بعدم قبول رئيس الوزراء ما توصل إليه النواب مع المعلمين من اتفاق مبدئي، وتمسّكه بما عرضه سابقاً عليهم، تتراجع فرص إنهاء الإضراب.
على النقيض من ذلك، تبدو في الأفق نذر تصاعد كبير في الأزمة بعد تلويح الرئيس ووزير التربية ببدائل غير مقنعة، ومحاولة التقليل من خطورة الإضراب وحجمه الحقيقي.
شهد يوم أمس اجتماعات مكثّفة للمعلمين لبلورة تصور مشترك للتصعيد ضد الحكومة، والتلويح باعتصام أمام رئاسة الوزراء.
في المقابل، تشير مصادر من المعلّمين أنّ هنالك مؤشرات على ضغوط رسمية على المعلمين والمعلمات لإنهاء الإضراب، ومحاولة تكسيره على الأرض.
أخشى أنّ القراءة الرسمية غير ملمّة بأبعاد أزمة المعلّمين والتحولات الكبرى في المزاج الاجتماعي.
فانفجار الأزمة “الاقتصادية-الاجتماعية” بصورة حادّة، خلال الأيام القليلة الماضية، نقل النقاش الداخلي والاهتمام الإعلامي نحو مشهد سياسي مختلف تماماً، تغزوه الإضرابات والاعتصامات المفتوحة والاحتجاجات من شرائح مهنية واجتماعية واسعة، تكافح من أجل حماية مصالحها الاقتصادية وتحسين ظروفها المعيشية.
المشكلة الحقيقية هنا أنّ الدعاية التي رافقت مشروع “إعادة الهيكلة” رفعت من سقف توقعات الناس بتحسين الظروف الاقتصادية، وهو ما لم تلمسه فئات مهنية وسطى ودنيا، فتحوّل المشروع من محاولة تصحيح المسار الاقتصادي ومساعدة موظفي القطاع العام على مواجهة الضغوط، إلى أزمة قائمة بحد ذاتها، تتجاوز الشكوى منها المعلمين إلى فئات عديدة أخرى.
“الإصلاح السياسي أسهل بكثير من التعامل مع الأزمة الاقتصادية” هو توصيف دقيق من رئيس الوزراء لحجم الضغوط الشديدة والكبيرة التي تعاني منها الشريحة الاجتماعية الكبيرة، وتفرض تحديات أكبرعلى الحكومة التي تواجه، في الأصل، أزمة مالية شديدة.
وتكمن هنا معضلة “مطبخ القرار” في أنّه يشكو من ارتباك الموازنة، وعجز الموارد عن تغطية النفقات، والكلفة الباهظة لفاتورة الطاقة، مع استمرار انقطاع الغاز المصري، في الوقت الذي ترتفع فيه الضغوط من الطبقة العريضة التي تعجز عن التكيف مع الشروط الاقتصادية وتطالب بتحسين أوضاعها، وتفتح الباب على نمط جديد من العلاقة بين الدولة والمجتمع.
وفي الوقت الذي تفكّر فيه الحكومة ببدائل غير شعبية، وفق التوصيف الرسمي، لمواجهة العجز والمديونية وإنقاذ الاقتصاد الوطني، فإنّ ما يستولي على الرأي العام هو قصص الفساد وهدر المال العام التي تملأ المناخ العام، وتثير شعوراً بالتظلمات الاقتصادية وضعف العدالة، ما يجعل من عملية إقناعه بالسياسات الجديدة أمراً معقّداً وصعباً.
هذه الملاحظة المهمة تستوجب من مؤسسات ومراكز القرار أن تأخذها بعين الاعتبار، والانتباه والحذر، لتعيد تقييمها وقراءتها للمشهد السياسي وتحولاته الكبرى التي تحدث اليوم.
فإذا كان الحراك الشعبي يصعد ويهبط، ولم يصل حجمه إلى مدى مقلق، فإنّ مناخات الاحتقان الاجتماعي تتصاعد مع ضغوط الأزمة الاقتصادية وانغلاق آفاق حلّها، وسوء إدارة الأزمة السياسية وهشاشة الخطاب الإعلامي ومحدوديته.قراءة الأبعاد الأساسية للأزمة الراهنة تدفع إلى محاولة احتواء أزمة المعلمين لا تفخيخها وتفجيرها.
وما هو مطروح اليوم من كلفة مالية ليس كبيراً ولا تعجيزياً، على النقيض من ذلك، فإنّ تزاوج الأزمتين السياسية والمالية يجعل من تلبية مطالب المعلّمين و”تسكين” هذه الشريحة الكبيرة والواسعة بمثابة “ضمانة” للحكومة في مواجهة بوادر الانفجارات المختلفة والشبيهة على وقع الأزمة الاقتصادية.
رهانات تأليب الرأي العام على المعلمين، والتفكير في بدائل غير الحوار والحلول الوسطى، تنذر بتفاقم كبير للأزمة بما يتجاوز قصة المعلمين إلى المخاطرة بتفجير أجواء مشحونة أصلاً
الغد