الشائعات التي انتشرت على عدد من المواقع الإخبارية عن محاولات اغتيال استهدفت عددا من كبار المسؤولين الإسرائيليين أساءت الى صورة حرب أمنية استخباراتية يبدو انها اندلعت مع العدو الاسرائيلي على اكثر من جبهة، وبلغت في الايام الماضية إحدى ذراها الموسمية.
ولعل الإساءة الأكبر الى مثل هذه الحرب انها ربطت بذكرى محاولة اغتيال القائد العسكري السابق لحزب الله عماد مغنية، او نسبت الى الثأر لاغتيال العلماء النوويين الإيرانيين، بحيث بدا ان الذاكرة العربية والإسلامية لا تحفظ سوى هذه الجرائم الاسرائيلية او هي توازن هذه الجرائم وتغفر لبعضها وتعتبر بعضها الاخر انتهاكا إسرائيليا استثنائيا لقواعد الحرب.
الذاكرة الجماعية لا تنسى ولا تضع مراتب ولا جداول زمنية. هذا ما يفعله الإسرائيليون بالتحديد. الحرب عندهم سلوك يومي طبيعي، جزء من تكوينهم ومن وظيفتهم. يخرجون اليها بحماسة ويعودون منها بتقدير دقيق لموعد الحرب المقبلة، وحساب أدق للأهداف والأكلاف. قد تتغير الأدوات والأسلحة والتكتيكات لكن الجوهر لا يتغير.
في الطور الاخير من الصراع اختار الإسرائيليون بأنفسهم المفهوم الجديد للحرب. لم يعد هناك جيوش عربية تقف على خطوط الجبهات التقليدية، ولم يعد هناك مقاومة تنفذ عمليات فدائية تزرع الخوف داخل الكيان. ولم يبق سوى الحرب بأشكالها الأمنية والاستخباراتية التي لا تعرف الحدود ولا القيود، وتخترق الدول والمجتمعات والمؤسسات وتستهدف النخب.
في هذا الشكل الجديد من الحرب الذي بادر الإسرائيليون إليه اكثر من مرة، لم يجدوا حتى الان الكثيرين من العرب والمسلمين المستعدين للاستفادة من الفرص الهائلة التي توفرها، والتي لا تتطلب الكثير من الإمكانات والأفراد، بل تحتاج فقط الى الإرادة التي تبنى على حقيقة ان الصراع لم ولن ينتهي الا بانكسار احد طرفيه.
مثل هذه الحرب هي فرصة لا تعوض ولا يجوز ان تضيع. هي بديل الحروب التقليدية التي صارت من التاريخ وحروب العصابات التي تكاد تصبح من الماضي. وهي تحرم الاسرائيليين من عناصر تفوقهم العسكري، وتمنعهم من استخدام جيشهم المتطور، وتحولهم الى افراد يقاتلون افرادا بأسلحة فردية، او الى شبكات وخلايا تواجه مجموعات صغيرة لا تحمل سوى مسدس وجواز سفر.
العمليات الأمنية الاخيرة وضعت في سياق ذكرى مغنية او في اطار الاغتيالات الاخيرة في ايران. وفي ذلك مغالطة. لان اختيار مناسبة او توقيت معروف، او انتقاء هدف محدد وأسلوب معلن، يحد من الفرص والاحتمالات.. لكنها مغامرة يبدو الرأي العام مستعدا لخوضها، حتى ولو كانت تعني السير على حافة الحرب التقليدية التي زادت المخاوف منها في الايام القليلة الماضية.
الحرب نزال مستمر، واذا كان الجانب العربي والإسلامي قد حرم من بعض أشكالها، لكنه ما زال يملك حق وواجب مطاردة الإسرائيليين على مدار الساعة وعلى اختلاف الأمكنة. فهذا ما يفعلونه بالتحديد. وهذا ما يتوقعونه تماماً.
مثل هذه الحرب ليست موسمية ولا يمكن ان تكون. وليست مبنية على موازين قوى، بل موازين أفكار وإرادات.
