وقال المركز في دراسته التي صدرت اليوم الاحد ان جزءا مسكوتا عنه في ازمة اللجان الداخلية ترجع في الأساس الى ما أسماه”تورط نواب في ملفات منظورة امام لجان التحقيق النيابية” مما يدفع بالبعض للضغط باتجاه تخلص المجلس من اللجان واحالتها الى هيئة مكافحة الفساد.
“الاصلاح” ينشر كامل الدراسة هنا مشيرا الى ان جزءا من النتائج التي توصلت اليها كان الاصلاح قد تناولها بالتفصيل في تقارير نشرها سابقا..
تجديد الضغط النيابي بإحالة ملفات التحقيق إلى هيئة مكافحة الفساد
الرواشده يصف مذكرته الممزقة بـ”وثيقة قريش”
تغير في مواقف نواب تجاه اللجان بسبب تورط نواب في قضايا منظورة امامها
يبدو مجلس النواب وكأنه يجر نفسه إلى أزمة داخلية بعد ان انقسم اعضاؤه إلى فريقين أصبح اولهما داعما للإبقاء على حوالي 24 لجنة تحقيق نيابية خاصة، شكلها المجلس في الاشهر الثلاثة المنصرمة من عمر دورته العادية الثانية الحالية، وبين فريق ثاني يعتقد ان هذا الكم الكبير من اللجان قد اثر سلبا على منجزات المجلس التشريعية، وأن مصلحة المجلس تتمثل بالعودة عن تشكيل تلك اللجان واحالتها جميعها إلى هيئة مكافحة الفساد بإستثناء القضايا التي تأكد وجود وزراء فيها.
الفريق الاول يستند إلى مبررات بعضها ظاهر وبعضها الآخر مخفي لا يريدون الحديث فيه إلا همساً ــ وفقا لما قاله مصدر نيابي رفض الكشف عن هويته ــ مستدركاً بالقول “لا نريد الدخول في كيل الأتهامات لبعضنا البعض..”.
أما المبررات الظاهرة فيقول النواب المؤازرون لهذا الموقف إن المجلس يستطيع الأستمرار بعمله الحقيقي في الملفات المعروضة عليه، وان حجة وذريعة تأثيرها السلبي على المنجز التشريعي للمجلس تبقى حجة واهية، والسبب يقول المصدر”لأن نتائج التحقيقات الأولية في بعض الملفات أثبتت تورط نواب حاليين في تلك القضايا” وهو ما يدفع ببعضهم للضغط من اجل إحالة جميع الملفات المفتوحة إلى هيئة مكافحة الفساد باستثناء ملفين فقط.
اما الفريق الثاني فيعتقد ان مصلحة المجلس تحتم على النواب التراجع عن إبقاء هذه الملفات مفتوحة امام اللجان والعمل على احالتها إلى هيئة مكافحة الفساد لأنها أقدر على اعمال التحقيق بما تملكه من خبرات وامكانيات يفتقد مجلس النواب اليها.
المستند القانوني
واستند المجلس في تشكيل لجانه التحقيقية إلى نص المادة 52 من نظامه الداخلي التي منحت النواب مساحة مفتوحة للتوسع في تشكيل اللجان المؤقتة التي حددت مهماتها بالتحقيق في ملفات وقضايا يعتقد النواب وجود شبهات فساد فيها.
وتنص المادة على ان” للمجلس ان يشكل لجانا مؤقتة يرى ان الحاجة ماسة لتشكيلها، ويحدد المجلس وظائفها ومهامها وعدد اعضائها، وتنتهي مدة أي منها بانتهاء المهمة الموكولة اليها “.
وورث المجلس من دورته العادية الاولى عددا من اللجان التحقيقية الا ان التوسع الواضح في تشكيل هذه اللجان في الدورة الثانية الحالية أدخل المجلس في أزمة مركبة تبددت نتائجها مؤخرا عندما اكتشف المجلس انه لم ينجز في الجانب التشريعي غير سبعة قوانين فقط، بسبب انهماكه في تشكيل اللجان وفي متابعة اجتماعاتها، وصرف الوقت تحت القبة في مناقشة مطالب نيابية متكررة تدعو إلى تشكيل لجان اضافية جديدة على نحو المطالبة بتشكيل لجنة تحقيق نيابية في ملف شركة الزجاج الاردنية والمقالع والمحاجر التي عرضت على المجلس في جلسته المنعقده في الخامس من شهر شباط الجاري، كما قرر في الجلسة ذاتها الموافقة على تشكيل لجنة لمتابعة سحب الأرقام الوطنية.
وفي الجلسة نفسها لوحظ ان النواب لم ينتبهوا لوجود لجنة تتولى التحقيق في عدد من ملفات مؤسسة الضمان الاجتماعي ، فقدم 38 نائبا طلبا لتشكيل لجنة جديدة للتحقيق في الوحدة الاستثمارية للضمان الاجتماعي، الا ان المجلس احال هذا الطلب إلى اللجنة القائمة.
هذه المعطيات توضح إلى أي مدى ذهب المجلس في التوسع بتشكيل اللجان التحقيقية وهو ما دفع بنواب من بينهم د. ممدوح العبادي لتوجيه انتقادات للمجلس بسبب ما اسماه”البطء في إنجاز التشريعات المعروضة عليه، قائلا إنه لم ينجز سوى 7 قوانين خلال ثلاثة أشهر، وهو عدد ضئيل جدا إذا ما قورن مع حجم ما كان يتم إنجازه خلال دورة مدتها أربعة أشهر، مطالبا بالإسراع في إقرار التشريعات “.
و د . ممدوح العبادي يرأس لجنة نيابية تتولى التحقيق في سد الكرامه، وتم تشكيلها اول مرة في المجلس النيابي الرابع عشر، ثم اعيد تشكيل ذات اللجنة في المجلس الخامس عشر وقام د. العبادي برئاستها، واعيد تشكيلها في المجلس السادس عشر واوكلت رئاستها للنائب العبادي، وعبر المجلسين السابقين فان اللجنة لم تستطع تقديم تقريرها ونتائج تحقيقاتها، ومن المنتظر ان تنجز مهمتها في المجلس السادس عشر الحالي.
ازمات تتوالد
ولا تبدو خارطة الأزمة بسبب اللجان التحقيقية في المجلس ستتوقف عند هذا الحد، إذ يعتقد الكثير من النواب ان المجلس مقبل على ازمة حقيقية اذا ما بقيت الخلافات على اللجان تتراوح ما بين مطالبين بالابقاء عليها تحت ايدي المجلس وبين المطالبين باحالتها إلى هيئة مكافحة الفساد.
ويمكن النظر إلى شكل ومضمون الأزمة من خلال المعطيات التالية :
اولا : تم تشكيل اللجان برغبة نيابية داخلية للدفاع عن دور المجلس في مكافحة الفساد، من خلال توجيه رسائل مباشرة للراي العام الأردني عبر العدد الكبير من تلك اللجان التي تم تشكيلها.
ثانيا : لم ينظر المجلس إلى حجم قدرته الحقيقية على القيام بدور المحقق في عشرات القضايا والملفات المطروحة امام اللجان.
ثالثا : تعرض عدد من اللجان التحقيقية إلى ازمات مبكرة تتعلق باستقالة اعضاء منها، او تمسك نواب برغبتهم بالدخول في عضوية بعضها.
رابعا : التشكيك النيابي الداخلي بالدوافع الكامنه عند البعض للمطالبه بتشكيل لجان تحقيق، مشيرين إلى توفر عوامل شخصية في تشكيل بعض تلك اللجان.
خامسا : لم ينتبه المجلس إلى الاستحقاقات الاخرى التي قد تؤثر سلبا على عمل المجلس التشريعي وهو ما بدا واضحا الان من خلال تواضع المنجز التشريعي للمجلس.
وفي الجانب الأول تبرز بوضوح ظاهرة الرغبة بالدفاع عن دور المجلس الرقابي ورغبته بمخاطبة الرأي العام الأردني بأنه يقوم بهذا الدور في مكافحة الفساد، كما انه اراد التماهي تماما مع مطالب الاحتجاجات الشعبية الاردنية التي تكرر دائما مطالبتها بمحاربة الفساد والكشف عن الفاسدين.
وقد اراد المجلس من تلك اللجان تعزيز مكانته امام الراي العام الأردني كمحارب للفساد، وبانه منسجم تماما مع مطالب الشارع وضمن رغبته باستعادة شعبيته لدى الناخبين الذين يطالبون بحله.
وفي الجانب الثاني تبرز بوضوح ظاهرة الإدراك المتاخر لعدم مقدرة المجلس ولجانه على مواصلة الاعمال التحقيقية لأسباب تتعلق بالكفاءة والخبرة التحقيقية، وهو ما يستند اليه الان النواب الداعون لإحالة كل الملفات إلى هيئة مكافحة الفساد.
وفي الجانب الثالث تعرض العديد من لجان التحقيق إلى ازمات داخلية مبكرة على نحو الاستقالات من عضويتها كما حدث في لجنة التحول الاقتصادي، ولجنة الفوسفات، فقد وصل عدد المستقيلين من عضوية اللجان إلى سبعة اعضاء، كان آخرهم النائب يحيى السعود الذي إستقال من لجنة التحقيق في إراضي الخزينة الأثنين الماضي، قائلاً أن سبب إستقالته يعود لأسباب خاصة به.
وكان النائب د. محمد الحلايقه الذي ترأس لجنة التحقيق في برنامج التحول الاقتصادي قد استقال لاحقاً من رئاسة اللجنة وعضويتها، قائلاً “لقد استقلت منها لأنني كنت وزيراً في الحكومة التي أقرت هذا البرنامج وليس من الجائز قانونياً ان أكون رئيساً للجنة تحقيق تحقق في هذا البرنامج”، ومن المتوقع ارتفاع هذا الرقم في الفترة المقبلة.
وفي الجانب الرابع فإن نواباً قاموا بالتشكيك في الدوافع التي أدت إلى تشكيل بعض اللجان التحقيقية على نحو تشكيل اللجنة المتعلقة بالضمان الإجتماعي، فقد كان سببها المباشر خلاف بين نائب وبين المؤسسة بسبب تأجير مبنى في إربد، فيما ذهب البعض للطلب من النائب خالد الفناطسه الإستقالة من عضوية لجنة الفوسفات لأرتباطه بعمل خاص معها، وذهب نواب فيها لرهن استقالتهم الجماعية من عضويتها باستقالته منها.
وفي الجانب الخامس فان المجلس ادرك ــ ربما متأخراً ــ حجم الإستحقاقات التي بات عليه دفعها جراء إنغماسه في اللجان التحقيقية على حساب عمله التشريعي، وكان الأجدى به المواءمة بين الجانبين في عمله الرقابي والتشريعي ــ حسب نواب ــ .
في هذا الجانب تبرز معطيات عديدة سيتم تكريسها لاحقاً في معسكر المطالبين بالتخلص من لجان التحقيق، سيأتي في مقدمتها التركيز على تقصير المجلس في الجانب التشريعي بشكل عام ، وستبرز في الخطاب النيابي لغة جديدة تلقي بمسؤولية “التقصير التشريعي” على لجان التحقيق وبقائها قائمة في حضن المجلس.
وقد ظهر ذلك في مداخلة النائب د. العبادي في جلسة الاحد الماضي التي وافقه عليها البعض من النواب، ومن المتوقع ان تتسع دائرة المؤيدين لهذا المطلب ، ولذلك النقد الذي يستهدف ضمنا التخلص من اعباء واستحقاقات لجان التحقق.
في هذا الجانب تحدث النائب د. محمد الحلايقه عما أسماه”غرق المجلس في اللجان التحقيقية قائلاً” اعتقد ان المجلس يكاد الان يغرق في التحقيق في قضايا مختلفة على حساب دوره التشريعي” مضيفا” أن وجود هيئة متخصصة هي هيئة مكافحة الفساد ولديها الأمكانيات الكافية للقيام بهذا الدور هي الأقدر من مجلس النواب على القيام بدور التحقيق وجمع المعلومات والبيانات، وقدرتها أكثر من قدرة مجلس النواب على القيام بهذا الدور..”.
وقال د. الحلايقه “أن مجلس النواب لديه تشريعات وقوانين مهمة خاصة حزمة قوانين الاصلاح السياسي مثل قانون الهيئة المستقلة، وقانون البلديات ثم قانون الاحزاب وننتظر قانون الأنتخاب ولم يقم المجلس بمناقشة اي منها، كما ان معظم لجان المجلس الدائمة لديها تشريعات وقوانين يجب ان تنجزها”.
ويؤكد د. الحلايقه على ان “لجان التحقيق النيابية تعيق العمل التشريعي لمجلس النواب، كما ان المجلس والنواب ليست لدينا المؤهلات والأمكانيات الكافية للقيام بالتحقيقات في تلك الملفات المزدحمة “.
ولم يتردد د. الحلايقة بالإعلان عن موقفه المؤيد “لإحالة جميع الملفات التي تخلوا من اسماء وزراء إلى هيئة مكافحة الفساد لأنها تبقى الأقدر على القيام بعملية التحقيق المطلوبة وحتى نترك لمجلس النواب الوقت المتبقي من عمره لإنجاز حزمة قوانين الاصلاح السياسي على الأقل”.
مذكرتان بين الفشل والتبني
وتقف في مقدمة مشهد الازمة النيابية في لجان التحقيق المذكرتان اللتان شهدتا الكثير من الشد والجذب في الآونة الأخيرة، الاولى تم إسقاطها تماما بعد سلسلة انسحابات متتالية منها، والثانية لا تزال في طور التشكل ومن المنتظر عرضها اليوم الاربعاء على المجلس او تأجيلها إلى الأحد المقبل.
والغريب في نص المذكرة الثانية التي وصل عدد الموقعين عليها إلى 76 نائباً تتبنى نفس المطالب التي تبنتها المذكرة الاولى التي وقعها نحو 61 نائباً، مع فارق ضئيل ان المذكرة الاولى لم تجد الارضية التنسيقية الكافية لحملها إلى قبة المجلس بينما بدت المذكرة الثانية وكأن من يقف خلفها من قوى برلمانية تجد ان الحاجة لها اصبحت اكثر من ضرورية.
والغريب ايضا في سلسلة المفارقات بين المذكرتين ان الفارق الزمني بينهما لا يتعدى الاسبوعين لكن من الواضح ان تطورات ما فرضت نفسها على الداخل النيابي دفعت بالبعض من النواب للعودة إلى موضوعها وتجديدها بطريقة تختلف شكلا وتتوافق موضوعا.
المذكرة الاولى حظيت بدعم 61 نائبا وتبناها النائب وصفي الرواشده ، ودعت في مضمونها إلى احالة جميع الملفات التحقيقية التي تخلوا من اسماء وزراء إلى هيئة مكافحة الفساد.
ويقول النائب الرواشده في تصريحاته هنا ان المذكرة في حينه لقيت دعما كبيرا من النواب الا انني فوجئت بالتفاف غير مفهوم من العشرات الذين وقعوا عليها وسحبوا تواقيعهم عنها.
ويضيف متندرا ” حتى ان المذكرة تمزقت لكثرة عملية شطب الاسماء،”لقد تمزقت تماما” يقول الرواشده ضاحكا، قبل ان يصف مذكرته بانها صارت اشبه بـ”وثيقة قريش التي أكلتها الأرضه ــ على حد قوله ــ”.
وتم إلغاء المذكرة والتراجع عنها تماما، لكن المفاجأة كانت بالنسبة للنواب وحتى للرواشده نفسه اكثر من غريبه عندما قام النائب مازن القاضي مرة اخرى وبعد إنقضاء أقل من أسبوعين على إلغاء المذكرة الاولى بصياغة مذكرة اخرى جديدة تتبنى نفس مطالب المذكرة الاولى ويقوم 76 نائبا بالتوقيع عليها، وتحظى ــ يقول نواب ــ بدعم مباشر من رئيس مجلس النواب عبد الكريم الدغمي وغيره.
والنائب الرواشده يكشف عن شيء أخر أكثر تعبيرا عن الأزمة يتعلق هذه المرة بتغيير المواقف، والقناعات، فالعديد من النواب الذين كانوا يدعمون المذكرة الاولى وطلبها باحالة الملفات إلى هيئة مكافحة الفساد تحولوا إلى رافضين ومتشددين تجاه طلب الإحالة وصاروا اكثر تمسكا بالابقاء على تلك الملفات داخل المجلس وبين يدي لجان التحقيق.
يقول الرواشده ان المزاج النيابي تغير حتما ، فقد كنت ارى كما يرى نواب اخرين ان اللجان تؤثر سلبا على عمل المجلس التشريعي وحتى الرقابي، وان الأجدى بالمجلس إحالة هذه الملفات إلى هيئة مكافحة الفساد لكونها الاقدر على القيام بهذه المهمات التحقيقية”.
“لقد تغير موقفي” يقول الراوشده، ومعي الكثيرون، ونقوم الان بالتنسيق مع بعضنا البعض في إطار رفض أي مقترح بإحالة تلك الملفات إلى الهيئة ونتمسك بالمطالبه بالإبقاء عليها داخل المجلس ولأسباب عديدة”.
لم يقل الرواشده شيئاً عن تلك الأسباب” هي اشياء يجب ان تبقى طي الكتمان الان، وسنعلن عنها في حينه” يقول الرواشده، لكن نواباً آخرين أشاروا ضمناً إلى ما وصفوه” تورط نواب في قضايا تطالها الملفات التحقيقية”.
وتصمت كل المصادر هنا، فلا إجابات على الاسئلة، ولا معلومات جديدة” نتركها إلى حين الكشف عنها” تؤكد المصادر على هذا الموقف، وكأن ثمة توافق عليه، وثمة ما هو أكبر من مجرد الخلاف على التأثيرات السلبية التي أدت بالمجلس للوقوع في مصيدة التقصير التشريعي.
وتتوقع مصادر نيابية ان يدخل المجلس في ازمة قد تصل إلى حد تبادل الإتهامات، والكشف عن تفاصيل اخرى قد تقود إلى ازمة نيابية داخلية، وهو ما اشار اليه بوضوح رئيس لجنة التحقيق النيابية في ملف خصخصة شركة الفوسفات د. احمد الشقران الذي اعلن عن تعرض لجنته لضغوط عديدة ومن جهات مختلفة، إلى جانب عدم التعاون المطلق مع لجنته.
يبقى القول ان المطالبين الجدد بإحالة ملفات التحقيق إلى هيئة مكافحة الفساد وبالتنسيق مع رئيس مجلس النواب سيبقون فقط على ملفي سكن كريم لعيش كريم وملف سفر خالد شاهين في المجلس بينما يدعون إلى إحالة باقي الملفات إلى هيئة مكافحة الفساد.