وردتني عبر الإيميل من دائرة الإفتاء فتوى عاجلة، ردا على سؤال وردها يقول: هل يحل للعامل أو للموظف الامتناع عن عمله وعدم القيام به وأخذ أجرة عن اليوم الذي تغيب فيه دون عذر؟.
الفتوى بهذا المعنى ترد على تساؤل دار في خلد الآلاف، من ابناء هذا الوطن، وخلاصة الرأي هنا أن «العامل أو الموظف مؤتمن ويستحق راتباً عن العمل أو التفرغ للعمل والاستعداد له، ولا يحل للموظف أن يأخذ مالا في غير عمل، واليوم الذي يتغيب فيه الموظف عن عمله دون عذر أو يمتنع عن أداء عمله بالشكل الأمثل فإنه يكون آثماً شرعاً ولا تحل له أجرته؛ لأنه قد اكتسبه بوجه غير مشروع، وتقول الفتوى أيضا: فإذا لم يقم المسلم بالعمل المطلوب منه لم يكن له حق في الراتب، سواء أكان الموظف أجيرا خاصا أم عاما، وتزداد الحرمة إذا كان موظفا عاما ويتقاضى راتبا من الدولة، فهو بذلك يكون قد اعتدى على حقوق الآخرين فيما يقدم لهم من خدمات وعلى أموال الأمة كلها!
هذا هو رأي الإفتاء العام، فما رأي الطلبة فيما وقع عليهم؟ وما رأي الأهالي؟ بعد أن سمعنا طويلا آراء المعلمين؟».
صديقي الدائم طالب التوجيهي أبى إلا أن يدلي بدلوه، في قضية تخصه شخصيا، فكتب لي مطولة تحت عنوان: ما هكذا تحل الأمور أيها المعلّمون الأفاضل!!.
عبدالله بدأ مطولته بالبكاء والولولة من البداية، فصرخ قائلا: كم هو مؤسف أن أرى أن الأمور في الشأن التعليمي قد أخذت عندنا منحى غريباً لم نشهده من قبل، وكم هو محزن لي أن أرى المعلمين يتصرفون على هذا النحو من اللامسؤولية واللامبالاة وعدم الإكتراث؛ وذلك بعد تخلّيهم عن واجباتهم وأعمالهم، وقيامهم بالإضرابات، ودعوة بعضهم الى الإعتصامات؛ حتى أصبحوا الآن هم الشغل الشاغل الذي يشغل بالنا جميعاً في الأردن على كافة المستويات في هذه الأيام، وهو في هذا الموقف يلتقي مع منطوق الفتوى أعلاه، ولكنه لا يكتفي بإعلان الموقف، على نحو درامي، بل يمضي في شكواه وأناته على نحو متصاعد: إنني وكأحد الطلاب المنزعجين من هذه التصرفات، ومن غير الراضين عن هذه السلوكيّات، ومع احترامي الشديد لكل المعلمين والمعلّمات؛ أقول لهم جميعاً وبالفم المليان: إنكم مخطئون، وإن اضرابكم هذا لا مبرر له أبداً من الأساس، خاصة بعد أن ثبت لي أنه يقف خلفكم مجموعة من الذين لا يريدون خيراً بالبلاد ولا بالعباد، ومن الذين يهدفون الى تصعيد الأمور، ومن الذين يريدون خلق المزيد من الفوضى والبلبلات، وإحداث المزيد من الإشكاليّات، إن عدد طلاب المدارس الحكومية في المملكة حسب ما علمت به من الإحصائيات هو حوالي مليون و400 ألف طالب وطالبة!! وعلى هذا فإن نتائج هذه الإضرابات سوف تتأثر بها كل العائلات؛ لأنه لا توجد عائلة إلا ولديها عدد من الطلاب والطالبات؛ والبقاء على هذه الحالة سيخلق الكثير من القلاقل والمشكلات.
ثم يقذف عبدالله في وجهنا شلالا من التساؤلات، من مثل: ما ذنبنا نحن الطلاب حتى نتحمل سلبيّات كل ما تقومون به من اعتصامات؟ هل من المنطق أن أذهب أنا وغيري من الطلبة والطالبات الى المدارس، لنجد المدراء والمديرات ويقف معهم بعض المعلمين والمعلمات، على البوّابات معلقين اليافطات، حاملين وحاملات العصي والهراوات، يشتموننا بكلمات جارحات، ويطلبون منّا بطرق مستفزّات غير لائقات؛ الرجوع الى منازلنا، والعودة من حيث أتينا بأقصى السرعات!.
ويخلص صديقي إلى القول.. إن الحكومة أيها المعلّمون والمعلمات؛ قد أعطتكم وعداً بأنها ستصوّب لكم أوضاعكم، وها هي قرّرت رسميّا رفع رواتبكم، واعترفت بحقوقكم، وقررت رفع علاواتكم كما كنتم قد طلبتم الى 100%. وها هي قد أقرّت دفع ما تبقى لكم منها لى مراحل تبدأ من الآن وحتى عام 2014. فقولوا لي ماذا تريدون أكثر من ذلك؟؟ أليس هذا الإقرار والتعهد كافيين؟؟ فلماذا إذاً هذا التّصعيد؟؟.
أما الأهالي، فقد شكوا من انفجار هذا المشكل في وجوههم، بعد أن طال انتظارهم لعودة الأبناء إلى المدارس، وإذ بهم يعودون من العودة، بكل ما تشكله هذه العودة من مشكلات، فضلا عن إحساسهم المؤلم بضياع وقت التحصيل العلمي على أبنائهم، فلم يصر إخواننا وأبناؤنا المعلمون على موقفهم، خاصة وأننا كمواطنين عاديين ندرك أن الكل بدأ ينظر إلى مصلحته الشخصية، مستفيدا من أجواء الربيع العربي، لتحقيق مآرب، ومطالب، ندرك كلنا أن البلد أعجز من أن تلبيها، فيما تركنا المطالب الوطنية الإصلاحية، نهبا للمجهول؟
الدستور