البارحة قالت لي أختي الصغرى بأنها حزينة لأن دروسها لم تبدأ بسبب إضراب المعلمين في المدارس الحكومية، رغم أن الفصل الثاني قد بدأ، ومعلمتها جاءت في اليوم الأول واعتذرت من صفها وقالت للطالبات: أنا حزينة أيضاً لأنني لن أبدأ لكنّ الدروس، لكنني ينبغي أن أقف مع زملائي وزميلاتي المعلمين والمعلمات في مطالبهم.
أثنيت على المعلمة فلها ولزميلاتها الاحترام والتقدير، وقلت لأختي: أنت أيضاً قفي الى جانب معلماتك، وأخبري زميلاتك أننا ينبغي أن نقف معهن، والدروس ستعوض، وسنعود للدراسة بعد أن يأخذ معلمونا مكانتهم الحقيقية، ويأخذوا حقوقهم كاملة.
قبل زمن، في مدرستي القروية الشمالية، عندما كانت أرجلنا ترتجف لمرور المعلمة أو المديرة… نمت في داخلنا هيبة المدرسة وقيمة المعلم، وعندما كان آباؤنا يزرعون بداخلنا احترام الكبير، عرفت أن المعلمة هي كبير أيضاً… بل هي أكثر من ذلك، إنها من أجادت علي بعلم أوصلني لما أنا فيه اليوم.
اليوم، طلابنا لا يعرفون هذا الكبير… اليوم حكومتنا لا تلقي بالاً لهذا الكبير… اليوم، لا أحد يحلم أن يصبح معلماً… لأن راتب المعلم لا يرقى لأحلام الصغار… ومعلمونا لم يعودوا يعتبرون أنفسهم كبارا… واليوم تمنّ الحكومة ووزارة التربية والتعليم بفتات منح وزيادات ووضع معيشي “يحلم به موظفو الدولة من الوظائف الأخرى” على حد قول الوزير… واليوم أحد مذيعينا في أحد الإذاعات المحلية – ممن يستلم راتبا يزيد عن الألف دينار بطبيعة الحال- يقف الى جانب الوزارة بدلاً من أن يقف على الحياد “لا مع ولا ضد”، بل ويُدين إضراب المعلمين عن العمل على الهواء مباشرة، ويطالبهم بالعودة الى صفوفهم، وأنهم أخذوا حقهم وزيادة، بدلاً من أن ينصفهم بالقول أن أوضاعهم المعيشية مهلكة، وأنهم يهربون لبلاد الخليج من أجل لقمة عيش أفضل.
اليوم، المعلمون يلجأون للدروس الخصوصية لأن راتب الحكومة لا يكفيهم، كثير منهم لا يخلص في مهنته لأنه لا يرى طائلا منها، وكثيرون يستنكفون عن وظائف وزارة التربية والتعليم ليبحثوا عن المدارس الخاصة أو عن مهنة أخرى تطعمهم وذويهم خبزاً نظيفاً، اليوم معلمنا لم يعد مؤهلاً لتعليم أبنائنا لأن الوزارة لا تعيّنهم بكفائتهم بل وفق أرقام ديوان الخدمة المدنية، ولا تدربهم بعد ذلك إلا نذرا قليلاً بسبب “السرعة في التعيين ونقص الكوادر التعليمية، ولأن الوزارة لا تتمكن من تدريب كل هذه الكوادر الجديدة” على حد قول الوزارة نفسها. اليوم لهم الحق الكامل في الإضراب، لأن حكومتنا لو كانت جادة في أقوالها لدعم المعلم وتحسين أوضاعه، لكانت حسنت البيئة المدرسية، ولكانت بنت مدارس جديدة بدلا من الاكتظاظ في أعداد الطلاب. لكانت – بكل بساطة – خصصت ميزانية أكبر لوزارة التربية والتعليم “لتكون قريبة ولو بنزر قليل من ميزانية المؤسسة العكسرية مثلاً”، ولزادت رواتب المعلمين لتكون على سوية الطبيب الذي يعالج الناس جسديا؛ فالمعلم يعالج طلبتنا عقلياً وذهنياً وتربوياً… وعليه فإنه يستحق راتباً مضاعفاً، ويليق بقدره الكبير… ومكانته الحقيقية.
المقال عن الصفحة الشخصية على الفيسبوك