بسام بدارين /
عندما حاول الصحافي الأردني طارق ديلواني تجديد إحدى وثائقه العائلية وجد نفسه مرة أخرى على الجهة المخصصة لمواطني الضفة الغربية في وزارة الداخلية مشتبكا كالعادة مع أحد الموظفين في التفسيرات القانونية التي تتمدد وتتقلص وفقا للاعتبارات السياسية والأمنية بين الحين والأخر.
طبعا وكما يحصل دائما لم يفلح الديلواني في إنقاذ نفسه وعائلته من القرار الإداري الذي اتخذه الموظف وليس وزير الداخلية في حكومة الأردن، فقد أبلغ الصحافي المعروف بأن التعليمات الجديدة تتطلب إجراءات محددة لم يسمع بها من قبل كل من إقتضت ظروفه أن يخضع لعملية ‘تعذيب الجنسيات’ كما يسميها المعني.
الإجراء المقصود هذه المرة اتخذ اسم ‘وقف القيد’ مؤقتا وهو اسم يعني بأن القيود المدنية للديلواني وعائلته كأردنيين معلقة ومجمدة إلى حين الإلتزام بمقتضى التوجيهات الجديدة. فقد طلب من الضحية التوجه فورا والقيام بالخطوة التي تقول السلطات الأردنية بأن هدفها حماية الهويتين الأردنية والفلسطينية وهي حصريا تسجيل الأبناء في سجلات العدو الإسرائيلي.
لفت ديلواني نظر ‘القدس العربي’ الى انه حاول إقناع الموظف المعني بأنه مهتم جدا وأكثر من الحكومة الأردنية بتوثيق سجلات الاولاد في الضفة الغربية لكن دون فائدة والامتياز الوحيد الذي حصل عليه الرجل هو ‘تجميد’ القيد بدلا من شطبه.. بالتالي الديلواني رجل محظوظ كما يشعر لإن جنسيته الأردنية لم تشطب إلى حين تصويب أوضاع سجلاته في الأرض المحتلة، لكنها علقت فقط.
هذا الإجراء مستحدث في دوائر وزارة الداخلية الأردنية وثمة ما يشير الى ان الدولة الأردنية قد تكون الوحيدة في العالم التي تعلق حقوق وقيود مواطنيها ‘المدنية’ خلافا للقانون والدستور بطبيعة الحال وتحت ذريعة ضرورة تثبيت اقامتهم في دولة أخرى تصادف أنها محتلة وتصادف كما يقول الناشط الحقوقي المهتم بملف الجنسيات علاء العثامنة بأن هذه الدولة المحتلة هي دولة صديقة وأقيمت معها معاهدة سلام.
العثامنة عندما سألته ‘القدس العربي’ أفاد بأنه لا يرى سندا قانونيا أو دستوريا ولا حتى منطقيا لقصة الضغط على مواطن أردني والتلاعب بحقوقه الدستورية وقيوده بذريعة تثبيت الهوية الوطنية لشعب آخر في دولة أخرى.
ورأى العثامنة أن الحفاظ على الهوية الوطنية الفلسطينية مهمة الشعب الفلسطيني والسلطة الفلسطينية وليس مهمة دوائر وزارة الداخلية الأردنية بشكل أساسي ما دام الأردن قيادة وشعبا يدعم الدولة الفلسطينية حقا.
المثير في المسألة أن الصخب الذي ترافق مع جدل ‘سحب الجنسيات’ انتهى عمليا بتسميات إجرائية لا تخلو من الطرافة تدفع باتجاه ‘تعليق الجنسيات’، ومن هنا يؤكد ديلواني إستُحدثت فكرة ‘وقف القيد’، فالدوائر المعنية بهذا الموضوع في البيروقراطية الأردنية تبدو ‘مبدعة’ في ابتكار أسرع وأسهل الطرق لإقلاق المجتمع.
سياسيا لمثل هذا الاستحداث غرض وظيفي يفهمه جيدا خبراء المسألة البيروقراطية بتقدير العثامنة وهو تضليل رئيس الوزراء عون الخصاونة الذي تعهد أمام العالم والملك والناس وضميره والوزراء والشعب بمراجعة كل سياسات سحب الجنسية فتجميد القيد المدني بمعنى تعليق الفعالية القانونية للجنسية هو إجراء بديل لإحتواء القلاقل التي تدفع قطاعات واسعة في المجتمع لإثارة الضجة.
فوق ذلك ثمة غرض وظيفي آخر يمكن تحقيقه في الأثناء ويتمثل في محايلة وملاعبة البيانات الكاذبة التي تصعد في إتهام حكومة الخصاونة تحديدا بالتجنيس السياسي وتبالغ وتهول وهي تتحدث عن نوايا لتجنيس مليون فلسطيني حتى يبدو أمر ‘تعليق الجنسية’ أيسر وأقل كلفة من سحبها لكل الضحايا خصوصا وأن هدف التعليق وطني، ولا يمكن الاختلاف عليه ويتمثل في تجميد القيد مؤقتا لإقناع المتضرر بالتوجه إلى الضفة الغربية وخوض معركة التسجيل مع إسرائيل.
حتى الآن لا يعرف عضو البرلمان المتخصص بالموضوع المحامي محمد الحجوج ما الذي يمنع الحكومة الأردنية من تدوين سجل كامل بأسماء المواليد الذين ينبغي توثيقهم في الأرض الفلسطينية ومساعدة المواطنين في معركة التسجيل هذه بدلا من ترك المتضرر الذي تلاحقه تعليمات فك الإرتباط ‘السرية’ وحيدا في مواجهة دولة إسرائيل العنصرية؟
وما الذي يمنع أيضا السلطة الفلسطينية من استخدام ثقلها مع الأردن للضغط على إسرائيل ثنائيا لإجبارها على تسجيل من ينبغي تسجيلهم حتى تتوقف التعهدات المكتوبة التي يصفها العثامنة بانها ‘مذلة’ والتي يجبر الأردنيون على توقيعها بعد تعليق قيودهم برسم عملية غير مضمونة؟
يلاحظ وزير التعليم العالي الأسبق في الأردن البروفسور أمين محمود بأن هذه النقطة جديرة فعلا بالبحث، فالأصل أن جميع الأردنيين لا يظهرون أي تساهل في مسألة الحفاظ على الهوية الوطنية الفلسطينية ولا يرضون التوطين والوطن البديل في الأردن بأي حال، وما دام الأمر كذلك فعلى الحكومة أن تساعد من يحتاجون للمساعدة لإجبار إسرائيل على عملية تسجيل أهالي الضفة الغربية وتجديد تصاريحهم.
الحجة التي تستخدمها دوما دوائر الداخلية الأردنية عندما تسحب او تعلق الجنسيات هي ‘تساهل’ أبناء الضفة الغربية في تجديد تصاريحهم وتثبيت أطفالهم في سجلات الاحتلال لكن السلطات الرسمية الأردنية لم تفكر للحظة باستخدام ثقلها لمساعدة المواطن الذي يحتاح لمثل هذه الإجراءات بمعنى ان تصبح المطالبة بتجديد التصريح وتوثيق الأطفال ليست فردية بل فردية ومؤسسية وتخص الدولة الأردنية التي تستضيف سفارة لإسرائيل في قلب عمان يحرسها الدرك بكثافة فيما توجد سفارة تمثلها في قلب تل أبيب.(القدس العربي)