كتب: جهاد الرنتيسي/
اللغة التي استخدمها ، مراقب عام جماعة الاخوان المسلمين همام سعيد ، خلال التجمع الذي اقامته الجماعة ساحة الريجنسي ، لا تخلو من محاولة ، لطمأنة صانع القرار ، والقوى السياسية ، وان كانت هذه المحاولة ، معزولة عن السياق العام لخطاب الجماعة .
البعد التطميني كان واضحا في رسالتين اراد سعيد توصيلهما الى صانع القرار والشارع السياسي القلق من مآلات التطورات السياسية التي تمر بها البلاد والمنطقة .
فيما يتعلق بالرسالة الموجهة لصانع القرار اراد المراقب العام تاكيد التمسك بسلمية الحراك وعدم انجراره الى العنف .
وفي رسالته للشارع الذي يضم طيفا واسعا من الاحزاب والقوى السياسية والعشائرية اراد تقليل المخاوف من انفراد الحركة الاسلامية بقيادة الاصلاح و جني ثمار الحراك.
اهمية الرسائل والتطمينات الاخوانية يأتي بعضها من ضرورات تمييز الحراك الاردني عن بعض حراكات التسونامي العربي المفتوحة على احتمالات الفوضى والعنف .
فقد دخلت الثورة السورية منعطفا دمويا حرجا يصعب تجاهله مع الاصطفافات المذهبية التي بدأت تلقى ظلالا كثيفة على دول الجوار ذات التربة المهيأة لامتصاص افرازات الحدث والتفاعل معه كعراق المحاصصة الطائفية ودولة الطوائف اللبنانية .
كما يمر المشهد المصري ، بانقسام حاد ، بين الاسلاميين وبقية المكونات السياسية، وغياب الرؤية المفترضة ، للخروج من المأزق الراهن ، دون مزيد من الخسائر، التي تطال مختلف اوجه الحياة المصرية ، وفي مقدمتها الاستقرار السياسي ، والاوضاع الاقتصادية .
الظروف التي املت على مراقب عام الجماعة ارسال تطميناته للشركاء المفترضين في الحراك والطرف المستهدف بالاحتجاجات لا تقتصر على ما وصلت اليه الحراكات الشقيقة التي تفقد بوصلتها يوما بعد يوم .
فهناك مؤشرات محلية ساهمت في تغذية المخاوف من توسيع حضور التجربتين المصرية والسورية في الحياة السياسية الاردنية للحد الذي يقود الحراك الاردني الى ما لا تحمد عقباه .
بين هذه المؤشرات ، التحولات التي حدثت على العلاقة بين الاسلاميين وشركائهم في قوى المعارضة اليسارية والقومية ، حيث تراجع التنسيق الى ادني مستوى ، بسبب محاولات الجماعة وواجهتها السياسية حزب جبهة العمل الاسلامي ، تجيير فعاليات الحراك ، فلم تكن خافية على الشارع السياسي ، مظاهر التفرد والهيمنة، والمصادرة ، و التهميش.
في موازاة نزعات التجيير والهيمنة والمصادرة ، التي تحكم سلوك الحركة الاسلامية وساهمت في انتفاض القوميين واليساريين على لجنة التنسيق العليا لاحزاب المعارضة ظهرت مؤشرات انفلات تنظيمي يهدد بولوج دوامات العنف .
ابرز هذه المؤشرات ، بيان شباب جماعة الاخوان المسلمين والاستعراض المليشوي الذي تلاه ، على خلفية احداث المفرق ، التي اثارت جدلا واسعا في الاوساط السياسية ، اعاد الى الاذهان تجربة التنظيم الخاص ، الذي تأسس في زمن حسن البنا ، وواجه المرشد العام مصاعب في السيطرة عليه ، بعدما تحول الى قوة داخل تنظيم الجماعة .
يضاف الى مؤشرات الانزلاق ، نحو التصعيد الدموي ، ومحاولة استخدام الحلفاء اليساريين والقوميين ، بدلا من التعامل معهم كشركاء حقيقيين ، نافذة الحوار المعلن ، التي تستعد الحركة الاسلامية لفتحها على الولايات المتحدة وبريطانيا .
فمن غير المعقول ان يجري مثل هذا الحوار في الوقت الذي تظهر الجماعة بصورة الحركة غير المقبولة من بقية اطراف الحراك والقابلة للتحول الى العنف .
لكن اللغة التصالحية ، التي حاول ان يتحدث بها المراقب العام ، بقيت منقوصة ، لترافقها مع شروط المشاركة في الانتخابات النيابية ، التي طرحت خلال تجمع ساحة الريجنسي ، وتبين فيما بعد ، ان الحركة الاسلامية غير متفقة عليها ، مما يضع على جدول اعمال القيادة المقبلة لجماعة الاخوان المسلمين ، اعادة النظر في اساليب فرض الاصلاحات ، من خارج اطر العملية السياسية ، بعد ثبوت مساهمة هذه الاساليب ، في ادامة الاحتقان السياسي و اعاقة الاصلاحات .