تميم عاداتهم وتقاليدهم في الجاهلية والإسلام (( 1 ))
--------------------------------------------------------------------------------
بسم الله الرحمن الرحيم ..
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته ..
مقدمة :
للعرب عادات وتقاليد متعارف عليها وهي عادات مقدسة عندهم ولمجتمع تميم النصيب الأعظم منها من الفضائل والشيم العربية، من الوفاء والحلم والجود والكرم وحماية الجار و إغاثة الملهوف ودفع الظلم إلى جانب الشجاعة والمرؤة والنجدة وغيرها من القيم الخلقية التي كان المجتمع الجاهلي وما زال الإسلامي يتمسك بها لما فيها من فضائل يحث عليها ديننا الإسلامي ومن أهم تلك العادات:
تنقل الأخبار أن حاجب بن زرارة رهن قوسه وفاء منه لعهد قطعه على نفسه بأن لا يعتدي بنو تميم على تخوم فارس عند رعي مواشيهم للكلأ في سواد العراق، وأن حاجباً شكا لكسرى الجهد والجدب في الأموال والأنفس وطلب إليه أن يأذن لبني تميم فيكونوا في حد بلاده فوافق كسرى، ووفي حاجب، فلم يعتد أحد من تميم يومها على فارس.
وعندما قتل شرحبيل بن الحارث الكندي قامت بنو سعد بن زيد مناة دون أهله وعياله فمنعوهم من أن يعتدي عليهم ، وحموهم حتى ألحقوهم بأهلهم، والذي قام بهذا لعلم عوير بن شجنة التميمي وفوفى لأهل امرئ القيس بهذه الحماية فأثنى امرؤء القيس على عوير وقال:
لكن عويـر وفـي بذمتـه
لا عور ضـره ولا قصـرُ
من معشر ليس في نصابهم
عيب ولا في عيدانهم خورُ
ومن الأوفياء في تميم القعقاع بن معبد، سيد قومه، وفيه قال المسيب بن علس:
أنت الوفي فما تذم وبعضهم
تودي بذمته عقـاب مـلاع
وعرف عن قيس بن عاصم أنه رجل الحلم و الأناة، فقد جاءه القوم ذات يوم بابنه مقتولاً، وبابن أخيه مكتوفاً، فقال : " ادفعوا إلى أم القتيل الدية، وفكوا قيود ولدكم" ثم التفت إلى القاتل وقال " يا بني نقصت عددك، وأوهيت ركنك، وفتت في عضدك، وأشمت عدوك وأسأت بقومك".
وحقاً أن قيساً لحليم، وهذه النصائح الثمينة لا تصدر إلا عن رجل حكيم يؤدب بها أفراد قومه، ويعلمهم كيف يكون الحلم والصبر في الملمات، ولهذا الخلق قال رسول الله عليه السلام عندما رحب به " هذا سيد أهل الوبر".
وحق له أن يفتخر قائلاً:
اني امرؤ لا يعترى خلقي
دنـس يغيـره ولا أفـن
من منقر في بيت مكرمـة
والفرع ينبت حوله الغصن
ويقول الأحنف بن قيس سيد تميم: ما تعلمت الحلم إلا من قيس بن عاصم المنقري.
والحلم فضيلة يسعى إليها رجال القبيلة ويطلبونها في مجتمعهم فهذا شاعر بني مازن يصور لنا هذه السجية الحميدة فيقول:
نريح فضول الحلم وسط بيوتنا
إذا الحلماء عنهم الحلم اعزبوا
والتميمي كريم، شأنه شأن عرب البادية: يهب لاستقبال الضيفان، ويرحب بهم، ويقدم القرى إليهم، فظروف الصحراء، وقساوة العيش في المفازة أوجد عندهم فضيلة الكر، فلا مفر لأي بدوي من الكرم، فهو يرحل ويكرم، وهو يستقر فيكرم، و العربي يخشى المذمة فيكرم ضيوفه، وأكثر ما يحمد في أيام القحط، وسنوات الجدب، ففي السنين العجاف يهب بنو سعد يدفعون غائله الجوع بجودهم، حتى لتصبح منازلهم عزة المستضعفين، وموئل المساكين ومحط رجال الأضياف.
قوم إذا صرحـت كحـل بيوتهـم
عز الذليل ، ومأوى كل قرضـوب
قد يسعد الجار والضيف القريب بنا
والسائلون ونغلى ميسـر النيـب
وضيف عمرو بن الأهتم يطرق بيته في ليل بارد، فيرحب به ويوسع عليه، ويقدم له الصبوح والغبوق، غير متذرع بضيق المكان، وقلة الطعام:
ومستنبح بعد الهـدوء دعوتـه
وقد حان من نجم الشتاء خفوق
يعالج عرنينا من الليـل بـارداً
تلـف ريـاح ثوبـه وبـروق
أضفت فلم أفحش عليه ولم أقل
لأحرمه، إن المكـان مضيـق
وقلت له أهلاً وسهلاً ومرحبـا
فهذا صبوح راهـن وصديـق
وقمت إلى البراك الهواجد فاتقت
مقاحيد كـوم كالمجـادل ورق
فبات لنا منها وللضيف موهنـا
شواء سمين زاهـق وغبـوق
وكان مالك بن حنظلة من أجواد الجاهلية، وسمي الغرف لسخائه، وفيه قال الأسوب بن يعفر :
في آل غرف لو بغيت لي الأسى
ولجدت فيهـم أسـوة العـداد
وكان القعقاع بن معبد بن زرارة يلقب بتيار الفرات لجوده وسخائه، وفيه قال المسيب بن علي:
ولأنت أجود من خليج مفعم
متراكـم الآذي ذي دُفـاع
ولذاكم زعمت تميـم أنـه
أهل السماحة والندى والباع
ومن أجود تميم في الجاهلية ثور بن شحمة العنبري، " مجير الطير" وكانت العنبر تقول إذا افتخرت " منا مجير الطير"
وسلمى بن جندل بن نهشل ويدعى " المجبر " لأنه أكرم قومه وجبرهم في سنة جدب لحقت بهم.
ولم يقتصر الكرم على الرجال بل كانت نساء بني تميم تكرم أضيافها، فقامت شذرة أم الزبرقان، وهنيده بنت صعصعة زوجة الزبرقان، باكرام الحطيئة وأهله عندما حلوا في بيت الزبرقان وروى عن عاتكه بنت قيس النهشلية أنها كانت من أجود تميم في الجاهلية.
وفي كرم الأخلاق يرسم عبد القيس بن جفاف ـ شاعر البراجم ـ لابنه جبيل، مساراً يحتذيه ، وسبلاً يرتضيه، يعلمه الخلق، ويربيه على الفضيلة، ويغرس فيه حب الخير، ومجافاة السوء ، ويرضى له أن يكون أبياً، ويرفض منه أن يكون خنوعاً .
أجبيل إن أباك كـارب يومـه
فإذا دعيت إلى المكارم فأعجل
وأترك محل السوء لا تحلل به
وإذا نبا بـك منـزل فتحـول
دار الهوان لمـن رآهـا داره
أفراحل عنها كمن لم يرحـل
وإذا هممت بأمر شـر فاتئـد
وإذا هممت بأمر خير فأفعـل
ويضع عدي بن زيد تعاليم واضحة في الأخلاق، تتمثل في شعر الحكم عنده، إذ على المرء أن يظل وفياً لأصدقائه ، مصاحباً للأخيار، مبتعداً عن الأشرار.
إذا كنت في قوم فصاحب خيارهـم
ولا تصحب الأردى فتردى مع الردى
وعلى الإنسان أن يختار قرينه من ذوي الشيم الحميدة.
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه
فكـل قريـن بالمقـارن يقتـدي
وأوس بن حجر يغفر لابن العم جهله، ويكشف عن غمه، ويفرج كربه، ويقدم إليه النصيحة:
ألا أعتب ابن العم إن كان ظالمـاً
وأغفر عنه الجهل إن كان أجهلا
وان قال لي ماذا ترى ، يسشيرني
يجدني ابن عم خلط الأمر مزيـلا
أقيم بدار الحزم مـا دام حزمهـا
وأحـر إذا حالـت بـأن أتحـولا
ويحيط ضمرة بن ضمرة بالمودة والرأفة والعون.
أذيق الصديق رأفتي وأحاطتي
وقد يشتكي مني العداةُ الأباعد
وذي ترة أو جعته وسبقتـه
فقصر عني سعيه وهو جاهد
وكانت الشجاعة سمة بارزة في فرسان تميم، لا في الحرب فحسب وإنما في ميادين السلم، فطريف بن تميم العنبري يرفض أن يتقتع في عكاظ ولا يبالي بما تجره عليه جرأته من متاعب و أخطار:
أو
كلمـا وردت عكـاظ قبيـلـة
بعثوا إلى رسولهـم يتوسـم
فتوسموني أننـي أنـا ذاكـم
شاك سلاحي في الحوادث معلم
تحتي الأغر وفوق جلدي نثرة
زغف ترد السيف وهو مثلـم
وبنو سعد يلبون النداء وهم نصير الخائف المفجوع، ويهرعون لأجارة المستغيث بالنوق السريعة ، والخيل الكريمة ، والفرسان الأشداء.
كنا إذا ما أتانا صـارخ فـزع
كان الصراخُ له قرع الظنابيب
وشدكورُ على وجنـاء ناجيـة
وشد لبد على جرداء سُرُحُحوبِ