15
صباحي في الجامعه ، ظهري قيلوله ، العصر أفرّغه للقراءة أو المذاكرة ..
في المغرب وقتُ القهوة العائلية .. أمي أبي والموجود من شقيقاتي أو أشقائي ..
بعد العشاء أتوجه للشقة ..
أقضيها مع فهد والأصدقاء دفعاً للوقت حتى يأتي موعدي اليومي الأهم !
فإذا أتت الساعة الثانية عشرة بتوقيت قلبي ..
ودقت مخبرةً أنها ال12 منتصف القلب/الليل ..
جاءت معذبتي في غيهبِ الغسقِ .. يرن الهاتف فأقوم من بين الأصدقاء متجها للبيت وهي معي ..
أدخلُ البيت وهي معي .. أحدثها طويلاً طويلاً .. تمر الساعات دقائق ، تحل الثالثة فجراً بسرعه وهي معي ..
فأودعها لأنام 5 ساعاتٍ أحلمُ فيها غالباً أحلامي اللذيذه !
ياللغرابة أيها الليل الطويل ...
ألم تكنْ ثقيلاً عليّ قبل ساره .. مابالك الآن صرتَ سريعاً كأنما تنازلتَ عن ساعاتك الكاملة ورضيتَ أن تكون أنصافاً وأرباع !
تركضُ حثيثاً ..منطلقاً لتقرعَ كوخَ الصباحِ أنْ هيّا تعال وأخبرِ الشمس ان تصحو ...
كان بيني وبين الثالثةِ ما أخالهُ أيام .. وكنتَ يا ليلُ قوياً جداً بما فيه الكفاية لتزرعني بالسأم واليأس كل أرق ..
مابالُك الآن صرت وادعاً .. كومضة برقٍ لا تكاد تلمع حتى تتوارى !
آه يا أنيسة الظلام وقيثارة الليل ياساره ..
حديثكِ لا شيء إلا قناديلَ تقتلُ هذا الليل بأنوارها المتكاشفة ..
تملئينهُ صخباً وهو الذي عوّدني أن يأتي ساكناً رتيباً لا يُطاق !
..كنتُ إذا أرقتُ استعنتُ عليه بكتاب أديب ..وفيلماً لنجمٍ شهير .. فلا يكادُ يغني كل ذلك عني شيئاً ..
الآن .. لم يعد هذا الليل إلا قصيراً هشّاً لا يتسطيعُ مضايقتي .. صرتُ بكِ أقوى وعرف قوّتي فصار لا يواجهني طويلاً ..
يهربُ نحو الصباح بسرعه، كـ مستجير !
ولدتِ في باريس ذات صيفٍ عائلي ، وُلدتِ يا عطراً قدِم للدنيا من عاصمة العطور ..
و ولدتُ أنا بين بيوت الطين في قريةٍ لم تعرف المستشفيات بعد !
وربيتِ بين بيروت و تركيا و ميونخ يومَ عمِل أبوك هناك لسنتين ، وربيتُ بين نخيلنا ونعاجنا أسمعُ بالسياحةِ فأحسبها كلمةً ترادفُ الفلاحة !
أتحسبينكِ تواسينني حين تقولين لي " والله يا فيصل طفولتك أتمناها " !
بربكِ ماذا تتمنين ؟ شمساً لاهبة وبرداً زمهريراً لا ربيع نعرفهُ ولا فصل آخر ! نمشي حفاةٍ على الطرقاتِ كأننا والشمس أصدقاء لم تعد تؤذينا !
تلحّين أن أتحدث لكِ عن المزارع والسواقي والقُرى .. وتصغين بإهتمام .. هل بلغَ بكِ النبلُ هذا المبلغ أن تتعاضدي معي لتشعريني أن حياتي سعيدةٌ مثلك !
أم أنكِ تهزأين ..
وأطلب منكِ الحديث عن مصائفكم العالميّة فتقولين " كآبه وربي ، عارف يافيصل ؟ أحسدك على الكلام اللي أسمعه "
تحسديني على ماذا يا ذات الصوتِ الأشبه بغناء ؟! بربكِ من يحسد من ؟!
تملكين كل أدوات الغرور وتمارسين التواضع ..
كنا نخمّن دروب الأنثى : يُعجبها الأسلوب .. لا الضحك ..بل الجرأة .. وقال مجيد الحلاق : المال !
لكن لو أردتُ تخميناً لأهم صفاتِ الأنثى كي تُمارسَ أسرَ قلب / لن أقول الجمال .. ولا الرشاقة والفتنة .. كل هذا زائف يقتلهُ الوِصال !
الشخصية هي من يبقى ويدوم..
شخصية سارة المتواضعه الودوده المازحة اللامبالية حيناً والصارمة أحياناً .. تجعلها تتنامى في ذاكرتي .
بتنا كتاباً مفتوحاً لبعضنا .. تحدثني بطلاقة عن سلمان و فهد وشقيقاتي .. كأنما من فرطِ ما أشركتُها في تفاصيلي صارت جزءاً مني !
أسألها عن أختها الكبرى " رحاب " وزوجها كل يوم .. أعرفُ صميم مشاكلهم .. أدخلتني ساره في كل مايحيطُ بها ..
وتروحُ تشتم زوج أختها .. وأشاركها الشتم تعاضداً .. لا أدري أكان ظالماً أم مظلوماً .. سامحني يازوجَ رحاب !
وحين يتأخرُ اتصالها أو إجابتها على الهاتف .. تعتذرُ لتقص عليّ ما أشغلها بالتفصيل الممل .. " شقيقي جاء بعشاءٍ للتوّ وجلس معي في الغرفه لم أستطع الرد "
فأحسدُ تركي .. شقيقها المحظوظ ! وأقول لها مستحثاً حديثها " أكيد تركي أفضل من هذرتي " فتقول ضاحكةً " طيب ما رأيك أني مثلت النعاس حتى يخرج فأتصل "
فأستحيلُ شخصاً آخر .. ملكٌ يرفلُ في علياء مجده !
تعرفُ أسماء أدوية أمي .. وأوقاتها !
تعرفُ جنون فهد وأقص لها عنهُ فتشرق بالضحك .. وتعرفُ مهارة سلمان في العود وتسألني ها ماذا غنى لكم اليوم !
أخبرتُها صادقاً في كل شيء وكذبتُ في واحدة .. قلتُ لها أن والدي متقاعدٌ من التعليم ، خجلتُ أن أقول لها أن والد فيصل " بوّاب مدرسة " !
منذ كذبتي هذه ، كلما وقعتْ عيني على والدي كادحاً من الصبحِ أشعرُ بسكينٍ تُزرع في صدري ..
أرجوك سامحني أبي ! واللهِ أنت أعظمُ الرجال في عيني .. ولكن كيف أشرحُ لك وماذا ينقذني منك وأي تبرير أبرر !
وتشاكسني إمعاناً في عفويتها ومزاحها اللذيذ ، حيناً تتصلُ بي وأنا في الكليّة فتقول " عفواً هذا جوال عبدالله ؟ " فأقول خطأ ، فتغلق السماعه .. هكذا جنونٌ لا أكثر
وتصِلني رسائلها وأنا في القاعة: " ركز مع الدكتور لا يفشلك مثل ذاك اليوم " .. فأشعر أن الدكتور الآن يرى ضحكاتي !
ياللشقيّة والشيطنة الأمتع !
آخرُ مباراةٍ للهلال والنصر كانت تنحازُ للنصر لأول مره ! فقط لتغيظني .. علِمت أني هلاليٌ متعصب فأرادت مشاكستي ليس أكثر ..
تراسلني مع كل هجمه ، مع كل هدف .. تتعمد استفزازي فأضحكْ ..
حين انتهت المباراة بفوز النصر وجاء مسجها " فازوا لأن سارونه تشجعهم " ابتسمتُ وتركتُ الغضب لفهد المتعصب .. لم تعد هذه المباريات من يشغلني !
ليستْ كما يصفُ فهد .. هي أطهرُ وأنقى بكثير من تلك الأحاديث التي يرويها لنا عن النساء ..
همومها ملائكيتها براءتها كل شيء منها يأتي طبيعياً دون تكلف ..عفويةٌ للحد الذي جعلني أنقِمُ على فهد نظرَتهُ السيئة لها ولغيرها ..!
كل كلمةٍ منها أرويها لفهد .. يفسرها بعيداً بعيدا !
كل تصرفٍ تقومُ به وأرويه لصديقي ذات ثرثرة ، يمارسُ معه التأويل الشيطانيّ وأشعر أنها أطهرُ مما يُقال بحقها فأغضب سراً في نفسي ..
حتى بت أخيراً لا أقص لفهد خبري معها ..
نتحدثُ بالمودة .. باللطافة .. يروحُ ليلنا نجوى واهتماماً ببعضنا .. تحدثني عن حبها للوقت الذي تقضيه معي وأحدثها بذلك ..
جريئةٌ أحياناً على العكس مني.. نشأتُها وتربيتها التي تلقتها منذ الصغر علمتها أن تكون واثقةً تأتي بما لا أستطيعُ الإتيان به ..
كنتُ قبل البارحة ، أحدثها عن المذاكرة وقرب الاختبارات النهائية والأدب وكل شيء في مخيلتي .. لكني فقدتُ صوتها .. غابت ولم تشاركني الحديث ..
قلتُ لها " ألو تسمعيني ؟ " ردت بصوتٍ خادر ألهب فيني ما ألهب حتى جزِعت :
- "اي معاك .. ياخي صوتك يجنن "
هكذا ببساطة ضربتْ بحديثي كل حوائطها .. فقط كانتْ تصغي لي بشغف .. انفصلتُ عن الدنيا !!
تعرفُ جيداً متى تخفف عني .. متى تسليني .. وتعرفُ جيداً متى تُحضر " شيطنتها " فتلغيني تماماً !
تحدثنا إلا عن الحب .. عن المشاعر .. نقتربُ تلميحاً ليس أكثر
هل أحبها ..؟ أم أني أعتادُها وأدمنتُ الثرثرة لا أكثر ؟!
هل الحب أسمى من احاديث هاتفيّه و كتابات نزرعها في صندوق الوارد لبعضنا .. هكذا سمعتهم يسخرون و هكذا قالوا !
الحب هناك.. في المجتمعات المتفتحة ..حيث يلتقي الشاب بفتاته كل مرة ، ليسا أسيرين خلف هواتفهم يبثّان بعضهما الحديث !
لا ليس حباً .. الحب هوَ ..
الحب هوَ .. حسناً لا أدري .. ما هو الحب ؟
أليس اتصالاً روحياً قبل أن يكون فيزيائياً وانجذاباً متبادل، أليس هو المشاعر الصادقة أياً كانت مقروءة مكتوبة مسموعه ..
أليس الحب هو الإهتمام المشترك والغيره والإرتياح حين يحدثك من تحبه ..
هل الحب غامضٌ لهذا الحد ولا يُكشف بسهولة !
ألم يقل الصينيّون القدماء : شيئان لا يختبئان ، الحب و العطر !
لماذا أحياناً تقول لي " تدري؟ بديت أكره فهد! كل ما كلمتك لقيتك عنده "
ولماذا حين نمتُ البارحة باكراً ولم أكلمها إلا في الغد، كانت مُستفَزةً جداً ! لم تبيّن غضبها لكن لم أستطع لمدة نصف ساعه أن أعيدها لطبيعتها ..
كانت كاللبوة الشرسة .. كل شيء " لا أدري .. ما فيني شي .. إلا طبيعيه ونص " ، كانت غاضبة ،
قبل أن تنهي المكالمة قالت " لا تكررها " !
إذاً لماذ كل هذا ..
ولماذا حين تحدثني حتى عن شقيقها تركي بإعجاب .. أشعرُ بالإستياء !
ولماذا حينَ أتذكرُ قدوم الصيف ورحيلهم لفرنسا .. أبدأ الخوف وأتمنى لو توقفتِ الدنيا عن إحضار أيامها القادمة ..
قررتُ الليلة أن أعرف من أنا ..أن أسألها عن كل هذه الأسئلة التي تعمر رأسي دون جواب ..
من أنا بالنسبة لك يا سارة .. صديق ، أخ ، تسلية وقتل فراغ ليس أكثر .. أم ماذا
فهد يوصيني بالكذب واختلاق القصص لأكون في عينها الرجل الأول ! لم أعمل بنصيحته معها ..
عملتُ بنصيحته معه هو .. كلما راح يسألني كنت أكذب :
- لا ، لم أعد حريصاً على مهاتفتها كالسابق ! شيء في داخلي يافهد يُشعرني أن الأمر مجرد مراهقة لا أكثر !
يسألني هل طلبتَ منها موعداً خاصّا ..فأقول زوراً ، نعم ! لكنها هذه الفترة مليئة بالظروف المُعيقة لخروجها
صرتُ أكذب على أستاذي ، لم أشأ أن احدثه بكل ما في رأسي من تساؤلات وانجذاب حاد ..
لكني نحلتُ هذه القصة كذباً لصديقٍ في الجامعه .. أخبرتهُ عن صديقٍ لي يهاتف فتاة ، يشعر أنه يغار عليها يمتليء بتفاصيلها يفكر فيها كل يوم ..
قال لي :
- الله يعينه .. الأمر خرج عن السيطرة !
وصفنْتُ قليلا ً .. وابتسمت وأنا أشتم هذا الوغد المُدرك .. نعم يبدو أن الأمر خرج عن السيطرة حقاً يافهد !
في المساء كانت سارة تستعد للذهاب لزواج صديقتها " منال " .. حكاية منال طويلةٌ جداً ، قصّتها عليّ في ساعةٍ كاملة ملمةً بكل التفاصيل الدقيقه ..
كيف أنها أحبت منصور في الخفاء .. سراً .. والآن بعد عام ها هي تُزف له !
حسدتُ منصور ومنال ، وشعرتُ أن سارة تريدُ أن تقول أكثر !
حدثتني حتى عن فستانها الليمونيّ الذي ستخرجُ به الآن للقاعة .. شعرتُ أنها جميلة متألقة.. تعشقُ نفسها وتدرك كم هي جميلة .. في نبرتها نرجسيةٌ مبررةٌ تماماً !
سألتها عن تفاصيل الفستان .. يا للأبله !
راحت ببراءة تشرحُ مصطلحاتٍ لم أفهمها ، آخر من يفهم في ملابس النساء أنا لكني فقط كنتُ أدفع الحديث لأسمع فاتنتي ..
إلتقطتْ أذني كلمة وحيدة " عاري " .. قالتها كأي طفلةٍ تقول ما لا تعنيه تماماً ..راحت تواصل كما لو لم تقل شيئاً ..
لكني بقيتُ عند هذا التفصيل مطولا ً .. وكان إبليس يقفُ معي في ذات الوقت !
الساعة الآن تدق منتصف الليل تماماً .. بالتأكيد ترقصُ سمرائي الآن في القاعه وتمازح صديقاتها اللواتي قالت لي عنهنّ :
لم أر البعض منهن منذ الثانوي ..
بالتأكيد كل العيون هناك على سارة .. ستكون حديث المجتمع الراقي هناك ومن يدري ، ربما فُتنت بها أمٌ لولدها
شعرتُ بالغيره قليلا ً ثم ابتسمتْ مجدداً من بلاهتي ..
تجرأتُ فكتبتُ لها مسجاً لا أدري ما عواقبه ،
أرسلتُ لها مسجاً انطلق من حيّنا المتواضع ، ليصلَ هناك في جوالها وسط المكان الفرائحيّ الفخم :
- " حظ المكان .. و حظ منهم حواليك ، و حظ العيون اللي تناظر عيونك .. فيصل"
دقيقتين و رنّ هاتفي يحملُ رداً من تلك القاعة الأثيرة ليرنّ في غرفتي المتواضعه:
" يا ليتني ويّاك عن زحمة الناس ، هذي الخلايق ما تعوّض مكانك ..ساره "
أليس نوعاً من اضطراب السلوك والهيستيريا ..
أن تقرأ بيتاً واحداً ..
ثلاثين مرة !
صباحي في الجامعه ، ظهري قيلوله ، العصر أفرّغه للقراءة أو المذاكرة ..
في المغرب وقتُ القهوة العائلية .. أمي أبي والموجود من شقيقاتي أو أشقائي ..
بعد العشاء أتوجه للشقة ..
أقضيها مع فهد والأصدقاء دفعاً للوقت حتى يأتي موعدي اليومي الأهم !
فإذا أتت الساعة الثانية عشرة بتوقيت قلبي ..
ودقت مخبرةً أنها ال12 منتصف القلب/الليل ..
جاءت معذبتي في غيهبِ الغسقِ .. يرن الهاتف فأقوم من بين الأصدقاء متجها للبيت وهي معي ..
أدخلُ البيت وهي معي .. أحدثها طويلاً طويلاً .. تمر الساعات دقائق ، تحل الثالثة فجراً بسرعه وهي معي ..
فأودعها لأنام 5 ساعاتٍ أحلمُ فيها غالباً أحلامي اللذيذه !
ياللغرابة أيها الليل الطويل ...
ألم تكنْ ثقيلاً عليّ قبل ساره .. مابالك الآن صرتَ سريعاً كأنما تنازلتَ عن ساعاتك الكاملة ورضيتَ أن تكون أنصافاً وأرباع !
تركضُ حثيثاً ..منطلقاً لتقرعَ كوخَ الصباحِ أنْ هيّا تعال وأخبرِ الشمس ان تصحو ...
كان بيني وبين الثالثةِ ما أخالهُ أيام .. وكنتَ يا ليلُ قوياً جداً بما فيه الكفاية لتزرعني بالسأم واليأس كل أرق ..
مابالُك الآن صرت وادعاً .. كومضة برقٍ لا تكاد تلمع حتى تتوارى !
آه يا أنيسة الظلام وقيثارة الليل ياساره ..
حديثكِ لا شيء إلا قناديلَ تقتلُ هذا الليل بأنوارها المتكاشفة ..
تملئينهُ صخباً وهو الذي عوّدني أن يأتي ساكناً رتيباً لا يُطاق !
..كنتُ إذا أرقتُ استعنتُ عليه بكتاب أديب ..وفيلماً لنجمٍ شهير .. فلا يكادُ يغني كل ذلك عني شيئاً ..
الآن .. لم يعد هذا الليل إلا قصيراً هشّاً لا يتسطيعُ مضايقتي .. صرتُ بكِ أقوى وعرف قوّتي فصار لا يواجهني طويلاً ..
يهربُ نحو الصباح بسرعه، كـ مستجير !
ولدتِ في باريس ذات صيفٍ عائلي ، وُلدتِ يا عطراً قدِم للدنيا من عاصمة العطور ..
و ولدتُ أنا بين بيوت الطين في قريةٍ لم تعرف المستشفيات بعد !
وربيتِ بين بيروت و تركيا و ميونخ يومَ عمِل أبوك هناك لسنتين ، وربيتُ بين نخيلنا ونعاجنا أسمعُ بالسياحةِ فأحسبها كلمةً ترادفُ الفلاحة !
أتحسبينكِ تواسينني حين تقولين لي " والله يا فيصل طفولتك أتمناها " !
بربكِ ماذا تتمنين ؟ شمساً لاهبة وبرداً زمهريراً لا ربيع نعرفهُ ولا فصل آخر ! نمشي حفاةٍ على الطرقاتِ كأننا والشمس أصدقاء لم تعد تؤذينا !
تلحّين أن أتحدث لكِ عن المزارع والسواقي والقُرى .. وتصغين بإهتمام .. هل بلغَ بكِ النبلُ هذا المبلغ أن تتعاضدي معي لتشعريني أن حياتي سعيدةٌ مثلك !
أم أنكِ تهزأين ..
وأطلب منكِ الحديث عن مصائفكم العالميّة فتقولين " كآبه وربي ، عارف يافيصل ؟ أحسدك على الكلام اللي أسمعه "
تحسديني على ماذا يا ذات الصوتِ الأشبه بغناء ؟! بربكِ من يحسد من ؟!
تملكين كل أدوات الغرور وتمارسين التواضع ..
كنا نخمّن دروب الأنثى : يُعجبها الأسلوب .. لا الضحك ..بل الجرأة .. وقال مجيد الحلاق : المال !
لكن لو أردتُ تخميناً لأهم صفاتِ الأنثى كي تُمارسَ أسرَ قلب / لن أقول الجمال .. ولا الرشاقة والفتنة .. كل هذا زائف يقتلهُ الوِصال !
الشخصية هي من يبقى ويدوم..
شخصية سارة المتواضعه الودوده المازحة اللامبالية حيناً والصارمة أحياناً .. تجعلها تتنامى في ذاكرتي .
بتنا كتاباً مفتوحاً لبعضنا .. تحدثني بطلاقة عن سلمان و فهد وشقيقاتي .. كأنما من فرطِ ما أشركتُها في تفاصيلي صارت جزءاً مني !
أسألها عن أختها الكبرى " رحاب " وزوجها كل يوم .. أعرفُ صميم مشاكلهم .. أدخلتني ساره في كل مايحيطُ بها ..
وتروحُ تشتم زوج أختها .. وأشاركها الشتم تعاضداً .. لا أدري أكان ظالماً أم مظلوماً .. سامحني يازوجَ رحاب !
وحين يتأخرُ اتصالها أو إجابتها على الهاتف .. تعتذرُ لتقص عليّ ما أشغلها بالتفصيل الممل .. " شقيقي جاء بعشاءٍ للتوّ وجلس معي في الغرفه لم أستطع الرد "
فأحسدُ تركي .. شقيقها المحظوظ ! وأقول لها مستحثاً حديثها " أكيد تركي أفضل من هذرتي " فتقول ضاحكةً " طيب ما رأيك أني مثلت النعاس حتى يخرج فأتصل "
فأستحيلُ شخصاً آخر .. ملكٌ يرفلُ في علياء مجده !
تعرفُ أسماء أدوية أمي .. وأوقاتها !
تعرفُ جنون فهد وأقص لها عنهُ فتشرق بالضحك .. وتعرفُ مهارة سلمان في العود وتسألني ها ماذا غنى لكم اليوم !
أخبرتُها صادقاً في كل شيء وكذبتُ في واحدة .. قلتُ لها أن والدي متقاعدٌ من التعليم ، خجلتُ أن أقول لها أن والد فيصل " بوّاب مدرسة " !
منذ كذبتي هذه ، كلما وقعتْ عيني على والدي كادحاً من الصبحِ أشعرُ بسكينٍ تُزرع في صدري ..
أرجوك سامحني أبي ! واللهِ أنت أعظمُ الرجال في عيني .. ولكن كيف أشرحُ لك وماذا ينقذني منك وأي تبرير أبرر !
وتشاكسني إمعاناً في عفويتها ومزاحها اللذيذ ، حيناً تتصلُ بي وأنا في الكليّة فتقول " عفواً هذا جوال عبدالله ؟ " فأقول خطأ ، فتغلق السماعه .. هكذا جنونٌ لا أكثر
وتصِلني رسائلها وأنا في القاعة: " ركز مع الدكتور لا يفشلك مثل ذاك اليوم " .. فأشعر أن الدكتور الآن يرى ضحكاتي !
ياللشقيّة والشيطنة الأمتع !
آخرُ مباراةٍ للهلال والنصر كانت تنحازُ للنصر لأول مره ! فقط لتغيظني .. علِمت أني هلاليٌ متعصب فأرادت مشاكستي ليس أكثر ..
تراسلني مع كل هجمه ، مع كل هدف .. تتعمد استفزازي فأضحكْ ..
حين انتهت المباراة بفوز النصر وجاء مسجها " فازوا لأن سارونه تشجعهم " ابتسمتُ وتركتُ الغضب لفهد المتعصب .. لم تعد هذه المباريات من يشغلني !
ليستْ كما يصفُ فهد .. هي أطهرُ وأنقى بكثير من تلك الأحاديث التي يرويها لنا عن النساء ..
همومها ملائكيتها براءتها كل شيء منها يأتي طبيعياً دون تكلف ..عفويةٌ للحد الذي جعلني أنقِمُ على فهد نظرَتهُ السيئة لها ولغيرها ..!
كل كلمةٍ منها أرويها لفهد .. يفسرها بعيداً بعيدا !
كل تصرفٍ تقومُ به وأرويه لصديقي ذات ثرثرة ، يمارسُ معه التأويل الشيطانيّ وأشعر أنها أطهرُ مما يُقال بحقها فأغضب سراً في نفسي ..
حتى بت أخيراً لا أقص لفهد خبري معها ..
نتحدثُ بالمودة .. باللطافة .. يروحُ ليلنا نجوى واهتماماً ببعضنا .. تحدثني عن حبها للوقت الذي تقضيه معي وأحدثها بذلك ..
جريئةٌ أحياناً على العكس مني.. نشأتُها وتربيتها التي تلقتها منذ الصغر علمتها أن تكون واثقةً تأتي بما لا أستطيعُ الإتيان به ..
كنتُ قبل البارحة ، أحدثها عن المذاكرة وقرب الاختبارات النهائية والأدب وكل شيء في مخيلتي .. لكني فقدتُ صوتها .. غابت ولم تشاركني الحديث ..
قلتُ لها " ألو تسمعيني ؟ " ردت بصوتٍ خادر ألهب فيني ما ألهب حتى جزِعت :
- "اي معاك .. ياخي صوتك يجنن "
هكذا ببساطة ضربتْ بحديثي كل حوائطها .. فقط كانتْ تصغي لي بشغف .. انفصلتُ عن الدنيا !!
تعرفُ جيداً متى تخفف عني .. متى تسليني .. وتعرفُ جيداً متى تُحضر " شيطنتها " فتلغيني تماماً !
تحدثنا إلا عن الحب .. عن المشاعر .. نقتربُ تلميحاً ليس أكثر
هل أحبها ..؟ أم أني أعتادُها وأدمنتُ الثرثرة لا أكثر ؟!
هل الحب أسمى من احاديث هاتفيّه و كتابات نزرعها في صندوق الوارد لبعضنا .. هكذا سمعتهم يسخرون و هكذا قالوا !
الحب هناك.. في المجتمعات المتفتحة ..حيث يلتقي الشاب بفتاته كل مرة ، ليسا أسيرين خلف هواتفهم يبثّان بعضهما الحديث !
لا ليس حباً .. الحب هوَ ..
الحب هوَ .. حسناً لا أدري .. ما هو الحب ؟
أليس اتصالاً روحياً قبل أن يكون فيزيائياً وانجذاباً متبادل، أليس هو المشاعر الصادقة أياً كانت مقروءة مكتوبة مسموعه ..
أليس الحب هو الإهتمام المشترك والغيره والإرتياح حين يحدثك من تحبه ..
هل الحب غامضٌ لهذا الحد ولا يُكشف بسهولة !
ألم يقل الصينيّون القدماء : شيئان لا يختبئان ، الحب و العطر !
لماذا أحياناً تقول لي " تدري؟ بديت أكره فهد! كل ما كلمتك لقيتك عنده "
ولماذا حين نمتُ البارحة باكراً ولم أكلمها إلا في الغد، كانت مُستفَزةً جداً ! لم تبيّن غضبها لكن لم أستطع لمدة نصف ساعه أن أعيدها لطبيعتها ..
كانت كاللبوة الشرسة .. كل شيء " لا أدري .. ما فيني شي .. إلا طبيعيه ونص " ، كانت غاضبة ،
قبل أن تنهي المكالمة قالت " لا تكررها " !
إذاً لماذ كل هذا ..
ولماذا حين تحدثني حتى عن شقيقها تركي بإعجاب .. أشعرُ بالإستياء !
ولماذا حينَ أتذكرُ قدوم الصيف ورحيلهم لفرنسا .. أبدأ الخوف وأتمنى لو توقفتِ الدنيا عن إحضار أيامها القادمة ..
قررتُ الليلة أن أعرف من أنا ..أن أسألها عن كل هذه الأسئلة التي تعمر رأسي دون جواب ..
من أنا بالنسبة لك يا سارة .. صديق ، أخ ، تسلية وقتل فراغ ليس أكثر .. أم ماذا
فهد يوصيني بالكذب واختلاق القصص لأكون في عينها الرجل الأول ! لم أعمل بنصيحته معها ..
عملتُ بنصيحته معه هو .. كلما راح يسألني كنت أكذب :
- لا ، لم أعد حريصاً على مهاتفتها كالسابق ! شيء في داخلي يافهد يُشعرني أن الأمر مجرد مراهقة لا أكثر !
يسألني هل طلبتَ منها موعداً خاصّا ..فأقول زوراً ، نعم ! لكنها هذه الفترة مليئة بالظروف المُعيقة لخروجها
صرتُ أكذب على أستاذي ، لم أشأ أن احدثه بكل ما في رأسي من تساؤلات وانجذاب حاد ..
لكني نحلتُ هذه القصة كذباً لصديقٍ في الجامعه .. أخبرتهُ عن صديقٍ لي يهاتف فتاة ، يشعر أنه يغار عليها يمتليء بتفاصيلها يفكر فيها كل يوم ..
قال لي :
- الله يعينه .. الأمر خرج عن السيطرة !
وصفنْتُ قليلا ً .. وابتسمت وأنا أشتم هذا الوغد المُدرك .. نعم يبدو أن الأمر خرج عن السيطرة حقاً يافهد !
في المساء كانت سارة تستعد للذهاب لزواج صديقتها " منال " .. حكاية منال طويلةٌ جداً ، قصّتها عليّ في ساعةٍ كاملة ملمةً بكل التفاصيل الدقيقه ..
كيف أنها أحبت منصور في الخفاء .. سراً .. والآن بعد عام ها هي تُزف له !
حسدتُ منصور ومنال ، وشعرتُ أن سارة تريدُ أن تقول أكثر !
حدثتني حتى عن فستانها الليمونيّ الذي ستخرجُ به الآن للقاعة .. شعرتُ أنها جميلة متألقة.. تعشقُ نفسها وتدرك كم هي جميلة .. في نبرتها نرجسيةٌ مبررةٌ تماماً !
سألتها عن تفاصيل الفستان .. يا للأبله !
راحت ببراءة تشرحُ مصطلحاتٍ لم أفهمها ، آخر من يفهم في ملابس النساء أنا لكني فقط كنتُ أدفع الحديث لأسمع فاتنتي ..
إلتقطتْ أذني كلمة وحيدة " عاري " .. قالتها كأي طفلةٍ تقول ما لا تعنيه تماماً ..راحت تواصل كما لو لم تقل شيئاً ..
لكني بقيتُ عند هذا التفصيل مطولا ً .. وكان إبليس يقفُ معي في ذات الوقت !
الساعة الآن تدق منتصف الليل تماماً .. بالتأكيد ترقصُ سمرائي الآن في القاعه وتمازح صديقاتها اللواتي قالت لي عنهنّ :
لم أر البعض منهن منذ الثانوي ..
بالتأكيد كل العيون هناك على سارة .. ستكون حديث المجتمع الراقي هناك ومن يدري ، ربما فُتنت بها أمٌ لولدها
شعرتُ بالغيره قليلا ً ثم ابتسمتْ مجدداً من بلاهتي ..
تجرأتُ فكتبتُ لها مسجاً لا أدري ما عواقبه ،
أرسلتُ لها مسجاً انطلق من حيّنا المتواضع ، ليصلَ هناك في جوالها وسط المكان الفرائحيّ الفخم :
- " حظ المكان .. و حظ منهم حواليك ، و حظ العيون اللي تناظر عيونك .. فيصل"
دقيقتين و رنّ هاتفي يحملُ رداً من تلك القاعة الأثيرة ليرنّ في غرفتي المتواضعه:
" يا ليتني ويّاك عن زحمة الناس ، هذي الخلايق ما تعوّض مكانك ..ساره "
أليس نوعاً من اضطراب السلوك والهيستيريا ..
أن تقرأ بيتاً واحداً ..
ثلاثين مرة !
يتبع...