يسمع الاردنيون المسيحيون، هنا، كلاما غير لائق في مرات، والاكاديمي الجامعي يدخل الى طلابه ليطلب من احدى الطالبات الاردنيات المسيحيات، ان تقلد شكل الصلاة في الكنيسة، فتصاب الطالبة باحراج شديد، وترفض الامر، وتغادر القاعة.
القصة حدثت قبل فترة، وتفاعلت على مستويات عدة، ولم تسكت الطالبة، وذهب من ذهب ليشكو الى ادارة الجامعة التي جن جنونها من تصرف الاكاديمي، وتنصلت من التصرف الذي لا يجوز سحبه على جامعة، ولا على حياة الناس المشتركة والطبيعية، قديما وحاضرا وحاليا.
مؤسسة اقتصادية اخرى يتم بيعها لمالك جديد يفرض لبس غطاء الرأس على الاناث، باعتبار ان المؤسسة الجديدة اسلامية، والمؤسسة قبيل بيعها، كانت فيها موظفات اردنيات مسيحيات، فاضطر بعضهن الى ان يستقيل، واضطر بعضهن الى ان يلبس غطاء الرأس حتى لا تضيع الوظيفة، وهذه احدى الروايات الموثقة.
كلام كثير تسمعه من شخصيات اردنية مسيحية، وهو كلام تفاجأ به، لانك تشعر ان المجتمع لا يحمل تمييزا دينيا، لكنني اذ استمع الى احد رجال الدين المسيحي، خلال سفر، فيقول لي كلاما صاعقا، عن مضايقات باتت تحدث للاردنيين المسيحيين، خصوصا، بعد الربيع العربي، واطلالة الشعارات ذات الصبغة الدينية، وفقا لما يقول.
يقول فيما يقوله انه وبعض رفاقه اذا خرجوا بلباس الدين الرسمي باتوا يتعرضون الى نظرات حادة، وهم لم يلمسوها من قبل، متسائلا عن سر تغيير المزاج العام في البلد، وعن سر هذه الثقافة الجديدة التي اطلت خلال عام.
جادلته طوال السفر، بأنني لا اشعر بما يشعر، ولا اسمع كلاما باعتباري مسلما، يمس المسيحية ولا الاردنيين المسيحيين في الاردن، بل لعل هذا البلد الاكثر تسامحا بين العرب، وتاريخه حافل بالقصص المتعلقة بعيش الناس مع بعضهم، وتسامحهم مع بعضهم، وعلاقات الجيرة والمؤازرة، ثم ان وجود الاردني المسيحي وجود طبيعي، ليس على اساس الاقلية وامتيازاتها، بقدر كونه وجودا اصيلا، تحت مظلة المواطنة واستحقاقاتها.
الاب قال: انت لا تسمع الشكاوى من المضايقات اللفظية او الايماءات، هناك جو غريب وجديد في البلد بدأنا نلمسه، والجهات الرسمية لا تسمع الا لمن يقول كلاما مريحا، وتستقطب هؤلاء على هذا الاساس!.
لم املك الا ان اقول لرفيق السفر ان التمييز ظاهرة بشرية سلبية ومغرقة في التخلف والبدائية، اكانت على ارضية الدين او العرق او الجهة او الاصل، لاننا في الاردن شعب سر لمعانه يعود الى هذه التعددية في تركيبته، والى هذه التفاهمات المؤطرة بالخبرة والفطرة بين الناس قبل القوانين والانظمة، كما ان الاستفزاز لاي سبب، ليس نهاية الدنيا، ما دمنا لا ننجر خلف ردود الفعل عند كل قصة.
ليست قصة كبيرة، لان الاردنيين المسيحيين جزء اصيل من البلد، الذي وقف الغساسنة العرب المسيحيون فيه، الى جانب المسلمين في معركة مؤتة، ضد الروم، وهو تاريخ كبير، لا يمكن نكران مواقفه وصفحاته، حتى لا يتم حشر القصة في اطار تقلبات المزاج العام، او بعض من فيه، ممن قصرت بصائرهم عن معنى المواطنة، ووحدة الداخل بكل تلويناته.
لم يبق من المسيحيين العرب الا قلة، فقد تم تهجير المسيحيين العرب من فلسطين والعراق، وفي مصر هناك وضع معقد، والخوف فوق رؤوس المسيحيين في سوريا، ولا نريد لمسيحيي الاردن تحت اي ظرف او عنوان الا ان يبقوا عنصر توازن في البلد، وفي منطقة شهدت تاريخيا وجود دينين، دون فوقية احد على اخر، ودون سقوط في نظرية الاغلبية والاقلية.
لهذا كله ننبه الى الخطر الاكبر، نزع التنوع عن المنطقة، حتى يتم تقديمها للعالم باعتبارها همجية وارهابية، لا تقبل احدا اخرا، وبحيث يتم استهدافها بكل الوسائل، خصوصا، اذا استغرق بعضنا في الاعتقاد ان آثام الغرب السياسية، يجب دفع ثمنها على يد الوجود العربي المسيحي في منطقتنا، وهذا منطق جاهل، ان لم يكن الجهل الاكبر بحد ذاته.
الدستور