دروس من غزوة تبوك
6/5/1427هـ
· ومن مواقفهم أنهم أخذوا يثبطون عن الجهاد، ويدعون الناس للقعود ﴿ وَقَالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ ﴾[التوبة: 81].
· ومن أعمالهم الخبيثة أنهم كانوا يستهزئون ويطعنون في المطوعين من المؤمنين الفقراء، ويتهمون الأغنياء الذين أنفقوا أموالهم في سبيل الله بالرياء وذلك حتى لا يسلم الصف الإسلامي, وحتى تسود فيه الخصومات والخلافات, ويعلوه الفتنة واللغط ﴿ لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورُ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ ﴾[التوبة:48]
· لقد قاموا كذلك بالتشكيك بالمعجزات النبوية أثناء الغزوة، والحرص منهم على مخالفة أوامر وتوجيهات الرسول صلى الله عليه وسلم ما أمكنهم ذلك.
· محاولتهم اغتيال رسول الله صلى الله عليه وسلم ومحاولة مزاحمته ورميه عن دابته في عقبه (الشعاب), ولكن الله حفظ نبيه وأبطل كيدهم ﴿ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا ﴾[التوبة: من الآية74].
· الاستهزاء والسخرية بآيات الله تعالى ويصالح المؤمنين كما قال الله وأجز عنهم بقوله ﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ ﴾[التوبة:65].
· لقد امتلأت نفوس المنافقين بالحقد والحسد الذي يأكل قلوبهم على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى الإسلام والمسلمين كما قال تعالى عنهم ﴿ إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ ﴾[ التوبة:50] ، فهم على الدوام يفرحون بمصيبة المسلمين، ويساوون حين ينتصر الإسلام وأهله.
· ومن صور مكرهم وكيدهم الخبيث الرخيص اتخاذ مسجد الضرار ليكون وكراً للمنافقين ومنطلقاً لمؤامراتهم ودسائسهم، ولقد كشف الله حقيقتهم لرسوله في أثناء عودته صلى الله عليه وسلم من تبوك راجعاً إلى المدينة أنزل الله عليه قوله الكريم: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادَاً لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ ﴾[التوبة: 107, 108].
وقصة مسجد الضرار وخبره أن رجلاً يقال له أبو عامر الراهب من الخزرج، وكان قد تنصر في الجاهلية وقرأ علم أهل الكتاب، وكان يتظاهر بالعبادة في الجاهلية وله شرف كبير في قومه، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مهاجراً إلى المدينة واجتمع المسلمون عليه وصارت للإسلام كلمة عالية وأظهر الله المسلمين يوم بدر سرق اللعين أبو عامر بريقه، وبارز بالعداوة وظاهر بها، وخرج فاراً إلى كفار مكة يمالؤهم ويحرضهم على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقدم مع المشركين في غزوة أ؛د، وكان هذا الفاسق قد حفر حفائر فيما بين الصفين، حتى وقع في إحداهن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقدم أبو عامر في بداية المعركة إلى قومه من الأنصار فخاطبهم واستمالهم إلى نصره وموافقته والانضمام إلى المشركين فلما عرفوا كلامه قالوا: لا أنعم الله بك عيناً يا فاسق يا عدو الله، ونالوا منه وسبوه فرجع وهو يقول: والله لقد أصاب قومي بعدي شر، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دعاه إلى الله قبل فراره وقرأ عليه القرآن، فأبى أن يسلم وتمرد، فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يموت بعيداً طريداً فنالته دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ مات كمداً في بلاد الروم، وذلك أنه لما رأى أمر الرسول في ارتفاع وظهور، ورأى النصر يتوالى عليه، ففر إلى هرقل ملك الروم يستنصر به فوعده ومنَّاه، وأقام عنده، فكتب إلى جماعة من المنافقين بالمدينة يعدهم ويمنيهم أنه سيقدم عليهم بجيش يقاتل به رسول الله وأمرهم أن يتخذوا له معقلاً يقدم عليهم من يقدم من عنده لتبليغ كتبه، ويكون مرصداً لهم إذا قدم عليهم بعد ذلك. فشرعوا في بناء هذا المسجد مسجد الضرار، فلما فرغوا من بنائه جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتجهز لتبوك وسألوه أن يصلي لهم فيه ليحتجوا بصلاته فيه على تقريره واعتباره، وذكروا للنبي صلى الله عليه وسلم أنهم بنوه للضعفاء منهم وأهل العلة والحاجة والليلة المطيرة، والليلة الباردة فعصمه الله من الصلاة فيه وقال: أنا على جناح سفر ولكن إذا رجعنا ـ إن شاء الله ـ أتيناكم فصلينا لكم فيه فلما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من تبوك، ولم يبق بينه وبين المدينة إلا يوم أو بعض يوم نزل عليه جبريل بخبر مسجد الضرار وما أراد به بانوه من الكفر والتفريق بين جماعة المؤمنين فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عدداً من أصحابه وأمرهم أن يذهبوا إلى هذا المسجد الظالم أهله لهدمه وتحريفه، فذهب الصحابة الكرام وقاموا بالمهمة على أكمل وجه فدمروا المسجد وحرقوه وفر أعداء الله من داخله لقد حاول المنافقون أن يضعوا الشرعية على هذا البناء، وأنه مسجد بنوه لأسباب مقنعة في الظاهر، ولكن لا حقيقة لها في نفوس أصحابها، فقد جاءوا يطلبون من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يصلي فيه ويفتتحه ليكون مسجداً معتمداً قد باركه رسول الله بالصلاة فيه، فإذا تم هذا فإنه يكون قد استقر قرارهم في تحقيق أهدافهم، وهذا أسلوب ماكر خبيث قد ينطلي على كثير من الناس ويخدعون بذلك.
غير أن عناية الله بنبيه صلى الله عليه وسلم حالت بين المنافقين وما يشتهون فقد أطلعه الله على أسرار هؤلاء المنافقين وما أرادوا من تأسيس أوكار للجريمة والفساد تحت مسمى مسجد يتآمرون فيه ويمكرون، ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين.
إن ما قام به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأمر بهدم مسجد الضرار وإحراقه هو التصرف الأمثل وهو المنهج الذي ينبغي لقادة الأمة أن يسيروا عليه في القضاء على أي عمل يراد منه الإضرار بالمسلمين وتفريق كلمتهم، فالداء العضال لا بد من حسمه وإزالة آثاره، حتى لا يتجدد ظهوره بصورة أخرى.
إن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الحازم في هدم مسجد الضرار وإحراقه يدلنا على أن قمع حركة النفاق في المجتمع المسلم وهدم وتخريب أماكن كفرهم وفجورهم هي الطريقة المثلى التي ينبغي لحكام المسلمين أن يسيروا عليها وأن يصونوا مجتمعاتهم ويحافظوا على دينها وأخلاقها وأن يعملوا على جمع كلمتها وتوحيد صفوفها وإذ لم يفعلوا فستكون فتنة في الأرض وفساد كبير.
أيها المؤمنون: لا يزال أعداء الإسلام من أهل الكفر والنفاق والإلحاد يقيمون أوكاراً وأماكن للمكر والمنكر والفساد والتخطيط لتدمير الإسلام والمسلمين.
إنهم يقيمون أماكن باسم العبادة أو باسم العلم والثقافة، أو باسم مصحات ومستشفيات يكون ظاهرها الرحمة وحب الخير للآخرين وهي في حقيقتها إنما تهدف للطعن في الإسلام وتشكيك المسلمين في عقيدتهم وثوابت دينهم وتدمير أخلاقهم والعمل على تفريق كلمتهم وخلخلة صفوفهم وإذكاء النعرات وبث الفتن ونشر الفوضى ولهم في ذلك برامج وخطط، ولهم أجندة وممارسات ترمي إلى إبعاد الأمة عن مصادرها عن دينها وتجهيلها.
إن أعداء الإسلام سواء أكانوا كفار ظاهرين أو كانوا منافقين وهم الأخطر، الكل يرمون في النهاية إلى القضاء على الإسلام وأهله، يريدون قتل المسلمين واحتلال أرضهم وتحطيم كرامتهم وانتهاك أعراضهم ونهب ثرواتهم، هذا ما يفعلونه في أمة الإسلام في مختلف البقاع انظروا إلى ما يجري على ثرى فلسطين من حرب إبادة وحصار وتجويع ويبارك المنافقون أعمالهم ويدلونهم على عورات المسلمين شعارهم فقال الله ﴿ إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ ﴾[التوبة:50] .
ـ وانظروا إلى ما يجري في العراق من قتل وتخريب وتدمير وإشعال الفتنة وتأجيج الصراعات الحزبية والمذهبية والعرفية, ويبارك المنافقون ذلك كله ويسبحون بحمد المحتلين ويعتبرونهم المخلِّصين والمنقذين وهم الذين جاءوا على ظهور دبابات وطائرات وبارجات المحتلين الصليبيين.
وانظروا إلى ما يجري في ربا أفغانستان، وكيف يتآمرون على السودان وكيف تفكك وتمزق أوطان المسلمين في كل مكان ثم يبارك المنافقون ويبررون البطش والعدوان على المسلمين، وانظروا ماذا يحصل في بقية الدول الإسلامية من إفساد وتخريب للدين والأخلاق يتولى كبر ذلك في كل بلد أكابر منافقيها.
إن المنافقين في عملهم التخريبي يقوم على اعتماد قيم ومؤسسات ومشاريع تكون مقبولة في المجتمع ولكن المنافقين يجعلونها ستاراً فقط تخفى وراءها ما يقومون به من تخريب لأسس المجتمع وعقائده وتدمير أخلاقه ومعنوياته.
إن كثيراً من المنافقين في بلدان المسلمين اليوم يتخذون من المستشفيات التي إنما تنشأ من أجل العلاج والتطبيب ولكن بعضهم يجعلها مكاناً للفساد الأخلاقي ومكاناً لممارسة البغاء المقنع.
والبعض الآخر ينشأ خنادق ووظيفة الفنادق هي للراحة وإيواء المسافرين ومكان للسكن والاستقرار المؤقت، ولكن أهل النفاق يحولونها إلى بؤر للفساد والإفساد، وأوكار للفواحش والمنكرات، حيث يوقرون بداخلها المومسات والخمور، بل إن بعضهم يستورد فتيات من خارج الحدود ليقمن بالعمل في كافة أرجاء الفندق وكأننا نعيش في باريس أو بانكوك أو غيرها من عواصم الفسق والرذائل, يتم هذا وغيره تحت مسميات وعناوين بإشراف أكابر المنافقين الذين يزعمون بعد ذلك أنهم من أهل الإسلام وهم منه براء.
إن هذا العمل الخسيس والتجربة التي قام بها المنافقون في أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم في اتخاذ مسجد الضرار وكيف فضحهم الله وهتك أستارهم وهدم الرسول وحرق مسجدهم، إنها حادثة خطيرة لكنها كانت مقيدة لتوعية وإرشاد وتحذير للمسلمين، ليكونوا يقظين منتبهين لهؤلاء الأعداء الذين يخربون من الداخل وهم معاول هدم يستخدمها الكفار ضد الإسلام وأهله، فكونوا أنتم أيها المؤمنون حراساً للدين والأخلاق، متحلين بمزيد من اليقظة والحذر، والعمل متابعة هذا الصنف النكد وملاحقته وكشف حقيقته أمام الرأي العام، ليقوم بواجبه في مكافحتهم والتحذير منهم حتى يبقى المجتمع متمسكاً بدينه محافظاً على أخلاقه وقيمه وعفافه وطهره وتماسكه وتعاونه ، ولم يقم المجتمع بواجبه في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومواجهة أوكار الفساد ومن يقف خلفها بأننا نخشى غضب الله وعقوبته قد يحكمون العقوبة كتلك التي تجري في العراق أو الصومال... نعوذ بالله من غضبه.
مراجعة: علي عمر بلعجم.21/6/1427هـ.
إشراف:
سمير عبد الرحمن الشميري صفوان أحمد البارقي