شباب تمضغه الشيخوخة
زينب علي البحراني
ومضة تدبّر قصيرة في مجتمعنا السعودي كفيلة بالتأكيد على أننا مجتمع سرعان ما تنطفئ حياة الفرد فيه، وأحلامه، وطموحاته بعد نيله آخر شهاداته العلمية (ونستثني من ذلك شهادات الدراسات العليا) وإن لم يكُن؛ فبعد تربعه على مقعد الوظيفة، وإن لم يكُن؛ فبعد زواجه وإنجابه الأطفال، وليس بعد ذلك بعد! لهذا نلاحظ أن معظم الإعلانات التجارية التلفازية التي درس صنّاعها سيكولوجية هذا المجتمع عن قرب تدور في فلك التركيز على "الأطفال"، وإذا شئنا الدقة أكثر فإنها تركز على مصالح "الأبناء الصغار" لآباء وأمهات فقدوا إحساسهم بالحياة مبكرا؛ ولم يعد أمامهم غير محاولة التنفس عبر حياة الأبناء، الذين سرعان ما تباغتهم الشيخوخة الروحية قبل بلوغ منتصف العشرينات، فيسارعون بدورهم لإنجاب أطفال على أمل أن يعيشوا أعوامًا قليلة من الفرح بالتغذي على تألق الحياة في عيونهم الصغيرة. بينما لو نظرنا إلى حياة معظم المجتمعات الأخرى؛ نلاحظ أن إتمام الدراسة والعمل والزواج وإنجاب الأطفال هي مجرد جوانب طبيعية تواكب مسيرة الإنسان المستمرة في اكتشاف ذاته والانطلاق نحو طموحاته الشخصية دون إهمال لتلك الجوانب، مثلما نلاحظ أن الإعلانات التجارية الخاصة بسلع الكبار كمطاعم الوجبات السريعة والمصارف وشركات الاتصالات – على سبيل المثال- تدغدغ مصالح الكبير الواقعية بدلا من اللف والدوران حول مصالح ابنه الصغير التي لا يمسها الإعلان بطريقة مُباشِرة.
الإنسان البسيط، ابن الطبقة المتوسطة ماديا وعلميا ومجتمعيا يحرم من البهجة والدافع لإكمال الحياة فور تخرّجه الدراسي، فجأة يغدو مُهمَلا منسيًا من جميع الجهات، محروما من فرص الترفيه وتنمية الذات والإحساس بقيمة وجوده على وجه الأرض، فيتوهم أن خلاصه في الزواج والإنجاب، قبل أن يعاود مواجهة أحزانه بعد بلوغهم سن مفارقته.