23
لحظة التصافي بين حبيبين ، تكفّر عن كل أوقات الشقاء التي عاشاها بعيداً عن بعضهم .
كل ألم ، كل معاناة ، كل دمعة تذرف في البعد ، تستحق أن تكون ثمناً للحظة عتاب بعد قطيعة !
ما هي أجمل لحظات الحب ؟!
هي عتاب حبيبين في سكون الليل ، هذه أجمل اللحظات التي من الممكن أن يعيشانها .
الخصام ، الغضب ، الابتعاد ، كلها للحب مثل الملح للطعام ، تجعلهُ ألذ وأشهى !
ويبقى الحب ما بقيَ العتابُ ..
.. أن يتعاتبا ، يعني أن أمر هذه العلاقة يعنيهم و جداً ، كلاهما يريد دفعها للأمام لتستمر !
شيئان إن لم يزيدا أخذا في التقلص ، الحب و القمر .. لا يعرفان الثبات ،
حين سألوا اليناور روزفلت عن غياب زوجها المتكرر في أسفاره السياسية ، قالت "لا بأس الغياب يعلم الغرام الإزدياد !"
وهذا ما حدث فعلا ً لي مع ساره ..
كل مافي قلبي تجاهها تنامى لأضعاف ماكان عليه ، وصلتُ فجأةً للتصالح مع نفسي تجاهها :
أحبها ، لا أرتاب فيها ، هي أطهر من أي شك .. هكذا ، حقائقُ ثلاث لن أحيد عنها أبداً ..
راحت تعاتبني على جراءتي معها في المكتبة ، وكنت أستقبل العتاب كإطراء ، كأن في تأنيبها لي مسحة إعجاب ..لا أعرف!
نعم أخفتها في المكتبة ، نعم كانت خارجةً للمشي وفجأة وجدت وحشاً يأمرها أن تعود إليه ، لكن بدا أن هذا راقها .. أشعرها أنها نفيسةٌ جداً أو هكذا أتوهم !
لا أدري ،
نعم تجرأت كثيراً ..كنت أشبه بوحش ينفض يدها في المكتبة ، لكن شيءٌ ما بداخلي وفي صوتها يشي أنني أبهرتها .. نعم هو الإبهار !
كانت تعاتبني وتضحك ، كأنها غير مصدقة :
- والله يافيصل ، لو قصت عليّ إحداهن هذه القصة لكذبتها ، جنون !
شيء لا أراه إلا في الأفلام و قصص الحب يحدثُ لي أنا ..وأين. في الرياض!! أجننت ؟
ومزهواً أجيب :
- عندما أقفلتِ هاتفك بعد أن قلتِ " خلاص انتهينا " ، شعرتُ أني خسرتُ كل ما أملك، قلت لنفسي :ماذا أخسر إن جربتُ طريقتي الأخيرة ؟ لا شيء !
حين توجهت لمنزلكم وجلستُ أنتظر خروجك ، كنت مهيئاً نفسي لأمرين : إما أن أعود بالصلح أو أعود بالفضيحة !
- يوووه يافيصل ، والله إلى الآن يدي تؤلمني من قبضتك ، لم أشعر بالألم إلا بعد أن وصلت البيت !
- يقول الأطباء ، أن العقل حين يكون مصعوقاً أو مشوشاً مع حدث مهم ، لا يشعر بالألم مؤقتاً، لا يرسل المخ إشارة الألم على الفور، لإنشغاله بما هو أهم !
ألا تشاهدينهم في المباريات ، يسجل المهاجم الهدف ..ينطلق فرحاً ..ثم يتوقف فجأة ويعاني من ألم الإصابة جراء احتكاكه بالخصم قبل التسجيل !
- نعم قرأت شيئاً من ذلك ، إنما هذا المثال خطأ ، أنت تتحدث عن مهاجم وأنا كنتُ مجرد لاعبة دفاع، المهاجم شخصٌ مجنون اسمه فيصل !
ضحكت وقلت لها :
- يا للمهاجم الموهوب ! بغض النظر عن حالة التسلل التي وقع فيها وشرعية الهدف ، أليس هدفاً رائعاً هههههههههه ، وبالمناسبة ، يقول الإسبانيون في أمثالهم " يد الأم لا تؤلم " ههه
ضحكنا كالسُكارى، إلتهمنا الدقائق والساعات كغائبين عن بعضنا أربع سنين ليس أياماً أربعة !
أخبرتُها حقيقة الأمر كله ، اعتذرتُ لها واعتذرت لي ، حدثتُها عن عراكي مع فهد لأجلها وعاتبتني .. " لا أريد أن تخسر أصدقائك بسببي " ..
وتحدثت لي عن إلحاح رجلٍ يريد مكالمتها وكانت تصده وتنتظر اتصالي ، وابتسمتُ ، فعلا ً كان اللعين فهد يختبرها !
يالك من وغد يا فهد .. حتى في أسوأ الأمور التي تقوم بها لا يمكن أن تخلو من فائدة ..
ما أسعدني بصدق سمرائي وإخلاصها .. أثبتّ لي ذلك رغم سوء طريقتك يادنجوان!
أخذني من أفكاري سؤالها :
- ما حكاية التوقيف التي قلت لي ؟! لماذا أوقفوك ؟!
ورحتُ كمحترفٍ في الكذب أحيكُ لها قصةً من رأسي
- كنتُ سارحاً بكِ ولم أنتبه للإشارة ، قطعتها فأوقفوني !
لو أخبرتها بالحقيقة لربما نفَرت مني ، كذبةٌ بيضاء ليست كالأكاذيب التي يطلبها مني فهد ..
- فيصل كنت تقول لي " أنتِ قبيلتي " ، هذه الكلمة ترن في رأسي حتى اللحظة !
وذكرتُ موقف الرجل المنتمي لقبيلتي في التوقيف وأطبقتُ فمي ولم أتحدث ، أي نظرةٍ ستنظرين بها للأمر يا فاتنتي ..
هنا تقوم الأسماء بدور المفاتيح للأقفال ، لن تدركي ما أقول .. "تجاوز الأمر يا فيصل ولا تخبرها !"
- توقعتُ بعد خصامنا يافيصل أن أكون قويةً جداً ، أنت لا تعرفني حين أغضب ، أحملُ قلباً لايسامح بسرعة ومع هذا ...
هتفتُ بها :
- ماذا ؟!
- مع هذا كنتُ أنظر للهاتف أنتظر اتصالك ، كلما عاود الرنين فرحت وعندما أجد الرقم لأحد صديقاتي أو أهلي أغضب وأتكوم على نفسي .. أنت لم تتصل ثلاثة أيام !
- ولماذا تغضبين ، أنتِ تقولين أنكِ لن تسامحي ..
- لا يافيصل ، لن أرد عليك .. لكن سأشعر أنك تريدني ، أنك نادم أو تفتقدني ،
صدقني لم أكن لأجيبك إنما كنتُ سأكون أهدأ ، مجرد معاودتك الإتصال هذا يعني أني أمثل لك الكثير.. لكنك للأسف لم تتصل وتوقعتُ انك مع فهد ونسيتَ الأمر ونسيتَ سارة
- ياللعجب أتصدقين ؟ هذه نفس أفكاري عنكِ تماماً ، كنت أقول بالتأكيد تهاتف هيفاء وتخرج مع سائقها و نسيتني بالمرة ،
لم أتصل لأني نادم و شعرتُ أني أستحق شيئاً من الجزاء .. تركتُ نفسي في الشقاء ثلاثة أيام تطهيراً لنفسي .. أتذكرين أول اتصالٍ جاءك في اليوم الرابع ؟
- نعم السادسة صباحاً ،
- كنتُ في زنزانة التوقيف ، شعرتُ وقتها أني في مكانٍ كفّر كل ذنبي معك .. لذلك رحت أهاتفك .. لكنكِ قاسية ، أغلقتِ الهاتف في وجهي !
- هههههه لكني كنتُ سعيدة ، أقسم بالله أقفلته في وجهك وأنا سعيدة ، فوراً كلمتُ هيفاء وأخبرتها باتصالك وأشارت أن أؤدبك ! لذلك أغلقت الهاتف كلياً ..
- تباً لقلبها القاسي ، أتمنى ان تدور عليها الدوائر وأشاهدها في التوقيف يوماً ..
- هههههههه "خلنا نسوق ويصير خير "
راحت تلح علي أن أنشغل بالمذاكرة .. أخبرتني أنها تريدُ النجاح مني كهدية ،
وذكرتُ الصيف ورحلتهم فانقبضَ قلبي ولم أقل شيئاً .. لم أرد أن يفسد فرحتي الآن أي منغص .. ها قد جاء الصلحُ فلأركز في دروسي الآن ولكل حادث حديث .
لن أفتح على نفسي أبواباً لم أصدق إغلاقها .. هكذا قررت
* * *
في أحد المقاهي المتناثرة على الدائري شرق الرياض أجلس وفهد في دكةٍ صغيرة ونتبادل الأحاديث ..
كنت لا أحب ارتياد هذه الأماكن العامة لكمية الصخب الشديد في أرجائها ، لكن ما فائدة "كنت" ؟!
أعرف أن أشياء كثيرة تبدلت في داخلي هذه الأشهر الثلاثة .. ليس أول تغيير يطرأ ولن يكون الأخير ..
قناعاتي تزحزحت وتعرضت تضاريسها للقهر حتى تغيرت معالمها !
يتكدسُ أرتال الشباب في هذه المقاهي حتى انتصاف الليل ، هي البحر وهي الكورنيش وهي الطبيعة في هذه العاصمة !
يهربون إليها كلما حاصرتهم لافتة تمنع العزاب من التواجد ،
يهربون إليها ويعمرونها بدخان السجائر ورائحة الجراك وأصواتهم المرتفعة ..
مساحةٌ كبيرة من الأرض تتقسم لمربعات صغيرة ، كل مربع يضم مالا يزيد عن السبعة أشخاص مفترشين جلسةً شعبية يتحلقون تلفازاً خاصاً بهم ..
أصواتُ الشباب المرتفعة والأغاني الصادحة من القنوات ..
ومعلقي المباريات وهتاف المتعصبين ،
صياح الزبائن للعاملين ، ونداء العاملين لبعضهم بتجهيز الطلبات كل هذا لا يمنع الأحاديث أن تتوالى في كل دكة..
في العاصمة تعلمنا أن نتحدث رغم الضجيج !
أشرب الشاي من إبريقٍ أحمر قديم و صوتُ الشيشة بين يدي فهد أشبه بغرغرة غريق ،
..حين قال لي وهو ينفث رائحة التفاح :
- إلى أين تريد أن تصل مع سارة ؟
فاجأني .. وشعرتُ بكوب الشاي في يدي قد تموّج :
- إلى أين ؟ سؤالك غريب.. لا أدري ؟!
- تقول انك تحبها ، حسناً لن أضايقك بأفكاري ونعود للعراك ، وهي تحبك ، لكن ألم تسألا أنفسكم ماذا تريدان من بعضكم ؟
- في احد المحادثات قلت لها شيئاً من هذا القبيل ، قالت لي " خلها تمشي بظروفها " !
- آها ، جميل .. يعني هي لا تؤمل منك زواجاً .. إذن ياصديقي فلتضرب ضربتك !
ها هو فهد ..عاد للحديث الذي يتقنه :
- وما هي الضربة ؟
راح يضحك وصوت الشيشة أشبه بخلفيةٍ موسيقية لعباراته المخيفة :
- الضربة يا صديقي فيصل أن نحصل على مانريد ، أنت الآن صقر ، التحليق لا يفيدك .. أنت فقط تحلق عالياً .. والفريسة تجري أمامك وتستمر فقط في التحليق !
- حسناً أتريد أن تقول لي أن أبدأ الافتراس ؟!أن أهجم ..
لا ، هذا ليس حباً يا فهد هذا سلوك عدواني ليس أكثر !
شرق بالضحك وأخذ يقهقه عالياً :
- سلوك ههههههههه سلوك عداوني ، " يخرب بيتك وين تجيب هالكلام منه " ، يا صديقي اترك النظرة الحالمة عنك ..
هذه المثاليات دعها للمسلسلات والروايات ، "صحصح" يا صديقي، هييي نحنُ هنا مرحباً بك في عالم الواقع !
انظر لعينيك حين تتحدث عنها ، هذه النظرة الرجالية أشبه بشفرةٍ أنت وأنا وكل من في هذا المكان يدركها حين نتحدث عن الجنس الآخر ..
ليتك ترى نفسك وأنت تصفها لي في أول علاقتك معها ، حتى نبرة صوتك تفضحك ، أتظنها لا تدري عنك يامغفل ؟
الآن، رغم تصالحك معها وسعادتك كما تقول ، أنظر لهيئتك وملامحك
- ماذا بي ؟ أنا على خير ما يرام ..
- لا يا صقري العزيز، أنت متعب من التحليق، لا بد أنك جائع هههه ،
قالها ضاحكاً وراح يشرب الهواء ..
هل أكذب على نفسي وأقول له أني لستُ كما يقول ، أليس الحب يعني الإقتراب والإندماج الروحي والجسدي والعقلي !
أليس أن يضمك مع حبيبك سقفٌ مشترك وجدرانٌ أربعة ؟!
تباً لفهد. . كلما وصلتُ للقناعة جاء بجيش سخريته يشتتني !
- نعم يافهد، ومن العبث أن أنكر ! هل ارتحت الآن ؟ لكني ...
لكني أحترمها تماماً كما أحبها ، لا أنكر لك أن أفكاري أحياناً تذهب بعيداً ، لكن لسارة قدسيتها الخاصة في قلبي ، نوعٌ من الإهانة لا أرتضيه لها !
يكفيني منها هذا الوصل البسيط .. ألم تسمع عن العذريين ؟ ياصديقي أنا عاشقٌ عذري ، لستُ أبالي بما تقول والحب أسمى من خدشه بهذه النظرة الغرائزية !
أخذ نفساً عميقاً وسألني عن العذريين ، لم يكن يعرفهم حتى !
-العذري ذلك الذي يفصل بين الحب وجسد حبيبته ، يترك القلب يتدبر أمره ويترك للسانه التعبير عن ما يخفيه ليس أكثر ..
يكفيه منه الشعور بالحب وأبسط تعبير يجيء من محبوبته يكفيه تماماً .. هل تعلم ماذا كان يفعل جميل بثينة حين يزداد به الوجد ؟
كان يذهب إليها ليلاً ، يتحادثان ليلاً والناس نيام، فقط يضعُ يدها على صدره ويبرد جاشه ، يكفيه هذا المساس اليدوي البسيط كل سنة ثم يـ..
- هههههههههههههه أشكرك على هذه الطرفة ! يختلي بها ويضع يدها على صدره هههههههههه ما أظرفك يا صديقي
- لا ليست طرفة يافهد ، والأمر مثبت ليس من نسج خيالي ، هل تقرأ كتاب العقد الفريد وأخبار العشّاق العفيفين ؟ أنت لم تقرأ ولو قـ..
- لا أريد أن أقرأ وسأكون معك صريحاً ، إن كانت الكتب تمتليء بهذه الخرافات فتباً لها وللقراءة .. أجننت ؟
رجلٌ في الليل مع حبيبته والناس نيام ثم يكتفي بوضع يدها على صدره ..
حسناً ، إما أن حبيبته دميمة أو أنه مريض .. هل تعرف ماذا كنت سأفعل لو كنت مكانه
- لا شكراً لا أريد
- ههههههه صدقني ستستفيد ..
- فهد ما هو الحب في رأيك ؟
- إسمعني ياصغيري ...الحب هـ
- لا تقل يا صغيري ! تباً لك، أكبر مني بأربعين يوماً ويظنني ولده !
- هههه لا بل صغيري ، طالما تصدق ذلك الذي وضع يدها على صدره وارتاح فأنت مازلت صغيري الذي يستحق التعلم والمتابعة ( تكاد تقتلني سخريته )
الحب إما قبل الزواج أو بعده ياصغيري، ما قبل الزواج سأخبرها ، إن كنتِ تحبيني فتنازلي ، الحب هو التنازلات، أو إلى الجحيم هذا الحب ،
أما حب مابعد الزواج فهو الإستقرار والعائلة والأبناء والرباط المقدس.. هذه نظرتي للأمر ياصغيري
- هذا يعني أنك تكفر بالحب ما قبل الزواج
- نعم ، وهذا لا يعني أني أشكك في مشاعرك انت وسارة ، أرجوك لا تغضب كذلك المساء ، لكن..
لكن من تخون ثقة أهلها وتخاتلهم وتقضي معي ساعاتٍ طوال هي ليست مشروع حب وزواج ..
هنا نعود لمفهوم الصقر والفريسة ، الأمر ليس إلا اقتناص .. طبعاً أنت عذري كما قلت لي لكني لستُ كذلك ..
وبالمناسبة جميل اسمكم ايها العذريين ..
حسناً بالله ما اسم فصيلتي ؟ الصقور الجدد هههههه
- لا ليس الصقور الجدد ، " الهمج " !
- ههههههههه أووه اسم رائع ، على كل حال وقعهُ في الأذن أفضل من وقع " عاشق عذري " ، تشعر بالحرمان والشفقة حين تسمع هذا الإسم ( راح يضحك )
دفعنا الحساب ومضينا نخترق جموع البشر ونشق سحب الدخان الحار وضجيج الأصوات المتداخلة ،
وبقيَ في هاجسي سؤالٌ يلح : من كان محقاً أكثر أنا أم صديقي !
****
في الليل ..هاتفتُ سارة وقد قررتُ أن يكون صلحنا رسمياً أكثر،
فاجأتها مرة ً من قبل ، وسوف أكرر الأمر الآن ،
حسناً يافهد سترى لذة العذريين في التعبير عن مشاعرهم :
- سارة ، هل لديك ارتباط غداً ؟!
- لا ، ماذا ؟
- أريد أن نتناول العشاء في أحد المطاعم سوياً !
هكذا قررتْ !
أريدُ أن أتخفف من ضغوط الإختبارات بسارة ، اليوم مكافأتي نزلت ، ولديّ حبيبةٌ أُحسد عليها ، ماذا ينقصني لأنفذ ؟!
حين أخبرتُ فهد بعزمي على الخروج بها، هب في وجهي يحذرني ..
أخذ يتحدث لي عن الرياض التي أسكنها وكأنه يعرفها أكثر مني :
" يافيصل لا تتهور ، كل الأماكن ( ملغمة )" ..
وكنت لا أبالي !
في التهوّر السلامة !
حين قابلتها عند ماجد مرتين كنت متهوراً .. كذلك حين حاصرتها في المكتبة،
قبلها وقوفي أمام منزلهم مرتين !
في الرياض أن تخاف هذا يعني أن تقع في الفخ !
أن تكون شجاعاً هذا يعني أن تكسر كل القيود وتتفوق عليها ، الحظ يساند الشجعان كما يقول تيرنس .
لا يهمني أي شيء سوى أن أكون بجوار سارة..
والأهم الآن أنها تلقت دعوتي بإرتياح .. تلقتها كما لو كانت تنتظر مني مثل هذه الدعوة طويلا ً !
أدركتُ على الفور أنها تلقتها كما لو كانت تسمع كلاماً كثيراً من صديقاتها يثير غيرتها ولم يُقدم فيصل عليه !
من فرط سعادتها بهذه الدعوة لم تسألني عن مذاكرتي للإختبار الثالث بعد يومين ،
كانت قبل ذلك حريصةً على أن تعرف ماذا قدمت في امتحاناتي السابقة وتهاتفني كل صباح لتسأل ، وتفرحُ حين أخبرها بأن الأمر سار جيداً ،
كنت أتصل بها في المساءات وكانت تبادر لسؤالي عن المذاكرة وتحرصني على الإستزادة ، " أنتظرك بشوق بعد الإمتحانات ستجدني في انتظارك الآن اهتم بدرسك "
لكن حين أخبرتها اليوم بدعوتي لها على العشاء ،هه المسكينة .. عبثاً كانت تحاول إخفاء السرور ..
نست حتى أن تقول " وماذا عن الإمتحان " !
لا يهم إن كانت الرياض قاسية على العشاق .. و لا يهم إن امتلأت بالواشين يافهد !
ولا يهمني حتى من يريد منحها خصوصيةً عن باقي المدن وجعلها أفلاطونية !
لا يهم حتى إن كان اللقاء أشبه بالمشي على الحبل الرفيع .. إما الإجتياز أو السقوط !
كل هذا لا يهم ، المهم أن سارة تلقت الخبر بنشوة ، بسعادة ..
هذا يعني أني أمثل لها أماناً ورجلاً يُعتمد عليه ، إذن لن تُخذلي يا سمراي لن تخذلي ..
أن تكوني سعيدة ، هذا يعني أن لا شيء آخر مهم !
وفهد هذا المزعج ، لا يكف عن الإتصال منذ أخبرته بدعوتها للعشاء ، جاء إلى البيت وبدأ تحذيري :
" إذهب لبيتها لا تخرج بها في الأماكن العامة "
فأسخر من جملته الغبية ، ماذا أريد من بيتهم !؟ ماهذا الوحل الذي يريدني أن أرتمي فيه ..
ليس كل الرجال صقور يطاردون فرائسهم ، أنسيت أني عذريٌ يكفيه القرب من سارة ؟!
سترى أن الحب العذريّ ينتصرُ في النهاية ، وأن هناك رجالاً ليسوا ينظرون لك وأفكارك إلا بمنظر الشفقة يا صديقي !
ثرت عليه ، ولأول مرة راح اللاعب يضرب بتعليمات مدربه عرض الحائط .. أخبرته من الآن وصاعداً أني لن أقبل تدخلاته !
وصعدتُ غرفتي وبدأتُ أستعد للغد..
المشكلة أني لا أفهم في هذه المطاعم شيئاً .. لم أتعود إلا مطاعمنا البسيطة في أحيائنا العاديّة ، أريد أن أحظى ببريق التألق معها !
سيكون شكلي مخجلاً إن وقفتُ بها أمام مكانٍ أقل من قيمتها ووضعها الإجتماعي !
وذكرتُ سلمان و فرقعتُ أصابعي " وجدتها " ..
سلمان ، صديقي الذي يقضي شهره السابع منذ تزوج ، كان الحل ..
حين أخبرتهُ أني أريد أن أذهب بشقيقاتي للعشاء ، بدا وأنه مصدق .. لم يسأل كثيراً ..
أرشدني إلى أرقى الأماكن وأعطاني تفصيلاً عن أسعارها وأسماء قوائمها ..
قبل أن ينهي المكالمة قال لي جملةً وترتني :
" فيصل ، انتبه لنفسك ! " ..
حسناً ، لم أهتم بعبارته ، شكرته وأقفلتُ الهاتف مستمتعاً بشعوري الذي أتراقص فيه ..
لم أبالي بفهد ولا حتى كلمة سلمان ، ماهذا!كل الناس صارت حريصة ً فجأة ؟
ألم يدركوا بعد أن الرياض بلدٌ تحترم الجرأة ؟!
- سأذهب غداً لسارة هل تريد المرافقة؟ هل اشتقتها أيها اللعين ؟!
كنتُ اوجه حديثي لـ " الدبدوب " الذي أهدتنيه سارة ، كان ملقاً على سريري وكأنه سجين، ليس سعيداً منذ جاء لغرفتي ..
لماذا شعرتُ بعينيه تشعان بريقاً حين قلت عبارتي ؟!
اللعنة.. حتى الجماد يدب فيه إحساس القرب منكِ ياسارة !
لحظة التصافي بين حبيبين ، تكفّر عن كل أوقات الشقاء التي عاشاها بعيداً عن بعضهم .
كل ألم ، كل معاناة ، كل دمعة تذرف في البعد ، تستحق أن تكون ثمناً للحظة عتاب بعد قطيعة !
ما هي أجمل لحظات الحب ؟!
هي عتاب حبيبين في سكون الليل ، هذه أجمل اللحظات التي من الممكن أن يعيشانها .
الخصام ، الغضب ، الابتعاد ، كلها للحب مثل الملح للطعام ، تجعلهُ ألذ وأشهى !
ويبقى الحب ما بقيَ العتابُ ..
.. أن يتعاتبا ، يعني أن أمر هذه العلاقة يعنيهم و جداً ، كلاهما يريد دفعها للأمام لتستمر !
شيئان إن لم يزيدا أخذا في التقلص ، الحب و القمر .. لا يعرفان الثبات ،
حين سألوا اليناور روزفلت عن غياب زوجها المتكرر في أسفاره السياسية ، قالت "لا بأس الغياب يعلم الغرام الإزدياد !"
وهذا ما حدث فعلا ً لي مع ساره ..
كل مافي قلبي تجاهها تنامى لأضعاف ماكان عليه ، وصلتُ فجأةً للتصالح مع نفسي تجاهها :
أحبها ، لا أرتاب فيها ، هي أطهر من أي شك .. هكذا ، حقائقُ ثلاث لن أحيد عنها أبداً ..
راحت تعاتبني على جراءتي معها في المكتبة ، وكنت أستقبل العتاب كإطراء ، كأن في تأنيبها لي مسحة إعجاب ..لا أعرف!
نعم أخفتها في المكتبة ، نعم كانت خارجةً للمشي وفجأة وجدت وحشاً يأمرها أن تعود إليه ، لكن بدا أن هذا راقها .. أشعرها أنها نفيسةٌ جداً أو هكذا أتوهم !
لا أدري ،
نعم تجرأت كثيراً ..كنت أشبه بوحش ينفض يدها في المكتبة ، لكن شيءٌ ما بداخلي وفي صوتها يشي أنني أبهرتها .. نعم هو الإبهار !
كانت تعاتبني وتضحك ، كأنها غير مصدقة :
- والله يافيصل ، لو قصت عليّ إحداهن هذه القصة لكذبتها ، جنون !
شيء لا أراه إلا في الأفلام و قصص الحب يحدثُ لي أنا ..وأين. في الرياض!! أجننت ؟
ومزهواً أجيب :
- عندما أقفلتِ هاتفك بعد أن قلتِ " خلاص انتهينا " ، شعرتُ أني خسرتُ كل ما أملك، قلت لنفسي :ماذا أخسر إن جربتُ طريقتي الأخيرة ؟ لا شيء !
حين توجهت لمنزلكم وجلستُ أنتظر خروجك ، كنت مهيئاً نفسي لأمرين : إما أن أعود بالصلح أو أعود بالفضيحة !
- يوووه يافيصل ، والله إلى الآن يدي تؤلمني من قبضتك ، لم أشعر بالألم إلا بعد أن وصلت البيت !
- يقول الأطباء ، أن العقل حين يكون مصعوقاً أو مشوشاً مع حدث مهم ، لا يشعر بالألم مؤقتاً، لا يرسل المخ إشارة الألم على الفور، لإنشغاله بما هو أهم !
ألا تشاهدينهم في المباريات ، يسجل المهاجم الهدف ..ينطلق فرحاً ..ثم يتوقف فجأة ويعاني من ألم الإصابة جراء احتكاكه بالخصم قبل التسجيل !
- نعم قرأت شيئاً من ذلك ، إنما هذا المثال خطأ ، أنت تتحدث عن مهاجم وأنا كنتُ مجرد لاعبة دفاع، المهاجم شخصٌ مجنون اسمه فيصل !
ضحكت وقلت لها :
- يا للمهاجم الموهوب ! بغض النظر عن حالة التسلل التي وقع فيها وشرعية الهدف ، أليس هدفاً رائعاً هههههههههه ، وبالمناسبة ، يقول الإسبانيون في أمثالهم " يد الأم لا تؤلم " ههه
ضحكنا كالسُكارى، إلتهمنا الدقائق والساعات كغائبين عن بعضنا أربع سنين ليس أياماً أربعة !
أخبرتُها حقيقة الأمر كله ، اعتذرتُ لها واعتذرت لي ، حدثتُها عن عراكي مع فهد لأجلها وعاتبتني .. " لا أريد أن تخسر أصدقائك بسببي " ..
وتحدثت لي عن إلحاح رجلٍ يريد مكالمتها وكانت تصده وتنتظر اتصالي ، وابتسمتُ ، فعلا ً كان اللعين فهد يختبرها !
يالك من وغد يا فهد .. حتى في أسوأ الأمور التي تقوم بها لا يمكن أن تخلو من فائدة ..
ما أسعدني بصدق سمرائي وإخلاصها .. أثبتّ لي ذلك رغم سوء طريقتك يادنجوان!
أخذني من أفكاري سؤالها :
- ما حكاية التوقيف التي قلت لي ؟! لماذا أوقفوك ؟!
ورحتُ كمحترفٍ في الكذب أحيكُ لها قصةً من رأسي
- كنتُ سارحاً بكِ ولم أنتبه للإشارة ، قطعتها فأوقفوني !
لو أخبرتها بالحقيقة لربما نفَرت مني ، كذبةٌ بيضاء ليست كالأكاذيب التي يطلبها مني فهد ..
- فيصل كنت تقول لي " أنتِ قبيلتي " ، هذه الكلمة ترن في رأسي حتى اللحظة !
وذكرتُ موقف الرجل المنتمي لقبيلتي في التوقيف وأطبقتُ فمي ولم أتحدث ، أي نظرةٍ ستنظرين بها للأمر يا فاتنتي ..
هنا تقوم الأسماء بدور المفاتيح للأقفال ، لن تدركي ما أقول .. "تجاوز الأمر يا فيصل ولا تخبرها !"
- توقعتُ بعد خصامنا يافيصل أن أكون قويةً جداً ، أنت لا تعرفني حين أغضب ، أحملُ قلباً لايسامح بسرعة ومع هذا ...
هتفتُ بها :
- ماذا ؟!
- مع هذا كنتُ أنظر للهاتف أنتظر اتصالك ، كلما عاود الرنين فرحت وعندما أجد الرقم لأحد صديقاتي أو أهلي أغضب وأتكوم على نفسي .. أنت لم تتصل ثلاثة أيام !
- ولماذا تغضبين ، أنتِ تقولين أنكِ لن تسامحي ..
- لا يافيصل ، لن أرد عليك .. لكن سأشعر أنك تريدني ، أنك نادم أو تفتقدني ،
صدقني لم أكن لأجيبك إنما كنتُ سأكون أهدأ ، مجرد معاودتك الإتصال هذا يعني أني أمثل لك الكثير.. لكنك للأسف لم تتصل وتوقعتُ انك مع فهد ونسيتَ الأمر ونسيتَ سارة
- ياللعجب أتصدقين ؟ هذه نفس أفكاري عنكِ تماماً ، كنت أقول بالتأكيد تهاتف هيفاء وتخرج مع سائقها و نسيتني بالمرة ،
لم أتصل لأني نادم و شعرتُ أني أستحق شيئاً من الجزاء .. تركتُ نفسي في الشقاء ثلاثة أيام تطهيراً لنفسي .. أتذكرين أول اتصالٍ جاءك في اليوم الرابع ؟
- نعم السادسة صباحاً ،
- كنتُ في زنزانة التوقيف ، شعرتُ وقتها أني في مكانٍ كفّر كل ذنبي معك .. لذلك رحت أهاتفك .. لكنكِ قاسية ، أغلقتِ الهاتف في وجهي !
- هههههه لكني كنتُ سعيدة ، أقسم بالله أقفلته في وجهك وأنا سعيدة ، فوراً كلمتُ هيفاء وأخبرتها باتصالك وأشارت أن أؤدبك ! لذلك أغلقت الهاتف كلياً ..
- تباً لقلبها القاسي ، أتمنى ان تدور عليها الدوائر وأشاهدها في التوقيف يوماً ..
- هههههههه "خلنا نسوق ويصير خير "
راحت تلح علي أن أنشغل بالمذاكرة .. أخبرتني أنها تريدُ النجاح مني كهدية ،
وذكرتُ الصيف ورحلتهم فانقبضَ قلبي ولم أقل شيئاً .. لم أرد أن يفسد فرحتي الآن أي منغص .. ها قد جاء الصلحُ فلأركز في دروسي الآن ولكل حادث حديث .
لن أفتح على نفسي أبواباً لم أصدق إغلاقها .. هكذا قررت
* * *
في أحد المقاهي المتناثرة على الدائري شرق الرياض أجلس وفهد في دكةٍ صغيرة ونتبادل الأحاديث ..
كنت لا أحب ارتياد هذه الأماكن العامة لكمية الصخب الشديد في أرجائها ، لكن ما فائدة "كنت" ؟!
أعرف أن أشياء كثيرة تبدلت في داخلي هذه الأشهر الثلاثة .. ليس أول تغيير يطرأ ولن يكون الأخير ..
قناعاتي تزحزحت وتعرضت تضاريسها للقهر حتى تغيرت معالمها !
يتكدسُ أرتال الشباب في هذه المقاهي حتى انتصاف الليل ، هي البحر وهي الكورنيش وهي الطبيعة في هذه العاصمة !
يهربون إليها كلما حاصرتهم لافتة تمنع العزاب من التواجد ،
يهربون إليها ويعمرونها بدخان السجائر ورائحة الجراك وأصواتهم المرتفعة ..
مساحةٌ كبيرة من الأرض تتقسم لمربعات صغيرة ، كل مربع يضم مالا يزيد عن السبعة أشخاص مفترشين جلسةً شعبية يتحلقون تلفازاً خاصاً بهم ..
أصواتُ الشباب المرتفعة والأغاني الصادحة من القنوات ..
ومعلقي المباريات وهتاف المتعصبين ،
صياح الزبائن للعاملين ، ونداء العاملين لبعضهم بتجهيز الطلبات كل هذا لا يمنع الأحاديث أن تتوالى في كل دكة..
في العاصمة تعلمنا أن نتحدث رغم الضجيج !
أشرب الشاي من إبريقٍ أحمر قديم و صوتُ الشيشة بين يدي فهد أشبه بغرغرة غريق ،
..حين قال لي وهو ينفث رائحة التفاح :
- إلى أين تريد أن تصل مع سارة ؟
فاجأني .. وشعرتُ بكوب الشاي في يدي قد تموّج :
- إلى أين ؟ سؤالك غريب.. لا أدري ؟!
- تقول انك تحبها ، حسناً لن أضايقك بأفكاري ونعود للعراك ، وهي تحبك ، لكن ألم تسألا أنفسكم ماذا تريدان من بعضكم ؟
- في احد المحادثات قلت لها شيئاً من هذا القبيل ، قالت لي " خلها تمشي بظروفها " !
- آها ، جميل .. يعني هي لا تؤمل منك زواجاً .. إذن ياصديقي فلتضرب ضربتك !
ها هو فهد ..عاد للحديث الذي يتقنه :
- وما هي الضربة ؟
راح يضحك وصوت الشيشة أشبه بخلفيةٍ موسيقية لعباراته المخيفة :
- الضربة يا صديقي فيصل أن نحصل على مانريد ، أنت الآن صقر ، التحليق لا يفيدك .. أنت فقط تحلق عالياً .. والفريسة تجري أمامك وتستمر فقط في التحليق !
- حسناً أتريد أن تقول لي أن أبدأ الافتراس ؟!أن أهجم ..
لا ، هذا ليس حباً يا فهد هذا سلوك عدواني ليس أكثر !
شرق بالضحك وأخذ يقهقه عالياً :
- سلوك ههههههههه سلوك عداوني ، " يخرب بيتك وين تجيب هالكلام منه " ، يا صديقي اترك النظرة الحالمة عنك ..
هذه المثاليات دعها للمسلسلات والروايات ، "صحصح" يا صديقي، هييي نحنُ هنا مرحباً بك في عالم الواقع !
انظر لعينيك حين تتحدث عنها ، هذه النظرة الرجالية أشبه بشفرةٍ أنت وأنا وكل من في هذا المكان يدركها حين نتحدث عن الجنس الآخر ..
ليتك ترى نفسك وأنت تصفها لي في أول علاقتك معها ، حتى نبرة صوتك تفضحك ، أتظنها لا تدري عنك يامغفل ؟
الآن، رغم تصالحك معها وسعادتك كما تقول ، أنظر لهيئتك وملامحك
- ماذا بي ؟ أنا على خير ما يرام ..
- لا يا صقري العزيز، أنت متعب من التحليق، لا بد أنك جائع هههه ،
قالها ضاحكاً وراح يشرب الهواء ..
هل أكذب على نفسي وأقول له أني لستُ كما يقول ، أليس الحب يعني الإقتراب والإندماج الروحي والجسدي والعقلي !
أليس أن يضمك مع حبيبك سقفٌ مشترك وجدرانٌ أربعة ؟!
تباً لفهد. . كلما وصلتُ للقناعة جاء بجيش سخريته يشتتني !
- نعم يافهد، ومن العبث أن أنكر ! هل ارتحت الآن ؟ لكني ...
لكني أحترمها تماماً كما أحبها ، لا أنكر لك أن أفكاري أحياناً تذهب بعيداً ، لكن لسارة قدسيتها الخاصة في قلبي ، نوعٌ من الإهانة لا أرتضيه لها !
يكفيني منها هذا الوصل البسيط .. ألم تسمع عن العذريين ؟ ياصديقي أنا عاشقٌ عذري ، لستُ أبالي بما تقول والحب أسمى من خدشه بهذه النظرة الغرائزية !
أخذ نفساً عميقاً وسألني عن العذريين ، لم يكن يعرفهم حتى !
-العذري ذلك الذي يفصل بين الحب وجسد حبيبته ، يترك القلب يتدبر أمره ويترك للسانه التعبير عن ما يخفيه ليس أكثر ..
يكفيه منه الشعور بالحب وأبسط تعبير يجيء من محبوبته يكفيه تماماً .. هل تعلم ماذا كان يفعل جميل بثينة حين يزداد به الوجد ؟
كان يذهب إليها ليلاً ، يتحادثان ليلاً والناس نيام، فقط يضعُ يدها على صدره ويبرد جاشه ، يكفيه هذا المساس اليدوي البسيط كل سنة ثم يـ..
- هههههههههههههه أشكرك على هذه الطرفة ! يختلي بها ويضع يدها على صدره هههههههههه ما أظرفك يا صديقي
- لا ليست طرفة يافهد ، والأمر مثبت ليس من نسج خيالي ، هل تقرأ كتاب العقد الفريد وأخبار العشّاق العفيفين ؟ أنت لم تقرأ ولو قـ..
- لا أريد أن أقرأ وسأكون معك صريحاً ، إن كانت الكتب تمتليء بهذه الخرافات فتباً لها وللقراءة .. أجننت ؟
رجلٌ في الليل مع حبيبته والناس نيام ثم يكتفي بوضع يدها على صدره ..
حسناً ، إما أن حبيبته دميمة أو أنه مريض .. هل تعرف ماذا كنت سأفعل لو كنت مكانه
- لا شكراً لا أريد
- ههههههه صدقني ستستفيد ..
- فهد ما هو الحب في رأيك ؟
- إسمعني ياصغيري ...الحب هـ
- لا تقل يا صغيري ! تباً لك، أكبر مني بأربعين يوماً ويظنني ولده !
- هههه لا بل صغيري ، طالما تصدق ذلك الذي وضع يدها على صدره وارتاح فأنت مازلت صغيري الذي يستحق التعلم والمتابعة ( تكاد تقتلني سخريته )
الحب إما قبل الزواج أو بعده ياصغيري، ما قبل الزواج سأخبرها ، إن كنتِ تحبيني فتنازلي ، الحب هو التنازلات، أو إلى الجحيم هذا الحب ،
أما حب مابعد الزواج فهو الإستقرار والعائلة والأبناء والرباط المقدس.. هذه نظرتي للأمر ياصغيري
- هذا يعني أنك تكفر بالحب ما قبل الزواج
- نعم ، وهذا لا يعني أني أشكك في مشاعرك انت وسارة ، أرجوك لا تغضب كذلك المساء ، لكن..
لكن من تخون ثقة أهلها وتخاتلهم وتقضي معي ساعاتٍ طوال هي ليست مشروع حب وزواج ..
هنا نعود لمفهوم الصقر والفريسة ، الأمر ليس إلا اقتناص .. طبعاً أنت عذري كما قلت لي لكني لستُ كذلك ..
وبالمناسبة جميل اسمكم ايها العذريين ..
حسناً بالله ما اسم فصيلتي ؟ الصقور الجدد هههههه
- لا ليس الصقور الجدد ، " الهمج " !
- ههههههههه أووه اسم رائع ، على كل حال وقعهُ في الأذن أفضل من وقع " عاشق عذري " ، تشعر بالحرمان والشفقة حين تسمع هذا الإسم ( راح يضحك )
دفعنا الحساب ومضينا نخترق جموع البشر ونشق سحب الدخان الحار وضجيج الأصوات المتداخلة ،
وبقيَ في هاجسي سؤالٌ يلح : من كان محقاً أكثر أنا أم صديقي !
****
في الليل ..هاتفتُ سارة وقد قررتُ أن يكون صلحنا رسمياً أكثر،
فاجأتها مرة ً من قبل ، وسوف أكرر الأمر الآن ،
حسناً يافهد سترى لذة العذريين في التعبير عن مشاعرهم :
- سارة ، هل لديك ارتباط غداً ؟!
- لا ، ماذا ؟
- أريد أن نتناول العشاء في أحد المطاعم سوياً !
هكذا قررتْ !
أريدُ أن أتخفف من ضغوط الإختبارات بسارة ، اليوم مكافأتي نزلت ، ولديّ حبيبةٌ أُحسد عليها ، ماذا ينقصني لأنفذ ؟!
حين أخبرتُ فهد بعزمي على الخروج بها، هب في وجهي يحذرني ..
أخذ يتحدث لي عن الرياض التي أسكنها وكأنه يعرفها أكثر مني :
" يافيصل لا تتهور ، كل الأماكن ( ملغمة )" ..
وكنت لا أبالي !
في التهوّر السلامة !
حين قابلتها عند ماجد مرتين كنت متهوراً .. كذلك حين حاصرتها في المكتبة،
قبلها وقوفي أمام منزلهم مرتين !
في الرياض أن تخاف هذا يعني أن تقع في الفخ !
أن تكون شجاعاً هذا يعني أن تكسر كل القيود وتتفوق عليها ، الحظ يساند الشجعان كما يقول تيرنس .
لا يهمني أي شيء سوى أن أكون بجوار سارة..
والأهم الآن أنها تلقت دعوتي بإرتياح .. تلقتها كما لو كانت تنتظر مني مثل هذه الدعوة طويلا ً !
أدركتُ على الفور أنها تلقتها كما لو كانت تسمع كلاماً كثيراً من صديقاتها يثير غيرتها ولم يُقدم فيصل عليه !
من فرط سعادتها بهذه الدعوة لم تسألني عن مذاكرتي للإختبار الثالث بعد يومين ،
كانت قبل ذلك حريصةً على أن تعرف ماذا قدمت في امتحاناتي السابقة وتهاتفني كل صباح لتسأل ، وتفرحُ حين أخبرها بأن الأمر سار جيداً ،
كنت أتصل بها في المساءات وكانت تبادر لسؤالي عن المذاكرة وتحرصني على الإستزادة ، " أنتظرك بشوق بعد الإمتحانات ستجدني في انتظارك الآن اهتم بدرسك "
لكن حين أخبرتها اليوم بدعوتي لها على العشاء ،هه المسكينة .. عبثاً كانت تحاول إخفاء السرور ..
نست حتى أن تقول " وماذا عن الإمتحان " !
لا يهم إن كانت الرياض قاسية على العشاق .. و لا يهم إن امتلأت بالواشين يافهد !
ولا يهمني حتى من يريد منحها خصوصيةً عن باقي المدن وجعلها أفلاطونية !
لا يهم حتى إن كان اللقاء أشبه بالمشي على الحبل الرفيع .. إما الإجتياز أو السقوط !
كل هذا لا يهم ، المهم أن سارة تلقت الخبر بنشوة ، بسعادة ..
هذا يعني أني أمثل لها أماناً ورجلاً يُعتمد عليه ، إذن لن تُخذلي يا سمراي لن تخذلي ..
أن تكوني سعيدة ، هذا يعني أن لا شيء آخر مهم !
وفهد هذا المزعج ، لا يكف عن الإتصال منذ أخبرته بدعوتها للعشاء ، جاء إلى البيت وبدأ تحذيري :
" إذهب لبيتها لا تخرج بها في الأماكن العامة "
فأسخر من جملته الغبية ، ماذا أريد من بيتهم !؟ ماهذا الوحل الذي يريدني أن أرتمي فيه ..
ليس كل الرجال صقور يطاردون فرائسهم ، أنسيت أني عذريٌ يكفيه القرب من سارة ؟!
سترى أن الحب العذريّ ينتصرُ في النهاية ، وأن هناك رجالاً ليسوا ينظرون لك وأفكارك إلا بمنظر الشفقة يا صديقي !
ثرت عليه ، ولأول مرة راح اللاعب يضرب بتعليمات مدربه عرض الحائط .. أخبرته من الآن وصاعداً أني لن أقبل تدخلاته !
وصعدتُ غرفتي وبدأتُ أستعد للغد..
المشكلة أني لا أفهم في هذه المطاعم شيئاً .. لم أتعود إلا مطاعمنا البسيطة في أحيائنا العاديّة ، أريد أن أحظى ببريق التألق معها !
سيكون شكلي مخجلاً إن وقفتُ بها أمام مكانٍ أقل من قيمتها ووضعها الإجتماعي !
وذكرتُ سلمان و فرقعتُ أصابعي " وجدتها " ..
سلمان ، صديقي الذي يقضي شهره السابع منذ تزوج ، كان الحل ..
حين أخبرتهُ أني أريد أن أذهب بشقيقاتي للعشاء ، بدا وأنه مصدق .. لم يسأل كثيراً ..
أرشدني إلى أرقى الأماكن وأعطاني تفصيلاً عن أسعارها وأسماء قوائمها ..
قبل أن ينهي المكالمة قال لي جملةً وترتني :
" فيصل ، انتبه لنفسك ! " ..
حسناً ، لم أهتم بعبارته ، شكرته وأقفلتُ الهاتف مستمتعاً بشعوري الذي أتراقص فيه ..
لم أبالي بفهد ولا حتى كلمة سلمان ، ماهذا!كل الناس صارت حريصة ً فجأة ؟
ألم يدركوا بعد أن الرياض بلدٌ تحترم الجرأة ؟!
- سأذهب غداً لسارة هل تريد المرافقة؟ هل اشتقتها أيها اللعين ؟!
كنتُ اوجه حديثي لـ " الدبدوب " الذي أهدتنيه سارة ، كان ملقاً على سريري وكأنه سجين، ليس سعيداً منذ جاء لغرفتي ..
لماذا شعرتُ بعينيه تشعان بريقاً حين قلت عبارتي ؟!
اللعنة.. حتى الجماد يدب فيه إحساس القرب منكِ ياسارة !
يتبع ..