هجوم لفظي شنه عضو مجلس الأمانة السابق علي الحديد على الأمين السابق عمر المعاني في جلسة المجلس في 14 تموز ???? منتقدا لجنة الحج والعمرة آنذاك.
هذا الهجوم لم يجد صداه إلا بعد عامين؛ ففي تلك الجلسة قال الحديد أن “150 مواطنا يذهبون إلى الحج أو العمرة سنويا يا عطوفتك؛ 100 منهم ضمن اقتراع تجريه الأمانة، و50 يهبطون بالبراشوتات”.
لقيت تلك المداخلة تأييد أعضاء في المجلس، لكن المعاني دافع عن الأسس المطبقة في اللجنة، فيما صمت يحيى السعود رئيس اللجنة آنذاك النائب الحالي في البرلمان.
انتقد أعضاء في المجلس الأسس التي تسمح لبعض الأعضاء بالسفر سنويا من دون أي متابعة. وطالبوا اللجنة بوقف صرف المال، أو على الأقل وقف إرسال من هم خارج الأمانة على حساب دافعي الضرائب.
غير أن صدى هذه الحادثة تردد خلال اجتماع أعضاء لجنة التحقق النيابية الرابعة الخاصة بالأمانة التي سرعان ما أدانت أمين عمان عمر المعاني كمسؤول أدبي عن البعثة خلال عهده، لكنها استثنت هذا الملف من بين ملفات الأمانة التي حولتها إلى المدعي العام، وذلك بحجة عدم توقيع كامل أعضاء اللجنة على هذا الملف بسبب تغيب بعض أعضائها عن ذلك الاجتماع.
ينظر علي الحديد الآن إلى التحقيق في ملف اللجنة كدليل على تطبيق القانون. ويقول: “لاحظت وقتها تدخلات ومحسوبيات في السفر، ببساطة أقل من نصف اعضاء الرحلة من الأمانة والبقية من خارجها وسفر زوجات البعض، فضلا عن سفر البعض جوا رغم أسس تلزم بالسفر برا. وهو ما رصدته في حينه”.
الحج والعمرة في تقرير المحاسبة
قبل انتقاد الحديد وتحقيق اللجنة النيابية كانت لجنة الحج والعمرة في الأمانة احد ملفات تقرير ديوان المحاسبة للعام 2008، الذي قدم توصية لرئيس مجلس النواب بمخاطبة رئيس الوزراء لإحالة الموضوع المتعلق بتسيير بعثات الحج والعمرة لأعضاء الأمانة وموظفيها ومستخدميها وعمالها إلى الجهات المختصة.
التوصية استندت على مخالفات، منها مشاركة عدد من أعضاء مجلس الأمانة وعدد من السيدات غير العاملات في الأمانة، خلافا لما ورد في كتاب رئيس الوزراء، عدا عن قيام بعض أعضاء مجلس الأمانة بالحجز جوا خلافا لما ورد في كتاب رئيس الوزراء بالسفر برا، وقيام رئيس البعثة والمساعد الإداري بالعودة جوا، إضافة إلى حجز بعض أعضاء مجلس الأمانة في حافلات (VIP). وبين التقرير إلى أن مجلس الوزراء وافق على عدد المعتمرين 185، بينما تم توقيع اتفاقية بين الأمانة وإحدى شركات النقل بعدد 190 معتمرا، في حين العدد الفعلي للمعتمرين هو 181، عدا عن عدم إجراء أي تغيير على شروط ومواصفات الأمانة الأصلية.
لكن تقرير ديوان المحاسبة في عام 2010 أوضح رسميا أن الأمانة خالفت الأسس والمعايير المتبعة بالحج والعمرة في ذلك العام. وأشار التقرير إلى أن التكاليف غير المبررة والتي تكبدتها موازنة أمانة عمان، تستوجب الوقوف عندها وضرورة التحقيق فيها. وبين أن الزيادة على قيمة قرار الإحالة والبالغة 4517 دينارا، والتي قامت بها الأمانة حمل خزينتها أعباء إضافية تتطلب التحقيق فيها.
مسؤولية من؟
ملاحظات لجنة التحقق النيابية الرابعة تركزت على صلاحيات أمين عمان في لجنة الحج والعمرة. وخرجت بتوصية اتفق عليها أعضاء اللجنة تقضي بضرورة “تخفيض صلاحيات أمين عمان، التي تشكل تفردا كبيرا في اتخاذ القرارات المالية والإدارية الكبيرة، رغم أن مرجعيته رئيس الوزراء”.
واعتبر رئيس اللجنة النيابية أحمد العتوم أنّ التكاليف الإجمالية لبعثة الحج للعام 2009،ومقدارها ،272,978،دينارا، تتضمن أعباء مالية اضافية تتحملها موازنة أمانة عمان نتيجة عن عدم التقيد بالعطاء وقرارات مجلس الأمانة، وهي زيادة ما مجموعه،30231،دينارا على قيمة العطاء والبالغة45900 دينار.
واستندت اللجنة على ما جاء في تقرير ديوان المحاسبة عن تكاليف إضافية لسفر 10 من أعضاء مجلس الأمانة وزوجاتهم وأقاربهم بمقدار،25,420،دينارا، عدا عن تكاليف طواف عن155حاجا بمقدار،17825دينارا، وبدل أضاحي بمقدار،15000،دينار صرفت لرئيس البعثة قبل سفره، فضلاً عن صرف جزء من سلفة النفقات الإضافية لغير الغايات المخصصة لها.
وبذلك حملت لجنة التحقق الرابعة في الأمانة، أمين عمان مسؤولية ملف الحج والعمرة. وأوصت اللجنة الحكومةبإلغاء الحج والعمرة من الأمانة. لكنها عادت وأعلنت تأجيل قرارها الرابع المتعلق بالبعثة لعدم توقيع كامل أعضاء اللجنة عليه.
ورغم أن تحقيق ديوان المحاسبة واللجنة النيابية الرابعة جاء في الفترة التي كان فيها يحيى السعود رئيسا للجنة البعثة في الأعوام 2006 – 2010، إلا أنه لم توجه له أي تهمة مباشرة. واستباقا لذلك عقد السعود مؤتمرا صحفيا في 29 كانون ثاني دافع فيه عن نفسه بالتأكيد على أن كل توصيات لجنته نالت موافقة وتوقيع الأمين. وقال:”لماذا يحقق الديوان في البعثة في عهدي متناسيا من سبقني في رئاستها في الأعوام السابقة من أيوب خميس وموسى الوحش منذ العام1999″.
واستعرض السعود في إحدى قاعات مجلس النواب العديد من الوثائق باعتبارها تبرئ ساحته وتلقي المسؤولية بشكل غير مباشر للتعليمات والأسس المتبعة في لجنة الحج والعمرة منذ العام 1999، أي منذ عهد الأمين الأسبق نضال الحديد.
وحاول السعود تبرئة نفسه في مخالفة الأمانة لكتاب رئيس الوزراء المسؤول كولاية عامة عن الأمانة في زيادة عدد الحجاج من130 إلى167 حاجا في رحلة العام 2009 ، بأن تمت بموافقة أمين عمان، المعاني في حينها.
كما سُجل في بعثة العمرة لعام 2010 مخالفة عندما لم تطرح الأمانة عطاء السفر بالصحف اليومية، لكن رد السعود استند على نظام اللوازم والأشغال والعطاءات التي تجيز استدراج العروض، حيث تم استدراج عروض من شركات الحج المتخصصة.
واتهم تقرير المحاسبة الأمانة بأنها قامت بتسيير بعثة العمرة قبل الحصول على الموافقات من مجلسي الأمانة والوزراء في العام 2010. فيما تؤكد وثيقة رئيس البعثة الحصول على موافقة الامانة بالسفر وارسالها إلى رئيس الوزراء لكن موافقته تأخرت ما اضطرهم إلى السفر قبل تلقيها.
وعن صرف بدل الأضاحي لكل حاج حيث تم صرف البدل باسم رئيس البعثة أو معتمد الصرف لدى الدائرة المالية وتم شراء الأضاحي وتوزيع الكوبون للموظفين في السعودية، توضح وثيقة السعود أن صرف المكافآت يعتمد على تقدير الأمين.
وسجلت مخالفة مشاركة أعضاء مجلس الأمانة في بعثة عمرة 2008 مع زوجاتهم، وهو قرار قال السعود أنه صادر عن مجلس الأمانة وبموافقة الأمين وبموجب الانتقال والسفر حسب الفئة الخاصة والأولى التي صيغت في عهد الأمين الأسبق والنائب الحالي د. ممدوح العبادي. وقال أنها تمت “بشكل منفصل عن بعثة الموظفين لكنها كانت بموافقة الأمين”.
وسُجل تجاوز بسبب سفر رئيس البعثة والمساعد الإداري جوا بالعودة إلى عمان على حساب الأمانة، لكن السعود اعتبر أن “وضعه الصحي لم يسمح له بالعودة برا.
الدكتور محمد أبو هديب، عضو مجلس أمانة أسبق، يرى أن المسؤولية تقع على “منصب أمين عمان ومجلس الأمانة ورئيس الوزراء بولايته العامة”.
ورئيس الوزراء وانطلاقا من ولايته تلك، تقع عليه مسؤولية “عدم تدقيق الكثير من الملفات التي تحول إليه من الأمانة لأجل الموافقة عليها. ودائما تأتي الموافقات على القرارات دونما مراجعة أو حتى استفسار، فضلا عن مسؤولية أمين عمان ومجلس الأمانة بوصفه صاحب القرار من خلال لجانه”.
وفق المادة الثانية من قانون البلديات رقم 13 لسنة 2011 فإنه يتم انتخاب رئيس المجلس البلدي وأعضائه مباشرا باستثناء أمانة عمان التي يتولى إدارتها مجلس يحدد مجلس الوزراء عدد أعضائه على أن ينتخب ثلثا أعضائه انتخابا مباشرا. فيما تنص المادة الرابعة على أن مجلس الوزراء يعين أمين عمان بتنسيب منه.
وفي هذا النص يرى قانوني وعضو مجلس امانة سابق أن مجلس الوزراء ممثلا برئيس الوزراء هو المسؤول عن أي إجراء قد يتخذه موقع أمين عمان من تنسيبات او موافقات يكون مجلس الوزراء قد ختم عليها بالموافقة.
غير أن أبو هديب يقول أن محاسبة مجلس الأمانة “غير ممكنة”، والحل قد يكون في “اللجوء إلى السلطة التقديرية في من اتخذ القرار ويقوم بذلك أناس من داخل الأمانة”.
عضو الأمانة السابق علي الحديد يعتبر ان التحقيقات ستظهر فيما بعد من هم أصحاب المسؤولية.
الأسس من زمن الحديد
ورجع السعود في مؤتمره الصحفي إلى عهد أمين عمان الأسبق نضال الحديد في الأعوام 1998 حتى 2006 وعهد رئيس الوزراء الأسبق علي أبو الراغب، حين وضعت أسس لجنة الحج والعمرة.
وتبدأ من لحظة إجراء قرعة الحج والعمرة بين موظفي الأمانة، بحضور أمين عمان وبعض أعضاء المجلس والموظفين، ويتم تعميم أسماء الموظفين ثم طرح عطاء في الصحف اليومية.
وتشمل التكاليف: السفر والمبيت والإقامة، بموافقة أو رفض مجلس أمانة عمان المعين والمنتخب والمكون من 67 عضوا، في جلساتهم الشهرية. ومن ثم تتم مخاطبة رئيس مجلس الوزراء للموافقة على تسيير الرحلة وتحديد المياومات التي تصرف لهم وآخرها كان مبلغ 300 دينار لكل مشارك.
ويتم صرف المياومات وفق وثيقة السعود، حسب الأسس الموافق عليها من قبل رئيس الوزراء وحسب تنسيب مجلس الأمانة، وتصرف إلى الموظفين مباشرة من خلال الدائرة المالية.
ووفق نهج بدأ منذ العام 1999، كما قال السعود، تشمل بعثة الحج والعمرة من غير موظفي الأمانة، ويعملون في دوائر مختلفة، من قضاة وموظفين من محكمة الأمانة والجهاز القضائي وموظفي الأجهزة الأمنية وموظفي محافظة العاصمة وبعض الحكام الإداريين وموظفي رئاسة الوزراء وديوان التشريع والرأي وموظفي البلديات ومؤسسات المجتمع المدني وموظفين من السفارة السعودية وموظفي ديوان المحاسبة.
لكن ابو هديب يرى أن الأسس التي صيغت في التسعينيات عندما كان عضو مجلس أمانة “تغيّرت وتبدلت”، ويقول: “كانت أساسا لغير المقتدرين وعمال الوطن وهي أشبه بتكريم ومكافأه لهم، لكنها انقلبت مؤخرا وأصبحت قضية رفاهية للمقتدرين”.
“أما عن اختيار الأشخاص من خارج الأمانة فما كانت بالأصل موجودة وهذا ما فتح بابا واسعا من التأويل”، يقول أبو هديب.
غير أن المخصصات المالية هي من ساهمت في فتح ملف اللجنة والتحقيق فيها، على ما يقوله أبو هديب، مشيرا إلى “الصرف غير المسؤول في المال العام”.