كتب :جهاد الرنتيسي/
يتراجع الملح ، ليتقدم الاكثر الحاحا ، على الاجندة الاردنية ، المربكة بتطورات الاقليم ، المرتبطة اطراف خيوطها بالتحولات الكونية المفتوحة على المجهول ، المثقلة بقضايا داخلية متشابكة ، تراوح اولويات حسمها بين تقديرات القوى المؤثرة في الشارع وصانع القرار.
معظم المؤشرات المتوفرة ، تتجه نحو التقاء صانع القرار والشارع ، بمختلف اطيافه ، على مفترق طرق الازمة الاقتصادية المتفاقمة ، التي يجري الالتفاف على افرازاتها منذ قرابة الثلاثة عقود .
مهما اجتهدت حكومة عون الخصاونة ، واية حكومة قد تأتي بعدها ، في الظروف الراهنة ، لا تملك الخيارات ، التي تحول دون اتخاذ اجراءات غير شعبية ، من قبيل رفع الدعم ، عن مواد اساسية كالمحروقات .
في المقابل يقلص غياب الحلول هامش الضغط الذي يمكن ان تلجأ اليه القوى المؤثرة في الشارع لاجبار الحكومة على التراجع عن اجراءاتها .
الحاجة الى المحروقات والغذاء والدواء ، وجميع هذه السلع،،تندرج في سياق الهموم اليومية للمواطن ، تحول الحديث حول الاصلاحات الدستورية والسياسية ، رغم اهميتها ، الى ترف فكري .
منذ بدايات الحراك ، لم يكن الهم المعيشي غائبا ، فهو يظهر بوضوح ، من خلال الهتافات التي تتردد ، واليافطات التي ترفع في المسيرات والاعتصامات ، وان كان حضوره متفاوتا ، في الخطاب الذي تستخدمه الحراكات .
ففي المحافظات ولا سيما الجنوبية كان حضور الهم المعيشي اكثر وضوحا من العاصمة .
اسباب التباين لم تكن غائبة ، فقد كتب فيها الكثير ، وجرى الكثير من الحديث حولها في الاوساط السياسية الا ان هناك ثلاثة عوامل تطفو على السطح ، وكثيرا ما يتم الاكتفاء بها لدى تناول هذه المسألة :
·،،،،،،،تدني حصة المحافظات من الاهتمامات الحكومية والخدمات والتنمية مما جعلها اقرب الى جيوب الفقر وحولها الى خزان غضب تخشاه الحكومات المتعاقبة .
·،،،،،،،حضور الثقافة التي كرستها القوى اليسارية ، والقومية القريبة من اليسار في بعدها الاجتماعي ، خلال سنوات ما قبل الانكفاء اليساري والقومي ، حيث اظهرت المحافظات حيوية في التفاعل مع الافكار التي كانت تطرحها هذه التيارات.
·،،،،،،،تركز جمهور الاسلام السياسي ، الذي تمثله جماعة الاخوان المسلمين ، وواجهتها السياسية حزب جبهة العمل الاسلامي ، في عمان والزرقاء .
صوابية القوى اليسارية ، في ترتيبها،،لاولويات الازمة ، لم تكن حكرا على الحالة الاردنية ، فهي ممتدة الى مختلف البلدان العربية ، التي ضربها التسونامي ، الذي يجتاح المنطقة في العمق ، او تاثرت برياحه .
فقد وقعت قوى الاسلام السياسي التي وصلت الى الحكم في مأزق المواءمة بين هيمنة الايديولوجي والميثولوجي وكيفية التعامل مع الاوضاع المعيشية والاقتصادية من جهة اخرى .
من ايجابيات مسار الحراك السياسي الاردني ، حفاظه على طابعه السلمي ، وحالة من الاستقرار النسبي ، تتيح لصانع القرار والشارع السياسي معا ، فرصة الاستفادة من تجارب الدول ، التي عبرها التسونامي ، لدى ترتيب الاولويات .
تبدل اولويات الاجندة الاردنية بالشكل الذي يعزز طرح القوى اليسارية الاكثر تلمسا لمتطلبات الفئات الشعبية يضع هذا التيار امام مسؤولياته التاريخية المتمثلة بالانحياز للعمال والفلاحين وصغار الكسبة كما يتطلب من صانع القرار استمرار خطواته التي تعيد للشارع ثقته بالسلطتين التنفيذية والتشريعية.
القوى اليسارية بمختلف تلاوينها ، تبدو في ظل ازمة الراسمالية العالمية ، وانكشاف الاسلام السياسي ، الاكثر قدرة على استعادة زمام المبادرة ، كما حدث في دول امريكا اللاتينية ، وان تكون شريكا في ايجاد الحلول ، واستعادة شارعها ، الا ان ذلك يتطلب الانتقال ، من ذهنية تسجيل المواقف ، الى المشاركة في البحث عن الحلول ، التي تقلل من معاناة المواطنين .
،