ما أكبر جريمة أو مأساة إنسانية في هذا العصر؟ إنها مأساة الشعب الفلسطيني المتمثلة باغتصاب مهاجرين أو نفايات بشرية أوروبية…قادمة من وراء البحار لوطنه وتشريدهم له في الآفاق عقداً وراء آخر. إنها أكبر جريمة إبادة في التاريخ بعد جريمة إبادة الهنود الحمر الأبرياء مع أن كلاً منهما لم يكن يوماً خصماً للمجرم ومع أن قضيته هي أشرف وأنبل قضية في العالم المعاصر إلا أن الوضع السياسي للشعب الفلسطيني الذي يراوح مكانه منذ أكثر من ستين عاماً، هو أسوأ وضع في العالم الآن،فما من شعب في العالم خارج وطنه إلا هو. وما من شعب في العالم إلاّ تحرر أو استقل على تراب وطنه إلاّ هو، فلماذا ينكرون حقوق هذا الشعب في وطنه ويصرون على إذلاله حتى في البلد العربي المضيف الذي يحرم عليه أكثر من سبعين عملاً فيه لا فرق في هذا التحريم بين جماعة 8 آذار وجماعة 14 آذار!.
لقد كانت فلسطين العربية قبل هزيمة العرب مرتين فيها واغتصاب الصهيونية لها، أحد أغنى وأرقى بلدان العالم. كانت يافا وحيفا… مثلاً تتقدمان في الحراك والجاذبية والثقافة والفنون على سائر المدن الواقعة على سواحل البحر الأبيض المتوسط . وكانت بقية مدن وقرى فلسطين تعج بالحياة والحيوية والمنابت والأصول وبخاصة العربية. كان للفلسطينيين دور وقصور وفراش ورياش وبساتين ومزارع ومصانع وملاعب ومدارس وكليات وصحف وكتب… كان من يزور فلسطين او يتعلم فيها يتمنى البقاء فيها. كانوا يقولون: «نيال الذي له مرقد عنزة في فلسطين». في إعلانات في الصحف الفلسطينية سنة 1935 وفي جريدة فلسطين أهمها – التي صدرت سنة 1911– أن أم كلثوم (المطربة الفنانة بلبلة الشرق والأقطار العربية) قادمة للغناء والطرب والسرور في مدن، فلسطين العامرة : القدس ويافا وحيفا – مع فرقتها المكونة من مشاهير الغنائيين فاحجزوا محلاتكم من الآن قبل نفادها».
عندما كانت فلسطين مزدهرة ومتطورة والفلسطينيون أفضل «السميعة» وأغناهم لأفضل المطربين العرب كانت أكبر أمنية عند العربي خارج فلسطين زيارة فلسطين، والتعلم أو العمل فيها. كانت فلسطين عربية لا تعرف التمييز إطلاقاً، فهي مجرد جزء مقتطع من سورية أو بلاد الشام.
أما، اليوم فيرفصهم حتى الحمار بعدما حُولوا نتيجة للهزيمتين والاغتصاب إلى لاجئين تقطعت أوصال عائلاتهم وعشائرهم في الآفاق، فلا أحد من الأجيال الجديدة في الشتات يعرف عائلات بلده أو عشائرها لأنها لا تعيش مجتمعة في مكان واحد. ولا تعرف الأجيال العربية الجديدة (الجاهلة) أو المجهلة ــ للأسف ــ عن تاريخهم ومسؤولية بلدانهم عن كارثتهم بعدما وجدتهم على هذه الحالة المزرية البائسة .
ومع هذا فإن كرامة الشعب الفلسطيني المغتصب الوطن والمشرد، أعظم من كرامة جميع المتواطئين على اغتصاب وطنه وتشريده واضطهاده. إنه برفضه لمخططاتهم وتخرصاتهم أعظم كرامة من أوباما وكلينتون وبلير وكاميرون وساركوزي وميركل ونت جينغرتيش … الذين يواصلون مُذلّين تأييد هذا الانتهاك الصهيوني الإسرائيلي الأسوأ في العالم لحقوقه. لو كان لدى أي منهم كرامة لقال: لا . ولكنهم لا يفعلون. إنهم (أسد) علينا ــ للأسف ــ ومع الصهيونية وإسرائيل أرانب. أنظروا كيف انقلب أوباما على عقبيه من قضية فلسطين، لدرجة أن عاليه أصبح سافله فهو ــ كما قال ــ أجرى حواراً « حازماً» مع ساركوزي احتجاجاً على تصويت فرنسا لصالح انضمام فلسطين كدولة مستقلة في اليونسكو.
،لطالما قلنا وكتبنا أن استراتيجية أمريكا وأوروبا في هذه المنطقة صهيونية إسرائيلية، هدفها أن (يتحقق) السلام والتطبيع والوئام بين الفلسطينيين والعرب المسلمين، وإسرائيل دون انسحاب إسرائيلي حتى من الضفة الغربية والقدس وتفكيك المستوطنات.، إن بقاء هذا الشعب حياً متمسكاً بحقوقه يفسد هذه الاستراتيجية ويجعل إسرائيل وعملاءها من ساسة الغرب لا ينامون.
***
متى يصبح للمفاوضات مع إسرائيل معنى ؟ لا يصبح للمفاوضات مع إسرائيل معنى مالم توضع إسرائيل في حالة تجعلها تصرخ طالبة من العالم الضغط على الفلسطينيين لتنفيذ قرارات الأمم المتحدة.