كتب: جهاد الرنتيسي/
ارادة الاصلاح بتشعباته السياسية والدستورية والاقتصادية ومكافحة الفساد لا تنفي مخاوف الاردنيين من اثار وتبعات التسونامي العربي على الحياة السياسية والاجتماعية.
المخاوف حاضرة ، لان الكأس الاردنية ليست فارغة كما يتوهم البعض ، الشوط الذي قطعه الاردنيون في بناء الدولة ، ووضعها على طريق العصرنة والتطور الاجتماعي ، الحفاظ على امنها واستقرارها في مثلث الازمات ،يستحق ان يخشى عليه ، واجواء المحطات التي توقف عندها التسونامي العربي ما زالت مفتوحة على المجهول ، وقابلة للتأويل في اكثر من اتجاه .
فتوى تأثيم الاردنيين من اصول فلسطينية التي اصدرها المراقب العام لجماعة الاخوان المسلمين د . همام سعيد لا تخرج عن سياق محفزات مخاوف قطاعات واسعة من المجتمع الاردني .
ان ياخذ راي المراقب العام شكل الفتوى يعني من حيث المبدا حشر للمقدس في المسيس وادخال الدين في السياسة .
خطورة الادخال والحشر الذي اقدم عليه د . سعيد تكمن في مكانة و موقع صاحب الفتوى الذي يقود تيارا يسعى الى المشاركة في السلطة السياسية ولا يخلو الافق من مؤشرات على تحقيقه بعض مساعيه .
لا نضيف جديدا اذا قلنا بان الحكم باسم الدين يتعارض مع متطلبات الدولة المدنية التي تنتمي الى عصر لا تلتقي روحه باي شكل من الاشكال مع الدولة الدينية التي جربها الطالبان في افغانستان والملالي في ايران وثبت فشلها في ادارة الحياة اليومية ، المتعلق منها بالمجتمع او العلاقة مع الآخر .
لكن هذه التطورات تعطينا حق الشك في جدية التطمينات التي حرص المراقب العام على توجيهها من الساحة الترابية المحاذية لفندق الريجنسي الى مكونات المجتمع الاردني للحد من مخاوف انفراد الحركة الاسلامية بقيادة الاصلاح و جني ثمار الحراك .
التجربة السياسية برهنت على ان التسلح بالدين واحتكاره لمواجهة مكونات سياسية واجتماعية يفضي الى اختلال موازين اللعبة الديمقراطية ويؤدي بشكل تلقائي الى اقصاء معظم المكونات من المشهد السياسي ليتلون بلون قوة واحدة مهيمنة لا تقبل سوى بعض الديكورات الحزبية لخداع الراي العام .
امام هذه النزعة لا تجد التيارات السياسية والفكرية التي قادت نضالات الاردنيين من اجل التحرر والعدالة الاجتماعية سوى تحسس رؤوسها واستنهاض قواها لمواجهة خطر داهم .
فتوى التأثيم التي اصدرها المراقب العام بدت متهافتة امام افرازات الواقع الذي يعيشه الشعب الفلسطيني والذي لا يسمح بوضع جميع الذين حصلوا على الجنسية الاردنية بعد عام 1988 في قالب واحد .
كما تثير الفتوى تساؤلات حول الاثم المفترض وقوعه على الاردنيين من اصول فلسطينية ممن يحملون الجنسية الاردنية قبل عام 1967 ، والفلسطينيين الذين يحملون جنسيات اخرى بحكم ظروف الشتات والهجرة ، والفلسطينيين الذين يحملون الجنسية الاسرائيلية ، ان كانوا آثمين فعلا .
فات المراقب العام ان القضية الفلسطينية لم تعد قضية الشعب الفلسطيني او الامة وحدهما اذا وضعنا في عين الاعتبار البعد العنصري للفكرة الصهيونية والممارسات التي تتعرض لها المقدسات المسيحية في فلسطين والاتهامات التي تطال اليهود الرافضين للمشروع الصهيوني.
لدى محاولة فك شيفرة الفتوى ، التي تناقلتها المواقع الالكترونية ولم ينفها المراقب العام والجماعة ، يصعب تجاهل بعض الظروف السياسية المحلية التي جاءت فيها ، و تتمثل في القلق من تفريط الحركة الاسلامية الاردنية بالقضية الفلسطينية ، مقابل الحصول على الضوء الاخضر الامريكي للمشاركة في الحكم .
حالة القلق التي ترافقت مع دعوات اليمين الاسرائيلي لحل القضية الفلسطينية على حساب الاردن ، وموقف الاخوان المسلمين المصريين من معاهدة السلام،”المصرية ـ الاسرائيلية “وجدت بعض ترجماتها في انتقادات بعض المتطيرين لوجهة نظر جماعة الاخوان المسلمين وواجهتها السياسية حزب جبهة العمل الاسلامي حول قرار فك الارتباط ، بالتالي يبرز تفسيران لهذه الفتوى ، احدهما ان المراقب العام افتى بتأثيم الفلسطينيين الذين حصلوا على الجنسية الاردنية بعد فك الارتباط ، لاظهار حسن نوايا جماعته تجاه تصفية محتملة للقضية الفلسطينية ، والاخر ان الجماعة تستعد لموقف مختلف يخلصها من تهمة عدم الاعتراف بقرار فك الارتباط.
اختار المراقب العام الطرف الاضعف في المعادلة لابعاد جماعته عن مأزق قد تواجهه في الانتخابات التشريعية المقبلة لكنه لم يحسب لردة فعل الاردنيين من اصول فلسطينية الذين تجرعوا بمرارة استخدام الدين في تاثيمهم من اجل مكاسب سياسية.