سميح المعايطة/
استمرار الإضراب ازمة سياسية, وتفكيكه فشل لنقابة لم تولد بعد .
نقترب اليوم من نهاية الاسبوع الثاني من الفصل الدراسي الثاني لمدارسنا, وايضا نهاية الاسبوع الثاني من اضراب المعلمين, بحيث اصبحت القضية قضية رأي عام, بل وتتحول بسرعة الى ملف سياسي, ولعبة عض اصابع بين المعلمين والحكومة, او لنقل السلطة التنفيذية كلها.
المعلمون قضية اجماع وطني, وكان جلالة الملك اول المناصرين والداعمين لقضايا المعلمين, وكل الاردنيين كانوا يقفون خلف كل مطلب للمعلمين, وهذه ميزة لم تتوفر لاي قضية مهنية او مطلبية او سياسية, ونجح المعلمون خلال العام الماضي بتحقيق مكاسب كبرى بما فيها اعادة الحكومة الحالية مراجعة موقفها من علاوة المعلمين والموافقة على صرف كامل العلاوة لكن على مدى ثلاث سنوات تبدأ من هذا العام.
اليوم بعد اسبوعين من الاضراب كيف تبدو الصورة العامة للقضية?
* هناك انقسام كبير بين الناس والنخب في مواقفهم من الحكومة والمعلمين, فهناك من يؤيد موقف الحكومة ويرى انها قدمت ما عليها وان على المعلمين تقدير الظرف الاقتصادي العام للدولة, وهناك من يعتقد ان على الحكومة الاستجابة لمطلب المعلمين.
وعلى صعيد المعلمين هناك تأييد كبير لحقهم, لكن هناك من يرى انهم غير محقين في تعطيلهم للعملية التعليمية وترك الطلبة في البيوت والشوارع ومحاولة كسر ارادة الدولة من اجل توقيت صرف العلاوة, لان الحكومة اعترفت بالحق وبدأت في اعطائه للمعلمين.
وإذا كانت الحكومات معتادة على الانقسام حول مواقفها فان الخسارة الكبرى كانت للمعلمين الذين انتقل ملفهم من حالة الاجماع الى كونه قضية خلافية بل اصبحوا في صدام مع بعض المجتمع, وهذه خسارة للمعلمين وهم لم يعلنوا نقابتهم حتى الان وما زالوا في مرحلة اللجان غير المنتخبة بل والمتعددة.
* ولعل المعلمين قد اخطأوا عندما ذهبوا الى استعمال اقوى الاسلحة وآخر الخيارات وهو الاضراب العام, اي الخيار الذي ليس بعده اي خيار وتم استعماله في الدفاع عن توقيت صرف العلاوة وليس عن حقهم بها, وهذا الامر يجعل المعلمين في وضع صعب فيما لو فشل الاضراب في تحقيق الهدف او تفكك الاضراب وعادت نسبة من المدارس للعمل وهذا ما يحدث اليوم, فنجد كل يوم تزايدا في اعداد المدارس التي تعود لها العملية التدريسية وهذا الامر يكسر هيبة النقابة ويجعلها تخوض حربا بأقسى ما لديها من اسلحة ثم تفشل فيها ولو جزئيا والاهم انها تواجه مصالح الناس وحقوق الابناء.
* وهناك فئات في المجتمع ليست منحازة للحكومة, لكنها ليست معنية ان تكون هي وقود الحرب بين المعلمين والحكومة, ولو كان ما يجري غير الاضراب وتعطيل المدارس والحاق الاذى بأبنائهم فربما انحازوا للمعلمين, لكن عندما دخلت النار الى بيوتهم ولحق الضرر بابنائهم فانهم منحازون لمصالحهم وحقوق اطفالهم ورفض فكرة الاضراب بل وتوجيه النقد للمعلمين.
* ولعل احدى القضايا التي تمنع المعلمين من اي تراجع انهم ليسوا جهة تمثيلية واحدة فوجود اكثر من لجنة يجعل كل لجنة ترفض البدء بالتراجع حتى لو كانت مقتنعة ان التراجع لمصلحة المعلمين, وهذا يجعل اللجان تخوض المعركة الى ابعد فترة ممكنة لكن من المهم معرفة الثمن وآخر المطاف.
اما الحكومة فقد ادارت ظهرها للقضية منذ البداية, وكان جزء من موقفها ضعف اداء وقدرات سياسية وكان الجزء الآخر اصرارا وعنادا احد اسبابه ان الحكومة لا تملك القدرة المالية على دفع حوالي (50) مليون دينار تكلفة صرف كامل العلاوة هذا العام, وايضا لان الامر لا يقتصر على المعلمين بل هناك قطاعات اخرى من الموظفين والمتقاعدين يطالبون ويهددون, والاستجابة للمعلمين ستكون سابقة للقياس عليها.
لكن الحكومة تدرك ان الاضراب شكل حالة سلبية وصنع ازمة للمواطن في مرحلة لا تنقصنا فيها الازمات, وان الاضراب كان مؤذيا للدولة واستفز فئات من المواطنين لدفعهم للمطالبة بحل يتراوح بين الاستجابة للمعلمين او المطالبة بالتعامل بحزم مع المضربين.
ومما ساعد في تصليب موقف المعلمين تدخل بعض القوى الحزبية في اعلان تضامن ومناصرة نظرية مع المعلمين, وهذه الجهات ليست معنية بالمعلمين بقدر حرصها على تأزيم الموقف العام للدولة, وهي تسعى من خلال الإضراب الى تأجيج اجواء الازمات مستغلة اضراب المعلمين الذين لا علاقة له بنوايا هذه الاحزاب.
اليوم, ما الذي يمكن فعله, وما الذي يجب ان ننتظره?
لعلي هنا اشير الى انه ليس من مصلحة المعلمين الاستمرار في الاضراب دون ضمان نتائجه, وستكون ضربة قاصمة للنقابة قبل ان تولد ان يواجه المعلمون الفشل ولا تتحقق مطالبهم اذا استمر تفكيك الاضراب واستمر اصرار الحكومة على موقفها بل ونجحت في توفير بعض البدائل واعادت الحياة الى المدارس او نسبة معقولة منها.
وليس من مصلحة الحكومة والبلد ايضا ان يستمر الأمر, او ان تتعزز الحالة السلبية او ان يشعر اي مواطن ان الحكومة عاجزة عن تأمين حق ابنه في دخول المدرسة وانتظام العملية التعليمية, فضلا عن ان المرحلة تحتاج الى خطوات »لتبريد« الاجواء وليس التسخين.
ربما يكون الحل في حوار ارضيته الحرص على المصلحة العامة وحقوق المعلمين, لكن هدفه اعادة الحياة الى العملية التعليمية, وان يبادر المعلمون الى ارسال رسالة وطنية الى الدولة والمجتمع بأنهم فعلوا ما كان تمسكا بحقوقهم وانهم يعودون الى مدارسهم اداء لرسالتهم وانحيازا لمصالح عامة وحقوق الطلبة وانسجاما مع دورهم الوطني ومكانتهم وان يُصاحب هذا تأكيد حكومي يحمل نوايا ايجابية تجاه المعلمين ووعد بتسريع صرف العلاوة ان توفرت الامكانات المالية.
هذا الخيار وان كان بسيطا الا انه الحل الذي يتناسب مع المعطيات الموجودة اليوم, فنحن نريد الحفاظ على هيبة المعلم وايضا الحرص على الدولة وعدم زيادة المشكلات والازمات, وسيسجل المعلمون لانفسهم موقفا ايجابيا بدلا من استمرار إضراب قد لا يختلف في نهايته عن نهاية إضراب الاطباء العام الماضي.
sameeh.almaitah@alarabalyawm.net