بعد جدل طويل وتشكيك في واقعية صفقة بيع حصة من شركة الفوسفات لحكومة بروناي، وبعد أن ارتفع سقف الحديث حول هذه الاتفاقية، وجرى توجيه أصابع الاتهام من قبل البعض لمرجعيات عليا، جاء الرد الرسمي من حكومة بروناي نفسها لتؤكد لـ”الغد” صدقية الاتفاقية، وتقطع بذلك دابر كل شك.
حكومة بروناي أكدت ملكيتها بالكامل، وبنسبة 100%، لشركة “Kamil Holdings “Limited. والأخيرة تملك ما نسبته 37% من رأسمال شركة مناجم الفوسفات الأردنية.
وهذه الحقيقة كفيلة بطي هذا الجزء من ملف الفوسفات إلى غير رجعة.حكومة بروناي، ممثلة بوزارة ماليتها، بينت في رد على أسئلة “الغد” أن “كاميل القابضة مسجلة في “جيرسي” وتملكها وكالة استثمار بروناي”.
وهذه النتيجة تحسم الجدل والخلاف حول “وهمية” الاتفاقية من عدمها.
والمعلومات الأخرى المهمة في القضية ذات بعد ثان؛ إذ تؤكد التسريبات أن جهات عليا أمرت برفع الغطاء عن “شخصية مهمة” في الشركة، ليتسنى لجهات التحقق من حجم الأخطاء التي ارتكبت في الشركة في مرحلة ما بعد الخصخصة، وهذا هو المهم؛ وذلك حتى يصار إلى محاسبة كل من استغل ثروات الأردنيين لمصالحه الخاصة.بعد هذه الحقائق، ومن أجل المصلحة العامة التي تراعي الدقة والموضوعية، وحرصا على حقوق الأردنيين، يجب على لجان التحقيق التي تتابع ملف الفوسفات أن تتوقف عند هذه الحقائق، وتغلق الحديث حول ماهية الصفقة وحقيقتها.
وعلى لجان التحقيق التركيز على الجزء الثاني من الملف، وهو الأهم، وتحديدا ما يتعلق بحقوق الخزينة من رسوم التعدين، وهي بطبيعة الحال مجحفة بحق الوطن والمواطن، خصوصا إذا ما علمنا أن الخزينة تتقاضى مبلغ دولارين عن كل طن مهما بلغ السعر العالمي.
المسألة الأخرى التي تحتاج إلى مراجعة تتعلق بنوعية الضريبة المفروضة على الشركة، وهي غير عادلة بتاتا وفق المعمول به، بحيث تعدل لتكون أكثر إنصافا للبلد، وتحافظ على حقوق الأردنيين في ثرواتهم الوطنية، إضافة إلى حقوق الامتياز التي تحتاج إلى توضيح للرأي العام ليعرف حقيقة الوضع وتتم مراجعته في حال استدعت الضرورة ذلك.
ليس المهم في قضية الفوسفات التفاصيل، وإنما الحال السيئ التي وصلنا إليها من افتقاد للثقة بعد أن اتسعت الفجوة إلى مستويات خطيرة، حتى صار الكل فاسدا وبدون استثناء، وبات فتح أشد ملفات الفساد ضراوة لا يقنع الناس ولا يرضيهم، فإلى أين نريد أن نصل؟
الاستمرار في التشكيك لعبة لها بداية، لكنها قد لا تنتهي، ولا نعلم إلى أين ستوصلنا بعد هذا الكر والفر، وبعد اتساع الحديث عن الفساد! وأغلب الظن أن الفاسدين أنفسهم هم من وسعوا دائرة الحديث عن الفساد حتى يختلط الحابل بالنابل، كما يقال.مراجعة اتفاقيات الخصخصة حق للدولة، ولا أحد يقوى على منعها من ذلك، لاسيما وأن حالة التشكيك ليس لها حدود.
لذا، فإن دراسة الاتفاقيات ووضع خطوط حمراء تحت البنود المخالفة، وكشفها للرأي العام، مهم في هذه المرحلة من أجل استعادة ولو جزء من الثقة.
إن معالجة الثغرات وتقويم الاعوجاج ينصفان البلد، ويمكنانه من الاستفادة من ثرواته وبما ينعكس إيجابيا على حياة الناس، أما أن نبقى ندور في حلقة مفرغة من الحديث عن ملفات الفساد بدون حسم لأي منها، فذلك يدخل في باب العبث، في وقت لا متسع فيه لذلك!
الغد