصحية والاقتصادية بوسط كل مدينة، تلوذ بها من يعانون غياب الحنان وفقدان الاخل والاحبة والمرضى، فيطلبون ويتجمعون بأماكن نظيفة وتقدم لهم العلاجات المناسبة، من قبل اختصاصيين، والتغذية المفيدة.
لا نريد ان نعطي صورة مضخمة للمرحوم نبيل الذي هو فئة مهملة ومغيبة من مواطنينا وشعبنا الاردني، وحدها تجدها على الارصفة والشوارع، وفي الدروب والازقة بوسط العاصمة عمان، ورحم الله نبيل، فاكرام الميت دفنه ولعل ضمائر مؤسساتنا تصحو على منهم على قيد الحياة من رفاق وزملاء نبيل.