الأشقاء العرب متحدون فجأة ضد من! حالة من الرعب وليس الخوف فقط، في الأردن بيوت بسيطة امتلأت خزائنُها المهترئة بأكياس الطحين وعلب الفول وبضع كيلوغرامات من العدس والأرز، نوافذ مغلقة بإحكام محاطة بلاصق على شكل علامة ضرب، وإشاعات بأن صواريخ أميركا ستمر في سماء الأردن قبل أن تدك العراق، واحتمالات بأن تسقط في أي قرية قريبة أو بعيدة عن حدودنا الشرقية، قنابل نووية وكيماوية بل وفكرية وأخلاقية.
حصار شامل، اختلال في كل موازين الاقتصاد، هروب لأصحاب رؤوس الأموال، شاحنات محملة بثمار رواها مطر شحيح تلقي بحمولتها على أطراف طريق موصدة من كل جهة، وأغانٍ وطنية تقطر حباً وخوفاً وصبراً، أيام صعبة لم يكن يعرف فيها الأردني كيف سيكون مطلعها وكيف سيكون مغيبها.
تقلبات وإشاعات وأقاويل تتغير وتتبدل في كل لحظة، الشيء الوحيد الثابت كان وجه الحسين المبتسم، في ذاك المحيّا علامات ثقة لم يكن يراها البعض مبررة، فهناك قلة كانت تعتقد أن الأردن إلى زوال، يتسامرون ويتآمرون ويروون القصص مروعين من أمنت منازلهم وأعراضهم.
وحده محيّا الحسين بثقة وأمل مبتسم، وفي داخل الضمائر السوية سؤال كيف يمكن لرجل عظيم عرف بسياسته وحكمته وحنكته أن تبقى سريرته مطمئنة والعالم كله ينحدر وراء افتراءات وروايات كُتِبت في جُنح الليل،، سر تلك الأيام العصيبة لا يعرفه سوى الأردنيين فقط، الأردنيون وحدهم يعرفون كيف تكون وقفة العز والكرامة.
مضت الحرب ولم ينهار الأردن ولم تتلاش ابتسامة الحسين عن محيّاه، مضت الحرب وفكت الخزائن أقفالها وفتحت النوافذ على مصراعيها وعاد الأمل والأمن من جديد، كل من عاش تلك الأيام يتذكر كيف غادرت العقارب والأفاعي جحورها وهربت حين لم تجد شيئاً تبث السم فيه، كل من عاش تلك الأيام يعلم أن سر بقاء ونماء الأردن مثل سر نشأة الكون، سر غير مباح وغير مشاع ولا يمكن لأيٍّ ممن يدَّعون ضلوعهم في علوم الكيمياء أو الجغرافيا أو الديموغرافيا أن يفهموه أصلاً.
لست خائفة ولست قلقة ولا أمدح ولا أبالغ،، ولكل من يقول أن الأردن في أزمة، نقول إن الأردنيين اهل لها، لا تراوغوا ولا تقامروا، فالأردن باقٍ بقاء الشمس والأرض والخير، باق لشباب ابصروا، النور لأول مرة يشق تلك النوافذ المغلقة بلاصق على شكل علامة ضرب، باقٍ لهم وباقون له واليوم يكبرون، وغداً سيكتب أحدهم وهو في الخامسة والأربعين من عمره واصفاً محيّا عبدالله الثاني وهو مبتسم واثق- وإن كان البعض لا يرى ذلك مبرراً – مستشهدا بالذين عاصروا عام 2012.