كتب: ناصر قمــش/
لم يتم التوقف بجدية عند الأداء الإعلامي للصحافة الالكترونية تجاه التعامل مع ارتدادت الربيع العربي على الاردن فبجانب المشاركة التقليدية من وسائل الاعلام التقليدية كان يمكن أن يرصد بوضوح وجود أثر جوهري للمواقع الإلكترونية والقنوات الفضائية المستقلة في التأثير على منعطفات الحراك السياسي المحلي، وللأسف ليس بالصورة الإيجابية المرجوة من الإعلام بحيث يتمكن من أن يمثل قيمة مضافة للمواطن الذي يهمه أن يحصل على معلومات متوازنة وعلى درجة عالية من المصداقية لتمكنه من تشكيل اتجاهاته بالصورة التي تتفق فعلا مع رؤاه وتصوراته ومصالحه.
لا بل على العكس تماما فقد اتسعت مساحات التضليل وخلط الاواراق الى الدرجة التي دفعت بكتاب التكليف السامي لحكومة الدكتور عون الخصاونة لتخصيص احد بنوده للحديث حول المواقع الالكترونية وذكرها صراحة وهي اول مرة يدرج فيها مصطلح المواقع الالكترونية في كتب التكليف السامية.
لقد تكرست الصحافة الالكترونية كواحدة من أهم وسائل الاتصال الإعلامي في مختلف دول العالم التي اتجهت للممارسات السياسية الليبرالية، وأتاحت هامشا معقولا من الحريات في العمل الصحفي، لما تحظى به هذه الصحافة من قدرة متواصلة على الإبداع في الشكل والمضمون.
وبرغم كثافة تواجد هذا النوع من الصحافة في العالم العربي والأردن كذلك، إلا أن مصطلح أزمة االصحافة الالكترونية يعد المصطلح الأكثر ذيوعا في الأوساط الإعلامية العربية، فالأزمة ليست محلية وإنما ترتبط بحالة الإعلام العربي ككل، فالإعلام العربي الذي يقف بإمكانياته المادية المتواضعة في حيز ضيق من الحركة يقترب بعضه من التحيز والشللية وربما أحيانا الارتزاق والابتزاز ويبتعد أيضا عن شروط الإعلام الحديث الذي يستغل قصارى منجزات ثورة المعلومات والاتصالات، فتصبح مسألة تواجد الالكترونيات كحالة إعلامية مصدرا للقلق والتوتر يجب أن تحظى بالكثير من الاهتمام.
أزمة الصحافة الالكترونبة لم تعد أزمة كواليس بل صعدت لواجهة العمل الإعلامي في الأردن وبخاصة بعد حديث الملك عبدالله الثاني الصادق والموضوعي بخصوصها وتعليقات كبار الصحافيين والخبراء الإعلاميين حول أدائها، بما يستلزم اتخاذ خطوة للإمام لإنقاذها والعاملين فيها، بدلا من تركها اخذين بعين الاعتبار ان اهم جوانب القصور تتعلق بتواضع الإمكانيات المادية المرصودة وعدم الكفاءة في إدارة تلك الموارد.وطغيان شخصية الناشر ووجهة نظره ومصالحه على أدائها ككل. وشروط العمل غير المرضية للصحافيين المرتبطين بالعمل في هذه المواقع وعدم انضواء معظم الصحافيين العاملين في تحت مظلة النقابة. وعدم القدرة على توفير مادة ثقافية وسياسية عند مستوى التطلعات.
وفي الأردن تفتقد الصحافة الالكترونية لتجربة رائدة تستطيع أن تحقق النجاح داخليا، وتصبح صحيفة وطنية حقيقية، لاضطرار معظم الصحف للدخول في معادلة التمويل والعلاقات المرتبطة به، واستجداء المادة الإعلانية، وتصبح الوظيفة الإدارية طاغية على الوظيفة الإعلامية التي تعد أساس ومبرر وجودها.
وهو الامر الذي يستدعي معه تشجيع المواقع الإلكترونية على العمل المؤسسي ودمج بعض المواقع تحت تجمعات للصحفيين بحيث ترفد الإعلام الأردني بالمزيد من المؤسسات الفاعلة القادرة على التعامل مع دورها التنموي والمهني ومواجهة مختلف التحديات، الأمر الذي يزيد من قدرة هذه الكيانات من تحسين قدرتها على انتاج الخبر واجتذاب الإعلان التجاري.
ولا يعفي ذلك بطبيعة الحال من تأسيس منظمة طوعية تقوم بعمليات الرصد والتقييم والمتابعة وتقدم الخدمات الاستشارية والفنية لأصحاب المواقع الإلكترونية كما تنشر تقارير دورية حول الممارسات السليمة والمغلوطة في بيئة العمل الإلكتروني. وبنفس الوقت تشجيع الأحزاب السياسية والحراكات السياسية على تأسيس مواقع إلكترونية تضمن التمثيل الحقيقي لآرائها ومواقفها بعيدا عن التوظيف غير الصحيح من قبل بعض المواقع الإلكترونية.
وفوق ذلك تسهيل عملية التحاق العاملين بالمواقع المهنية من صحفيين ومحررين بنقابة الصحفيين لتمكينهم من الحصول على حقوق مهنية في مقابل الالتزام بالخطوط العريضة لمدونة آداب المهنة المتبعة. واستصدار مدونة جديدة توازن بين مصالح المواقع الإلكترونية والصحف الأسبوعية وبين المتطلبات اللازمة لوقف عمليات الاسترضاء والممارسات المغلوطة في الوسط.
كنا نتمنى على رئيس الوزراء ان يفرد بين يدي الشعب الاردني خطة عمل حقيقية للنهوض بعمل المواقع الالكترنية بدلا من تكرار الاسطوانة المشروخة والتلويح بوضع حد للممارسات اللامهنية في الاعلام الوطني والحديث عن الخطوط الحمراء والخضراء.
الجميع سئم من تكرار حديث الحكومات عن الاعلام واصلاحه خصوصا وان الادوات المتاحة امامها تنحصر في تفعيل التشريعات، وتتراوح بين الترغيب والترهيب دون وجود خطة وطنية محكمة، تراعي ان الاعلام تكرس كاحد اهم روافع التغيير في عصرنا الحديث، واحدى حوامات الربيع العربي.