وكَما أتـى ذهب !
هي غرفةٌ أشبه بـ قَبْر .!
عرضها متران وطولها كذلك ، أحجارها مُهَكّعةٌ وقديمةٌ قِدم التاريخ ، سقفها ليسَ بسقفٍ ولكنه أشْبهُ بـ غِطاء عربة مكشوفة من حَرِّ الصيف .. المُختلف أننا في زمهرير الشتاء !
نافذتها .. عفواً لا يُمكن العثور عليها ، ربما تلكَ الحجارة التي قتلها العدّو برصاصه ، فأحدثتْ ثُقباً في الجدار كأنه بنافذة .. حاول ترميمها ، لكن عزّتها وشموخها تأبيان إلّا الحُرّية والشمس !
في تلكَ الزاوية شبه الحادّة ، كُرسيٌ خَشَبي فقد إحدى أقدامه واستُبدلت– على الاضطرار – بأحجار النافذة المُتهالكة !
طاولةٌ مستديرة قديمة تعلوها طبقاتُ الركام الغُبَاري – حتّى أن بإمكانكَ أن تنقشَ اسمك عليها - .
فانوسٌ زيتي .. يكادُ يُضيء مع أنه شبه فارغٍ / ربما لا ممتلئ .
تفوحُ هُنا رائحةُ الموت والغموض والظلام !
أوراقٌ كانت بيضاء ، وقَلَمُ رصاص .. ، وفتى يجلسُ هُناك !
يرسمُ ويكتب .. يحفرُ وينقش .. يتململ ويُنجز .. يصمتُ ويطول صمته .
لم يعرف أحد مما يقطنون بجواره قصته ..
جَاء على حينِ غَرَّة بعد غَارةٍ شنّها الأعداءُ على حيفا !
كيف أتى مع أنّ المخيم مُحَاصر ؟!
يتصنّع اللا ذكاء ويبدو أبلهاً للوهلات الأولى ..
دعنا من هذا .. إنه يعبثُ بقلمه ، بعد أن كان مُتخذاً "القلم " وضعية – بين الفكين – .
يُخربشُ ويُرتّل ،
يُدندنُ لحناً وطنياً .!
لشدَّ ما جَذبني الانتباه – إنّ لمْ يكن الفضول – إليه ، خاصةً هيئته !
فتىً نحيلٌ ، هزيلٌ أشبهُ بهيكلٍ عَظميٍّ ، أو كتلةٍ من العظام تتحرك بلا هدف ،
أسمرُ البشرة – التي يُلمح فيها النضارة المُمتصة - ، متوسطُ القامة ، تتناسبُ قامته مع كيلوات اللحم التي لا تكفي حتّى لتغطيه جوانبه – أُراهن أن كُتلة العظام أكبر- ، قسماتُ وجهه رسمها الزمن بقسوة ، ونصيبه من العينين أن يكونا عسليتين واسعتين نُقشتا بدّقة في ساعةِ رضى ، تَنُّمان عن حزنٍ عميق وجرحٍ غير مندمل وألمٍ دفين .، فيهما لمعانٌ خفيّ يهتفُ بذَكاءٍ مَجهول .
أنفه شامخٌ .. تعلوه نفحةُ الكرامة أو الافتخار رُبما .، فَمه كأفواه الأطفال ! لا يُعتقد بأنه يقول إلّا الناعمُ من الألفاظ المُترفة – وإن كان مظهره يوحي بغير ذات !- ..
يَلِّجُ بِكَ الشوق أو التشّوق / الفضول للتعرف عليه ..
ملابسهُ مُهترءة ، يبدو أنه انتزعها كتلكَ الابتسامة !
لا يعيبُ نَظافتها قِدمُها أو العكس ربما ، و ذلك لاهتمام صاحبنا بها – منذ متى أصبح صاحبنا ، تُثرثرين كثيراً يا فتاة – ، حتّى حذائه لا يختلفُ عن باقيه ..
-هل وصل بي السفه إلى هذا الحدّ ، إلى الحذاء! ، ماذا بقيّ فيه لم يتعرض لنظراتي الفاحصة وكأنني الخبيرةُ أو كأن لي هدفٌ من هذا الهذر !- .
المهم والذي لا أستطيع وصفه أو حتّى الولوج إليه هو خُلده .. تُرى أهو مليءٌ بالخُزعبلات أم بالترهات أم بالمُراهنات ؟!
لا يُهمنا كلا الأمرين ، بيدَ أنّ الفضولَ يقتلُ كما السيفُ أو أكثر .!
كم أتمنى أن أدلفَ إلى لُبّهِ لأعرفَ ماذا يصول ويدور في تلك الأجزاء اللزجة !
أحياناً تعبثُ بنا تلافيف المُخّ وتُخْرِجُنا من الهوى إلى اللا شيء !
أهو إنسانٌ ضعيف يُخَبِئُ ضعفه تحتَ مِعطفه الأسود ؟!
أيخافُ لتلكَ الدرجة التي لا يستطيعُ فيها أن يُواجه ؟!
أم أنه يكتفي بالمواجهة بصمت ؟!
المفترض أن الأمر سيّانٌ بالنسبة إليّ ، لكن كما أسلفت الفضول !
عندما يجْتاحنا الملل القاتل والسآمة المُوحِشْة يدفعنا ذلك لاحتراف أيّ شيء ، وإن كان - بغباء - لا شيءَ يُذكر !!
أدرسُ صاحبنا كأنّ بي فيه امتحانٌ غداً ، حقاً أدهشتني ثنايا وجهه التي عركها الزمن لا سيما تناسُبها مع غموض عقله ! – والذي ربما عركته الحياة كما الرحى بثفالها - .
أرى فيه شيئاً لا منطقياً << لي إحساسي الآخر عن البشر ، فلا أعتقد بأني مُخْطِئة بذات الوصف . <<تلعبُ الحاسة السادسة جيداً !
أكادُ أجزُم أن في لُبِّهِ قضيةٌ عميقةٌ – كالبحرِ أو أعمق- !!
،،،
كان يدور في ذلك العالم الغير حِسّي معاركٌ مع ذا الفتى !
أتركُ أم أستمر ؟!
هل سأراهم ؟ .. هل سـ أعيش ؟!
اختلف الأمر بينَ لوائحِ دِماغه !
لَمْ يَنسَ أنه تمّ تهريبه - كقطعِ الآثار الثمينة – بلا سبب يعيه!
هلّا تصمِتوا من فضلكم ؟ أنتم تُثيرون جنوني !
كنتُ أرنو لنظرةٍ تحملُ في طياتها الحُبّ ، رُمقتُ بنظرةٍ كأن الغضب يقتنيها منذُ سنين !
كنتُ أطمحُ ليومٍ يرقصُ فيه الأمل ، ويعتلي الفرح عَرش الورود / المكان ، وجاءني يومٌ يحتويه الألم كعنوان ، ويترأسه الترح كزعيم !
خُزعبلاتٌ تلكَ التي تقولها ، ما هذا إلا اختبارٌ كالباقي – وإن كَثُرْ على أنكَ وحدك - .
المهم أن أنجح فيه ، اِصْمِتْ ودعني أعمل .
أمسكَ قلمه وراح يرسمُ ويكتب .. حتّى انتهى من كلِّ شيء .. عَطّره بالحُبّ ، وبنسيمٍ صباحيٍّ عليل ، لا يشفي الغليل في ربوع فؤاده المكلوم ، لفّه بالكوفية المُرقطة التي اعتلت عنقه لسنوات !
ونَادى على صاحبتنا الفضولية – لمتكن بالفتاة التي تحمّرُ وجنتاها خجلاً من التحدثِ إلى شاب أو عجوز فكلاهما واحدٌ ، كان بها جرأةٌ تفوق الخيال ، ذاك ما أسر لُبّ صاحبنا ليُحادثها<<هكذا هُيأ لها - .
هرعت إليه كطفلةٍ تَفرحُ بأمها بعد طولِ غياب !
أعطاه إياها بعد أن لملم أشلاء قلبه ، وبَكى ذكرياته المنثورة – لم يُفلح مظهره في تخبئة دموعه التي حُفرت بذاكرتها كقطرات العرق الجُمان التي تنحدر في يومٍ تموزيّ حارّ- .
غالب شلالات الدموع وقال لها بصوتٍ مبحوحٍ يُدمي الفؤاد :
إن صعدتُ فهو لها .. وهَا عنوانها .. وتلكَ صورتها ..
-ولكأن الفُرصة جاءت لصاحبتنا على طبقٍ من ذهب مُزينٌ ومُوشى بزهورنيسان – همّت بإلحاقه بأسئلتها اللا مُتناهية لكنها آثرت الصمت –على غير عادتها- .
يكفي أنها التهمته بعينيها << تفكيرٌ ساذجٌ لفتاةٍ مثلها !
تُرى أكان يحلمُ بوطن ، أم بعمل ، أم أنه يطمحُ إلى شيءٍ خفي ؟!!
بقت الأسئلة بلا مُجيب ، تعبتْ علامات الاستفهام والتعجب التي تدور في رأسها وقررت التوقف ، ولم يبقَ إلا حقيقةٌ واحدة ، إنه ذهب .. الآن كما أتى ذهب !
هي غرفةٌ أشبه بـ قَبْر .!
عرضها متران وطولها كذلك ، أحجارها مُهَكّعةٌ وقديمةٌ قِدم التاريخ ، سقفها ليسَ بسقفٍ ولكنه أشْبهُ بـ غِطاء عربة مكشوفة من حَرِّ الصيف .. المُختلف أننا في زمهرير الشتاء !
نافذتها .. عفواً لا يُمكن العثور عليها ، ربما تلكَ الحجارة التي قتلها العدّو برصاصه ، فأحدثتْ ثُقباً في الجدار كأنه بنافذة .. حاول ترميمها ، لكن عزّتها وشموخها تأبيان إلّا الحُرّية والشمس !
في تلكَ الزاوية شبه الحادّة ، كُرسيٌ خَشَبي فقد إحدى أقدامه واستُبدلت– على الاضطرار – بأحجار النافذة المُتهالكة !
طاولةٌ مستديرة قديمة تعلوها طبقاتُ الركام الغُبَاري – حتّى أن بإمكانكَ أن تنقشَ اسمك عليها - .
فانوسٌ زيتي .. يكادُ يُضيء مع أنه شبه فارغٍ / ربما لا ممتلئ .
تفوحُ هُنا رائحةُ الموت والغموض والظلام !
أوراقٌ كانت بيضاء ، وقَلَمُ رصاص .. ، وفتى يجلسُ هُناك !
يرسمُ ويكتب .. يحفرُ وينقش .. يتململ ويُنجز .. يصمتُ ويطول صمته .
لم يعرف أحد مما يقطنون بجواره قصته ..
جَاء على حينِ غَرَّة بعد غَارةٍ شنّها الأعداءُ على حيفا !
كيف أتى مع أنّ المخيم مُحَاصر ؟!
يتصنّع اللا ذكاء ويبدو أبلهاً للوهلات الأولى ..
دعنا من هذا .. إنه يعبثُ بقلمه ، بعد أن كان مُتخذاً "القلم " وضعية – بين الفكين – .
يُخربشُ ويُرتّل ،
يُدندنُ لحناً وطنياً .!
لشدَّ ما جَذبني الانتباه – إنّ لمْ يكن الفضول – إليه ، خاصةً هيئته !
فتىً نحيلٌ ، هزيلٌ أشبهُ بهيكلٍ عَظميٍّ ، أو كتلةٍ من العظام تتحرك بلا هدف ،
أسمرُ البشرة – التي يُلمح فيها النضارة المُمتصة - ، متوسطُ القامة ، تتناسبُ قامته مع كيلوات اللحم التي لا تكفي حتّى لتغطيه جوانبه – أُراهن أن كُتلة العظام أكبر- ، قسماتُ وجهه رسمها الزمن بقسوة ، ونصيبه من العينين أن يكونا عسليتين واسعتين نُقشتا بدّقة في ساعةِ رضى ، تَنُّمان عن حزنٍ عميق وجرحٍ غير مندمل وألمٍ دفين .، فيهما لمعانٌ خفيّ يهتفُ بذَكاءٍ مَجهول .
أنفه شامخٌ .. تعلوه نفحةُ الكرامة أو الافتخار رُبما .، فَمه كأفواه الأطفال ! لا يُعتقد بأنه يقول إلّا الناعمُ من الألفاظ المُترفة – وإن كان مظهره يوحي بغير ذات !- ..
يَلِّجُ بِكَ الشوق أو التشّوق / الفضول للتعرف عليه ..
ملابسهُ مُهترءة ، يبدو أنه انتزعها كتلكَ الابتسامة !
لا يعيبُ نَظافتها قِدمُها أو العكس ربما ، و ذلك لاهتمام صاحبنا بها – منذ متى أصبح صاحبنا ، تُثرثرين كثيراً يا فتاة – ، حتّى حذائه لا يختلفُ عن باقيه ..
-هل وصل بي السفه إلى هذا الحدّ ، إلى الحذاء! ، ماذا بقيّ فيه لم يتعرض لنظراتي الفاحصة وكأنني الخبيرةُ أو كأن لي هدفٌ من هذا الهذر !- .
المهم والذي لا أستطيع وصفه أو حتّى الولوج إليه هو خُلده .. تُرى أهو مليءٌ بالخُزعبلات أم بالترهات أم بالمُراهنات ؟!
لا يُهمنا كلا الأمرين ، بيدَ أنّ الفضولَ يقتلُ كما السيفُ أو أكثر .!
كم أتمنى أن أدلفَ إلى لُبّهِ لأعرفَ ماذا يصول ويدور في تلك الأجزاء اللزجة !
أحياناً تعبثُ بنا تلافيف المُخّ وتُخْرِجُنا من الهوى إلى اللا شيء !
أهو إنسانٌ ضعيف يُخَبِئُ ضعفه تحتَ مِعطفه الأسود ؟!
أيخافُ لتلكَ الدرجة التي لا يستطيعُ فيها أن يُواجه ؟!
أم أنه يكتفي بالمواجهة بصمت ؟!
المفترض أن الأمر سيّانٌ بالنسبة إليّ ، لكن كما أسلفت الفضول !
عندما يجْتاحنا الملل القاتل والسآمة المُوحِشْة يدفعنا ذلك لاحتراف أيّ شيء ، وإن كان - بغباء - لا شيءَ يُذكر !!
أدرسُ صاحبنا كأنّ بي فيه امتحانٌ غداً ، حقاً أدهشتني ثنايا وجهه التي عركها الزمن لا سيما تناسُبها مع غموض عقله ! – والذي ربما عركته الحياة كما الرحى بثفالها - .
أرى فيه شيئاً لا منطقياً << لي إحساسي الآخر عن البشر ، فلا أعتقد بأني مُخْطِئة بذات الوصف . <<تلعبُ الحاسة السادسة جيداً !
أكادُ أجزُم أن في لُبِّهِ قضيةٌ عميقةٌ – كالبحرِ أو أعمق- !!
،،،
كان يدور في ذلك العالم الغير حِسّي معاركٌ مع ذا الفتى !
أتركُ أم أستمر ؟!
هل سأراهم ؟ .. هل سـ أعيش ؟!
اختلف الأمر بينَ لوائحِ دِماغه !
لَمْ يَنسَ أنه تمّ تهريبه - كقطعِ الآثار الثمينة – بلا سبب يعيه!
هلّا تصمِتوا من فضلكم ؟ أنتم تُثيرون جنوني !
كنتُ أرنو لنظرةٍ تحملُ في طياتها الحُبّ ، رُمقتُ بنظرةٍ كأن الغضب يقتنيها منذُ سنين !
كنتُ أطمحُ ليومٍ يرقصُ فيه الأمل ، ويعتلي الفرح عَرش الورود / المكان ، وجاءني يومٌ يحتويه الألم كعنوان ، ويترأسه الترح كزعيم !
خُزعبلاتٌ تلكَ التي تقولها ، ما هذا إلا اختبارٌ كالباقي – وإن كَثُرْ على أنكَ وحدك - .
المهم أن أنجح فيه ، اِصْمِتْ ودعني أعمل .
أمسكَ قلمه وراح يرسمُ ويكتب .. حتّى انتهى من كلِّ شيء .. عَطّره بالحُبّ ، وبنسيمٍ صباحيٍّ عليل ، لا يشفي الغليل في ربوع فؤاده المكلوم ، لفّه بالكوفية المُرقطة التي اعتلت عنقه لسنوات !
ونَادى على صاحبتنا الفضولية – لمتكن بالفتاة التي تحمّرُ وجنتاها خجلاً من التحدثِ إلى شاب أو عجوز فكلاهما واحدٌ ، كان بها جرأةٌ تفوق الخيال ، ذاك ما أسر لُبّ صاحبنا ليُحادثها<<هكذا هُيأ لها - .
هرعت إليه كطفلةٍ تَفرحُ بأمها بعد طولِ غياب !
أعطاه إياها بعد أن لملم أشلاء قلبه ، وبَكى ذكرياته المنثورة – لم يُفلح مظهره في تخبئة دموعه التي حُفرت بذاكرتها كقطرات العرق الجُمان التي تنحدر في يومٍ تموزيّ حارّ- .
غالب شلالات الدموع وقال لها بصوتٍ مبحوحٍ يُدمي الفؤاد :
إن صعدتُ فهو لها .. وهَا عنوانها .. وتلكَ صورتها ..
-ولكأن الفُرصة جاءت لصاحبتنا على طبقٍ من ذهب مُزينٌ ومُوشى بزهورنيسان – همّت بإلحاقه بأسئلتها اللا مُتناهية لكنها آثرت الصمت –على غير عادتها- .
يكفي أنها التهمته بعينيها << تفكيرٌ ساذجٌ لفتاةٍ مثلها !
تُرى أكان يحلمُ بوطن ، أم بعمل ، أم أنه يطمحُ إلى شيءٍ خفي ؟!!
بقت الأسئلة بلا مُجيب ، تعبتْ علامات الاستفهام والتعجب التي تدور في رأسها وقررت التوقف ، ولم يبقَ إلا حقيقةٌ واحدة ، إنه ذهب .. الآن كما أتى ذهب !