12
- في تركيا يافيصل تكون نهايات الأسبوع أعياد العشاق .. الأمرُ بالتأكيد يختلفُ عن هنا ..
في تركيا يسيرُ الشاب والفتاة ممسكَين بيد بعضهما دون لوم لائم .. هنا تتلصّصون اللقاءات !
مجيد ، حلاّقي التركي ، أزورهُ كل عشرة أيام وأسلمهُ دقني وسمعي ..
أستطيبُ أحاديثه فينطلقُ مستطيباً إصغائي ، يروحُ متحدثاً عن تركيا عن الثلج عن فتياته التي أحب وهجرنَه للزواج !
- مجيد كم أحببت من مره ؟
- أوووه كثير
- كم فتاةً عرفت ؟
- أووهوووه كثير
- مارأيك إذاً ؟!
- البنات واللهِ ما إلهم قلوب يا فيصل !
مسكين، يبدو أن حظهُ هناك كان عاثراً مع الجنس الآخر لذا هرب عنهنَ إلى عاصمةٍ تحجبُ النساء ..
- أحببتُ واحدةً من أنطاكيّه ، أنطاكيا بلد الجمال كما تعرف ، وأحبتني .. اتفقنا على الزواج ..
عمِلتُ صباحاً مع والدي وليلاً عند صديقه ، سنتين لم آخذ فيهنّ أي إجازة سوى أيام العيد ..
أتعرف متى أخذتُ إجازةً طويله عن الشغل ؟ حين علِمتُ أن زواجها بعد أسبوع من أحد أبناء التجار هههههه !
قالها ضاحكاً .. لكن بالتأكيد كان يتألم ، شعرتُ بذلك حين أخذهُ حماس الحديث فحرفَ الشفرة قليلاً وأدمى رقبتي !
راح يعتذر ويضع القُطن والمعقّم وهو يتمتمُ بما يبدو أنها شتائم تركيّه ، من يدري ربما كان يلعن النساء !.. وكنتُ أبتسمُ من بلاهته!
- أنتمْ تستهويكم العواطف وأحاديث الحب والمشاعر الدافئه .. لهذا نجحتْ عندكم أعمال الدراما الرومانسية التركيّة وفشلت هناك.
تذكرتُ " لميس " التي لا شيء بالنسبة لساره!
شعرتُ أنه مزهوٌ بفنهم فأردتُ إغاظته :
- يجب أن تعلم أن كل ممنوعٍ مرغوب، تلك الأعمال التركيّة تفتقدُ للإقناع لكن جذبت الناس بمواضيعها التي لا يُمكن أن تُعاش هنا !
أترى يامجيد هذه المرآة التي أشاهدها الآن في صالونك للمرة الألف ولا أعبأ بها ..صدقني وأنا هنا أعني جيداً ما أقول :
لو وضعتَ عليها لوحة " ممنوع اللمس " ، لكنتُ أمنّي نفسي بخروجك قليلاً لأمرر يدي عليها هههه !
- هههههه شيطان
- لا لستُ شيطاناً يا صديقي لكن حين تُريد ترويج الشيء تحدثْ عن منعه !
-حسناً، في امستردام عاصمة المخدرات والجنس لا يُمنع شيء ، ويبقى للأنثى سطوتها ، تصنف ضمن أعلى معدلات حالات التحرش والإغتصاب !
شعرتُ أنه دحض كل حججي ونسف ماتفلسفتُ به !
قلتُ له وأنا أعطيه الحساب زائداً فيه خمس ريالاتٍ أخرى لأني سعيد وأشعر بالغبطة ..
- بالمناسبه مجيد ، ما هيَ الطريقة ُ المثلى لقلب المرأة / الإضحاك ، اللباقه ، الجمال ..
قاطعني على الفور وهو يحرك النقود التي أعطيتهُ في الهواء :
- المال ! "ما معك اي والله تاكلها على راسك " !
يا ألله ، محتقنٌ جداً مجيد الحلاق ، لو كان كاتباً لأتى بأشد ما أتى بهِ أنيس منصور !
13
ليلاً كانت الرياض هادئةً كعادتها ليالِ السبت المضجرة ..
تنامُ على وسادة الصمتِ ما عدا تلك الشقة المملوءة بالأصدقاء السامرين ..
أخالُ سكان الرياضِ يصِلهمْ ضجيجُنا لشدة ما كانوا غارقين في ليلِ السكون المطبق !
وفهد هذا المجنون ..!!
بصوتهِ الثقيل وعينهِ الحمراء يهتفُ للأصدقاء كما لو كان يُذيع بشرى ، يُشيرُ ناحيتي بسبابةٍ مترنحة وهو يضحك :
- هذا ، ترى عنده موعد بكره هههه
لم أُرِد لغير فهد أن يعرف سري .. امتعضتُ من هفوتِه وخرق العهد المبرم بيننا .. أخذتُ من يدهِ قارورة الماء التي ليست ماءاً على أي حال ، ونهرته :
- توقف أرجوك ، ستقود سيارتك للبيت بعد قليل ! يكفي بدأتَ تهذي
كنتُ أحدثهُ محتقناً تفضحني نظراتي ..
أدركَ غضبي بما تبقى فيهِ من قليل الوعي ، وراح يُجيب الأصدقاء المتسائلين :
- موعد في مستشفى الشميسي ، صح فيصل!
- نعم .. عيادة الروماتيزم ، أمي !
ثم سقط على الأرض نائماً وأنا أتأملهُ لاعناً الغباء الذي يجعلني أئتمنُ أمثالهُ على أسراري !
إنهمكَ سلمان في دوزنة العود طويلاً كأنما يختبرُ صبرنا ونحن نهتف به متعجلين .. كان أبرعنا في العزف وأجملنا صوتا ـ
بدأ يغني كما طلبت منه :
" دنيا حظوظ دنيا حظوظ والله رمى حظي معاك "
سماعُ الأغاني عبر التسجيل ليس أبداً كسماعهِ مباشرةً في قلب الحدث ..
يستخفّك الطرب فتبدأ التصفيق والرقص والتصفير وصيحات الإعجاب ، مع أنّك ترفضُ كل هذه الأفعال حين تشاهدها على الشاشة من جمهورٍ متحمس !
لم يُدركِ سلمان ولا صالح ولا محمد سر تحوّلي الواضح من الكلاسيك العربي إلى الطرب المحليّ الحديث !
كنتُ دائماً ما أقترحُ على سلمان غناء أعمال أم كلثوم وعبدالوهاب فيؤديها قليلاً ثم يبدأ فهد ناقداً :
- نووووم جبتوا لنا النوم ! هات شي يحرّك الدم
لكن هذه المرة .. الوضع اختلف !
كنتُ أطلبُ من سلمان أداء أغنياتٍ لراشد لرابح لعبدالمجيد .. أحدّدها بالإسم على وجه الدقه ..
لو كان فهد الآن بيننا يقِظاً لأخبرهم أن سر التحوّلِ ســاره !
ساره ..
أوّاه يا حديثَ القلب السعيد .. يافراشةً ترقصُ في زوايا الروح بألوانٍ براقة ..
تُرى ماذا يخبيء لي الغد معكِ هناك في متجر ماجد !؟
قال لي فهد حين سمِع بخبرِ الموعد في الغـد:
- برافو ، إنما كن حريصاً على تركِ إنطباعٍ أهمّ من المرة الأولى !
- لا ماعليك ، تلميذك النجيب سيبهرك !
- ثمّ كأني أُشاهدك تدخل المحل بيدٍ خالية ! إنتبه
- لا تخف ، معي " بين القصرين "
رمى إليّ بنظرةٍ متسائلة ، أخبرتهُ أن هذا اسم الكتاب الذي طلبَتهُ مني !
راح يهزّ رأسه وكأنه يقول يا للأسى :
- بين القصرين ، بين البيتين ، شغل الثقافه هذا ما يمشي معي ..
لا تأتي خالي اليدين يعني أحضر لها هديّة ، ستكون مغفلاً إن لم تُهدِها شيئاً ولربما تركتك !
تأكد يافيصل أنّ لديها العديد من الصديقات ذواتِ التجارب السابقة ، ستُقارن بكَ أصدقاء صديقاتها فلا تكن بخيلاً
ثم راح بصوتٍ ساخر يقلد نبرتي وهو يخرج :
- تلميذك النجيب ! تلميذك النجيب ! .. "أمحق تلميذ"
كنتُ أحضرتُ لها سِلسالاً كلّفني 400 ريال !
فكرت: ربما أسوأ ما ترتديه من حليّ وجواهر يفوق الآلاف .. لا لا ياللفكرة الرديئة، أعدتُ السِلسلال للمتجر وقبضتُ نقودي !
ابتعتُ لها عطراً نسائياً جميلاً ، علقتُ عليه أجمل صوري التي أُحب ،
مع بطاقةٍ كتبت فيها " إلى ساره .. مع كل الود ! "
طلبتُ من عامل التغليف في محل الهدايا أن يُتقن عمله وانصرفتُ جاهزاً لموعدي ..
أعد ساعاتِ الليل الطويل
14
اسبوعين لم أزر ماجد .. منذ تلك الصدفة العابرة مع ساره حين رأيتُها أولَّ مرةٍ وأهديتها رواية الأبله ..
كنتُ لئيماً بحق ..تركتُ زيارته ولم أعُد ، أشغلتني السمراء عنه !
بعد أن صافحتهُ وتجاذبنا أطراف الحديث أخبرتهُ أنها قادمةٌ لتأخذ مني كتاباً آخر !
قال لي
- حققتَ بُغيتك ثم نسيتني من الزيارة ، والآن عُدتَ لأجلها فقط !
أووه يا ماجد يا صديقي ليس هذا وقت العتب ..
- صدقني ، انشغلتُ باختباراتي ، أنتَ تعلم جيداً أن هذه ليست من خِصالي !
- ومتى قالت لك ستحضرْ ؟!
نظرتُ إلى الساعة .. كانت الخامسة والربع ، بقي على مجيئها ربع ساعه فقط :
- الخامسة والنصف ، لكن يا ماجد افعلْ كما اتفقنا ..
- لا تخف ، إنما أرجوك ولا تغضب مني يا فيصل ، هذه آخر مرةٍ تطلب مني هذا الطلب !
اللعنه عليك وعلى محلك !
ألستَ سعيداً حين تأتي مشعشعةً كالشمس تُشرق على حواسيبك وطوابعك وحتى صلعتك !
لكَ الفخر أن تطأ قدميها هذا المكان الرديء !
راح يصرّ :
- الرياض من أكبر المدن في العالم ، أوجِد لها ولك مخبأً غير هذا المكان ، أرجوك ..
- أووه ماجد حسناً حسناً .. لا توتّرني بربك
اليوكن الفيراني يتوقف ..
تنزلُ ساره.. تطأ الأرض بقدميها كأنما تمشي على عشب صدري ..
هذه المرة ليس مجيئها لأجل جهازها ولا فايروساته ولا أي شيء في هذا المحل، غيري !
يا للحظ السعيـد من كان يصدق !
توارى ماجد في مستودعهِ لآخر مره كما وعدته ..
أصواتُ الدناديش تغردُ أنْ جاء الموعدُ ياصديق الإنتظار !
أيها "الصابرُ" تغفو .. تذكرُ " الوعد " وتصحو .. ها قد أقبلت ْ
أتحلّى عينيها التي تُرسل شواظاً من نار فتنه .. ويديها السمراوتين منقوشاً عليها الحناء السيرالي ..
تضعُ لثمةً كأنما هيَ لصةٌ جاءت علانيةً لسرقة قلبي !
على جبهتها النديّة تنسل خصلة شعر تمارس العبث بي .. كلما تحركت مع طرفِ عينيها شعرتُ بقلبي ينبض مرتين دفعةً واحدة !
- مساء الخير فيصل ..
- مساء النور ساره ..
في زاويةِ المحل خلف دولابٍ يمتلأ بالسيديهات وقفتُ ممسكاً بيدها ..
لم تسحبْها إنما شعرتُ بحمرة الخجل تتسلقُ ملامحها ..
كانت تنظرُ للبابِ مخافة أن يُفتح ..
وكنتُ قد تركتُ كل هذا العالم وأنظر لعينيها فقط !
دقيقةُ صمتٍ مرت ..
مرت كأنما هيَ وقفةُ حِدادٍ على روح ذلك الأبله الذي مات وانبعث جريئاً للحياة مرةً أخرى !
سلّت يدها ببطء وقدّمت لي كيساً وردياً لا أدري ماذا يحوي وكنتُ عنه في شُغل!
ذرَعت أرض المحل تخطو للخروج ، لم نتحدث إلا بإلقاء التحايا فقط ،
تقدمتُ لإيقافها ، خشيتُ أن ألفت نظر المارة ، خشيتُ أن أُحرجها أكثر ..
إتكأتُ على الرف وبقيتُ أتأملها مدبرةً والنبض المتسارع أحالني رجلا ً لا يقوى النطق !
قبل أن تغادرني نهائياً وبعد ان ابتعدتْ عني خطواتٍ ثلاث..
قررتْ إطلاق رصاصة الرحمة :
لمْ تفتح الباب وتخرج ، بل هكذا ،
إلتفتت صوبي .. بيني وبينها ثلاثةُ أمتارٍ كاملة ، استجمعت شجاعتها الكامله ..
.. وبكل دهشة هذه الدنيا ..
حسَرَت لثمتها عنها ، وتبدا وجهها كالبدر تاماً !
أرخَتها وسقطت خمائل الشعر على جانبيها دفعةً واحدة كأنما انصبّ عليها صباً ..
ابتسمت لي كاشفةً عن لؤلؤٍ يتخبى بين الجمر..
سوّت عبائتها سريعاً ثم خرجتْ!
غادرتْ .. وبقيَ عبق عطرها يصدح في المكان ..
وجهُها المستدير .. أحالني أخرساً لا يتكلم ، أنظر لماجد ولا أجيب ..
يهزني فأبتسم .. لا شيء أكثر من ابتسامه !
سحقتني وخرجتْ .. سحقتني تماماً !
***
طوال الليل كان هاتفها مغلقاً .. لم تتصلْ ، أردتُ أن أخبرها بشيءٍ مهم !
رحتُ أفتش في هداياها التي أعطتني ،
وجدتُ " دبدوباً " ، ساعةً رجاليّة أنيقة ، شريطاً جمعت فيه كل روائع عبدالمجيد ..
طقم من الفضة يضم: قلماً ومسباحاً وميداليّة .. كتابُ " الأبله " عائداً لمكتبتي بعد أن حج إلى غرفتها ثم عاد !
بطاقة ٌ كتبت عليها :
" إلى العزيز فيصل ، أهديتُك " دودو " أعز ما لديّ ، دبدوبي الذي شاركني دموعي وأحزاني وسريري طوال 4 سنين ..
كن لهُ كما كنتُ أنا ..قبّلهُ نيابةً عني كل ليل "
نظرتُ لـ "دودو" ! وأخذتُ أكلمه كالمجنون :
- يا لك من محظوظ أيها الدب اللعين ، صنعوك في الصين لتعيشَ منعّماً أربع سنين في الرياض !
لا تملكُ إلا أنفاً أحمرَ مضحكا ، وعينين صغيرتين كحبتي حمصٍ محروقة ، وتخلو من قلبٍ يحس ويشعر ..
ثم بعد هذا كله ، تتبوأ المكان الأعز في هذه العاصمة !
تعال ، ليس لأنك جميل ، ولا ناعمُ الملمس والفِراء ..
تعال لأن هناك من يهمني أمرهُ وضع يدهُ عليك .. ها أنا أجسك فيدبّ الشوق في قلبي !
تعال لأن هناك من حضنتك يوماً تبكي ، ها أنا أحتضنك فتسري فيني قشعريرةٌ لستَ تدركها !
تعال أبحثُ بين فِرائك عن دموعها الجافّة لأواسيها بأثرٍ رجعي !
هذه الروائح التي تسكنك ، لم يحقنوها فيك حيث نشأت هناك في مصانع الصين البعيده ،
هذه رائحة سارة .. عطر ساره .. كل مافيك يعبقُ بساره !
ألا لعنة الله عليك أيها الوغد السعيـد
لم تفتح جهازها .. رحتُ أكتب لها هذا المسج لأنام مرتاح الضمير :
" ساره ، أقسم بالله أحضرتُ الكتاب ، وعطراً وصورة ، وعدتُ بهنّ معي إلى البيت !
سامحيني ، نسيتُ في زحمة فرحتي بكِ أن أسلمكِ مااتفقنا عليه ..
لاتلوميني ولومي غمازتيكِ وعينيكِ ودفء يديك .. فيصل "
- في تركيا يافيصل تكون نهايات الأسبوع أعياد العشاق .. الأمرُ بالتأكيد يختلفُ عن هنا ..
في تركيا يسيرُ الشاب والفتاة ممسكَين بيد بعضهما دون لوم لائم .. هنا تتلصّصون اللقاءات !
مجيد ، حلاّقي التركي ، أزورهُ كل عشرة أيام وأسلمهُ دقني وسمعي ..
أستطيبُ أحاديثه فينطلقُ مستطيباً إصغائي ، يروحُ متحدثاً عن تركيا عن الثلج عن فتياته التي أحب وهجرنَه للزواج !
- مجيد كم أحببت من مره ؟
- أوووه كثير
- كم فتاةً عرفت ؟
- أووهوووه كثير
- مارأيك إذاً ؟!
- البنات واللهِ ما إلهم قلوب يا فيصل !
مسكين، يبدو أن حظهُ هناك كان عاثراً مع الجنس الآخر لذا هرب عنهنَ إلى عاصمةٍ تحجبُ النساء ..
- أحببتُ واحدةً من أنطاكيّه ، أنطاكيا بلد الجمال كما تعرف ، وأحبتني .. اتفقنا على الزواج ..
عمِلتُ صباحاً مع والدي وليلاً عند صديقه ، سنتين لم آخذ فيهنّ أي إجازة سوى أيام العيد ..
أتعرف متى أخذتُ إجازةً طويله عن الشغل ؟ حين علِمتُ أن زواجها بعد أسبوع من أحد أبناء التجار هههههه !
قالها ضاحكاً .. لكن بالتأكيد كان يتألم ، شعرتُ بذلك حين أخذهُ حماس الحديث فحرفَ الشفرة قليلاً وأدمى رقبتي !
راح يعتذر ويضع القُطن والمعقّم وهو يتمتمُ بما يبدو أنها شتائم تركيّه ، من يدري ربما كان يلعن النساء !.. وكنتُ أبتسمُ من بلاهته!
- أنتمْ تستهويكم العواطف وأحاديث الحب والمشاعر الدافئه .. لهذا نجحتْ عندكم أعمال الدراما الرومانسية التركيّة وفشلت هناك.
تذكرتُ " لميس " التي لا شيء بالنسبة لساره!
شعرتُ أنه مزهوٌ بفنهم فأردتُ إغاظته :
- يجب أن تعلم أن كل ممنوعٍ مرغوب، تلك الأعمال التركيّة تفتقدُ للإقناع لكن جذبت الناس بمواضيعها التي لا يُمكن أن تُعاش هنا !
أترى يامجيد هذه المرآة التي أشاهدها الآن في صالونك للمرة الألف ولا أعبأ بها ..صدقني وأنا هنا أعني جيداً ما أقول :
لو وضعتَ عليها لوحة " ممنوع اللمس " ، لكنتُ أمنّي نفسي بخروجك قليلاً لأمرر يدي عليها هههه !
- هههههه شيطان
- لا لستُ شيطاناً يا صديقي لكن حين تُريد ترويج الشيء تحدثْ عن منعه !
-حسناً، في امستردام عاصمة المخدرات والجنس لا يُمنع شيء ، ويبقى للأنثى سطوتها ، تصنف ضمن أعلى معدلات حالات التحرش والإغتصاب !
شعرتُ أنه دحض كل حججي ونسف ماتفلسفتُ به !
قلتُ له وأنا أعطيه الحساب زائداً فيه خمس ريالاتٍ أخرى لأني سعيد وأشعر بالغبطة ..
- بالمناسبه مجيد ، ما هيَ الطريقة ُ المثلى لقلب المرأة / الإضحاك ، اللباقه ، الجمال ..
قاطعني على الفور وهو يحرك النقود التي أعطيتهُ في الهواء :
- المال ! "ما معك اي والله تاكلها على راسك " !
يا ألله ، محتقنٌ جداً مجيد الحلاق ، لو كان كاتباً لأتى بأشد ما أتى بهِ أنيس منصور !
13
ليلاً كانت الرياض هادئةً كعادتها ليالِ السبت المضجرة ..
تنامُ على وسادة الصمتِ ما عدا تلك الشقة المملوءة بالأصدقاء السامرين ..
أخالُ سكان الرياضِ يصِلهمْ ضجيجُنا لشدة ما كانوا غارقين في ليلِ السكون المطبق !
وفهد هذا المجنون ..!!
بصوتهِ الثقيل وعينهِ الحمراء يهتفُ للأصدقاء كما لو كان يُذيع بشرى ، يُشيرُ ناحيتي بسبابةٍ مترنحة وهو يضحك :
- هذا ، ترى عنده موعد بكره هههه
لم أُرِد لغير فهد أن يعرف سري .. امتعضتُ من هفوتِه وخرق العهد المبرم بيننا .. أخذتُ من يدهِ قارورة الماء التي ليست ماءاً على أي حال ، ونهرته :
- توقف أرجوك ، ستقود سيارتك للبيت بعد قليل ! يكفي بدأتَ تهذي
كنتُ أحدثهُ محتقناً تفضحني نظراتي ..
أدركَ غضبي بما تبقى فيهِ من قليل الوعي ، وراح يُجيب الأصدقاء المتسائلين :
- موعد في مستشفى الشميسي ، صح فيصل!
- نعم .. عيادة الروماتيزم ، أمي !
ثم سقط على الأرض نائماً وأنا أتأملهُ لاعناً الغباء الذي يجعلني أئتمنُ أمثالهُ على أسراري !
إنهمكَ سلمان في دوزنة العود طويلاً كأنما يختبرُ صبرنا ونحن نهتف به متعجلين .. كان أبرعنا في العزف وأجملنا صوتا ـ
بدأ يغني كما طلبت منه :
" دنيا حظوظ دنيا حظوظ والله رمى حظي معاك "
سماعُ الأغاني عبر التسجيل ليس أبداً كسماعهِ مباشرةً في قلب الحدث ..
يستخفّك الطرب فتبدأ التصفيق والرقص والتصفير وصيحات الإعجاب ، مع أنّك ترفضُ كل هذه الأفعال حين تشاهدها على الشاشة من جمهورٍ متحمس !
لم يُدركِ سلمان ولا صالح ولا محمد سر تحوّلي الواضح من الكلاسيك العربي إلى الطرب المحليّ الحديث !
كنتُ دائماً ما أقترحُ على سلمان غناء أعمال أم كلثوم وعبدالوهاب فيؤديها قليلاً ثم يبدأ فهد ناقداً :
- نووووم جبتوا لنا النوم ! هات شي يحرّك الدم
لكن هذه المرة .. الوضع اختلف !
كنتُ أطلبُ من سلمان أداء أغنياتٍ لراشد لرابح لعبدالمجيد .. أحدّدها بالإسم على وجه الدقه ..
لو كان فهد الآن بيننا يقِظاً لأخبرهم أن سر التحوّلِ ســاره !
ساره ..
أوّاه يا حديثَ القلب السعيد .. يافراشةً ترقصُ في زوايا الروح بألوانٍ براقة ..
تُرى ماذا يخبيء لي الغد معكِ هناك في متجر ماجد !؟
قال لي فهد حين سمِع بخبرِ الموعد في الغـد:
- برافو ، إنما كن حريصاً على تركِ إنطباعٍ أهمّ من المرة الأولى !
- لا ماعليك ، تلميذك النجيب سيبهرك !
- ثمّ كأني أُشاهدك تدخل المحل بيدٍ خالية ! إنتبه
- لا تخف ، معي " بين القصرين "
رمى إليّ بنظرةٍ متسائلة ، أخبرتهُ أن هذا اسم الكتاب الذي طلبَتهُ مني !
راح يهزّ رأسه وكأنه يقول يا للأسى :
- بين القصرين ، بين البيتين ، شغل الثقافه هذا ما يمشي معي ..
لا تأتي خالي اليدين يعني أحضر لها هديّة ، ستكون مغفلاً إن لم تُهدِها شيئاً ولربما تركتك !
تأكد يافيصل أنّ لديها العديد من الصديقات ذواتِ التجارب السابقة ، ستُقارن بكَ أصدقاء صديقاتها فلا تكن بخيلاً
ثم راح بصوتٍ ساخر يقلد نبرتي وهو يخرج :
- تلميذك النجيب ! تلميذك النجيب ! .. "أمحق تلميذ"
كنتُ أحضرتُ لها سِلسالاً كلّفني 400 ريال !
فكرت: ربما أسوأ ما ترتديه من حليّ وجواهر يفوق الآلاف .. لا لا ياللفكرة الرديئة، أعدتُ السِلسلال للمتجر وقبضتُ نقودي !
ابتعتُ لها عطراً نسائياً جميلاً ، علقتُ عليه أجمل صوري التي أُحب ،
مع بطاقةٍ كتبت فيها " إلى ساره .. مع كل الود ! "
طلبتُ من عامل التغليف في محل الهدايا أن يُتقن عمله وانصرفتُ جاهزاً لموعدي ..
أعد ساعاتِ الليل الطويل
14
اسبوعين لم أزر ماجد .. منذ تلك الصدفة العابرة مع ساره حين رأيتُها أولَّ مرةٍ وأهديتها رواية الأبله ..
كنتُ لئيماً بحق ..تركتُ زيارته ولم أعُد ، أشغلتني السمراء عنه !
بعد أن صافحتهُ وتجاذبنا أطراف الحديث أخبرتهُ أنها قادمةٌ لتأخذ مني كتاباً آخر !
قال لي
- حققتَ بُغيتك ثم نسيتني من الزيارة ، والآن عُدتَ لأجلها فقط !
أووه يا ماجد يا صديقي ليس هذا وقت العتب ..
- صدقني ، انشغلتُ باختباراتي ، أنتَ تعلم جيداً أن هذه ليست من خِصالي !
- ومتى قالت لك ستحضرْ ؟!
نظرتُ إلى الساعة .. كانت الخامسة والربع ، بقي على مجيئها ربع ساعه فقط :
- الخامسة والنصف ، لكن يا ماجد افعلْ كما اتفقنا ..
- لا تخف ، إنما أرجوك ولا تغضب مني يا فيصل ، هذه آخر مرةٍ تطلب مني هذا الطلب !
اللعنه عليك وعلى محلك !
ألستَ سعيداً حين تأتي مشعشعةً كالشمس تُشرق على حواسيبك وطوابعك وحتى صلعتك !
لكَ الفخر أن تطأ قدميها هذا المكان الرديء !
راح يصرّ :
- الرياض من أكبر المدن في العالم ، أوجِد لها ولك مخبأً غير هذا المكان ، أرجوك ..
- أووه ماجد حسناً حسناً .. لا توتّرني بربك
اليوكن الفيراني يتوقف ..
تنزلُ ساره.. تطأ الأرض بقدميها كأنما تمشي على عشب صدري ..
هذه المرة ليس مجيئها لأجل جهازها ولا فايروساته ولا أي شيء في هذا المحل، غيري !
يا للحظ السعيـد من كان يصدق !
توارى ماجد في مستودعهِ لآخر مره كما وعدته ..
أصواتُ الدناديش تغردُ أنْ جاء الموعدُ ياصديق الإنتظار !
أيها "الصابرُ" تغفو .. تذكرُ " الوعد " وتصحو .. ها قد أقبلت ْ
أتحلّى عينيها التي تُرسل شواظاً من نار فتنه .. ويديها السمراوتين منقوشاً عليها الحناء السيرالي ..
تضعُ لثمةً كأنما هيَ لصةٌ جاءت علانيةً لسرقة قلبي !
على جبهتها النديّة تنسل خصلة شعر تمارس العبث بي .. كلما تحركت مع طرفِ عينيها شعرتُ بقلبي ينبض مرتين دفعةً واحدة !
- مساء الخير فيصل ..
- مساء النور ساره ..
في زاويةِ المحل خلف دولابٍ يمتلأ بالسيديهات وقفتُ ممسكاً بيدها ..
لم تسحبْها إنما شعرتُ بحمرة الخجل تتسلقُ ملامحها ..
كانت تنظرُ للبابِ مخافة أن يُفتح ..
وكنتُ قد تركتُ كل هذا العالم وأنظر لعينيها فقط !
دقيقةُ صمتٍ مرت ..
مرت كأنما هيَ وقفةُ حِدادٍ على روح ذلك الأبله الذي مات وانبعث جريئاً للحياة مرةً أخرى !
سلّت يدها ببطء وقدّمت لي كيساً وردياً لا أدري ماذا يحوي وكنتُ عنه في شُغل!
ذرَعت أرض المحل تخطو للخروج ، لم نتحدث إلا بإلقاء التحايا فقط ،
تقدمتُ لإيقافها ، خشيتُ أن ألفت نظر المارة ، خشيتُ أن أُحرجها أكثر ..
إتكأتُ على الرف وبقيتُ أتأملها مدبرةً والنبض المتسارع أحالني رجلا ً لا يقوى النطق !
قبل أن تغادرني نهائياً وبعد ان ابتعدتْ عني خطواتٍ ثلاث..
قررتْ إطلاق رصاصة الرحمة :
لمْ تفتح الباب وتخرج ، بل هكذا ،
إلتفتت صوبي .. بيني وبينها ثلاثةُ أمتارٍ كاملة ، استجمعت شجاعتها الكامله ..
.. وبكل دهشة هذه الدنيا ..
حسَرَت لثمتها عنها ، وتبدا وجهها كالبدر تاماً !
أرخَتها وسقطت خمائل الشعر على جانبيها دفعةً واحدة كأنما انصبّ عليها صباً ..
ابتسمت لي كاشفةً عن لؤلؤٍ يتخبى بين الجمر..
سوّت عبائتها سريعاً ثم خرجتْ!
غادرتْ .. وبقيَ عبق عطرها يصدح في المكان ..
وجهُها المستدير .. أحالني أخرساً لا يتكلم ، أنظر لماجد ولا أجيب ..
يهزني فأبتسم .. لا شيء أكثر من ابتسامه !
سحقتني وخرجتْ .. سحقتني تماماً !
***
طوال الليل كان هاتفها مغلقاً .. لم تتصلْ ، أردتُ أن أخبرها بشيءٍ مهم !
رحتُ أفتش في هداياها التي أعطتني ،
وجدتُ " دبدوباً " ، ساعةً رجاليّة أنيقة ، شريطاً جمعت فيه كل روائع عبدالمجيد ..
طقم من الفضة يضم: قلماً ومسباحاً وميداليّة .. كتابُ " الأبله " عائداً لمكتبتي بعد أن حج إلى غرفتها ثم عاد !
بطاقة ٌ كتبت عليها :
" إلى العزيز فيصل ، أهديتُك " دودو " أعز ما لديّ ، دبدوبي الذي شاركني دموعي وأحزاني وسريري طوال 4 سنين ..
كن لهُ كما كنتُ أنا ..قبّلهُ نيابةً عني كل ليل "
نظرتُ لـ "دودو" ! وأخذتُ أكلمه كالمجنون :
- يا لك من محظوظ أيها الدب اللعين ، صنعوك في الصين لتعيشَ منعّماً أربع سنين في الرياض !
لا تملكُ إلا أنفاً أحمرَ مضحكا ، وعينين صغيرتين كحبتي حمصٍ محروقة ، وتخلو من قلبٍ يحس ويشعر ..
ثم بعد هذا كله ، تتبوأ المكان الأعز في هذه العاصمة !
تعال ، ليس لأنك جميل ، ولا ناعمُ الملمس والفِراء ..
تعال لأن هناك من يهمني أمرهُ وضع يدهُ عليك .. ها أنا أجسك فيدبّ الشوق في قلبي !
تعال لأن هناك من حضنتك يوماً تبكي ، ها أنا أحتضنك فتسري فيني قشعريرةٌ لستَ تدركها !
تعال أبحثُ بين فِرائك عن دموعها الجافّة لأواسيها بأثرٍ رجعي !
هذه الروائح التي تسكنك ، لم يحقنوها فيك حيث نشأت هناك في مصانع الصين البعيده ،
هذه رائحة سارة .. عطر ساره .. كل مافيك يعبقُ بساره !
ألا لعنة الله عليك أيها الوغد السعيـد
لم تفتح جهازها .. رحتُ أكتب لها هذا المسج لأنام مرتاح الضمير :
" ساره ، أقسم بالله أحضرتُ الكتاب ، وعطراً وصورة ، وعدتُ بهنّ معي إلى البيت !
سامحيني ، نسيتُ في زحمة فرحتي بكِ أن أسلمكِ مااتفقنا عليه ..
لاتلوميني ولومي غمازتيكِ وعينيكِ ودفء يديك .. فيصل "
يتبع ...