أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في JO1R FORUM | منتديات شباب و صبايا الأردن، لكي تتمكن من المشاركة ومشاهدة جميع أقسام المنتدى وكافة الميزات ، يجب عليك إنشاء حساب جديد بالتسجيل بالضغط هنا أو تسجيل الدخول اضغط هنا إذا كنت عضواً .

بعضُ ما خبأتهُ الرياض4 ربما لا نحقق النصر في كل حرب ، لكن الإنتصارات لا تصنعها إل

4 ربما لا نحقق النصر في كل حرب ، لكن الإنتصارات لا تصنعها إلا المواجهة ! الإنتصار/الهزيمةلا يتحققان على الورقهناك في الميدان يتضح الأمر ! ال



look/images/icons/i1.gif بعضُ ما خبأتهُ الرياض ..
  10-05-2011 08:42 صباحاً  
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 05-08-2008
رقم العضوية : 12,196
المشاركات : 2,877
الجنس :
قوة السمعة : 859,003,115
4


ربما لا نحقق النصر في كل حرب ، لكن الإنتصارات لا تصنعها إلا المواجهة !
الإنتصار/الهزيمة .. لا يتحققان على الورق .. هناك في الميدان يتضح الأمر !

الجُبن ، الهروب ، الإدبار ، هذه أبجديّة الجبناء ، أولائك الذين يعيشون حياتهم رتيبةً ممله ، يقبعون في الدنيا كحجارةٍ في جبلٍ منعزل ، لا تجيد إلا البقاء في صمت !
المواجهة، الجسارة، الإقدام ، شريعةُ الأبطال في الأرض ، هؤلاء من يعيشون حياتهم كما ينبغي، مليئةٌ بالصخب بالتجارب يخلقون الإثارة والمجد لذاتهم .
كل إنتصار ، كل ثورة ، كل مشروع عظيم ، كان في البداية فكرة ، تحولت لتنفيذ !

الجبان ، رجلٌ يخشى السباحة ، يريد من الناس أن ينقلون لهُ تجاربهم في التعلم ، يمدونه بالنصائح ، يستعينُ بهم صارخاً لو سقط في الماء !
الشجاع، رجلٌ يتقن السباحة ، تعلمها ذاتياً ، راح يلقي بنفسه في المياه حتى حذقها ، ليس في حاجة أحد هو المغتني بنفسه !
وأنا الثاني لا أريد أن أكون الأول الرعديد !

على هذه الأفكار تتوقفُ سيارة اليوكن ، فيرانيّة اللون ، يتوارى ماجد في المستودعِ الخلفيّ تاركاً لي وابليس إدارة المكان !
يُفتح باب السيارة فتستقبل الأرض حذاء السبور كعاشقٍ يحتضن عشيقته ، رأيتها وهي تنزل بمشقة من هذه السيارة المرتفعة ..
في البدء لمحتُ الساق اللدن الذي أطلّ متأرجحاً في الهواء بين السيارة والإسفلت ، ثم البنطال الأزرق منزلقاً على الساق كقواتٍ تُلجم ثوره ، ثم العباءة تغمرها كالليل يوم أقبلت تمشي صوب الباب !

صوتُ الدناديش يغني سيمفونية بيتهوفن الخامسة ،
ثم صوتها مغنياً : السلام عليكم ..
وصوتُ ابليس في رأسي يهمس : ها قد التقى الجمعان ، أسرج لها الخيل ولتطلق أعنتها ..

نهضتُ متأنقاً ، وقفتُ بقميصي الأبيض والجينز والشعرُ المسرّح للوراء والعطر الباريسيّ وتقدمتُ بصمت ناحية الكرسي المجاور ..
حملتهُ واتجهت به إليها أرد السلام بلهجةٍ كأنها لا تكترثُ بالزائر الذي اقتحم المكان !
الإنطباع الأوليّ أهم الأوراق الرابحة .. لا بناء بدون أساس .. لبناء العلاقات والصداقات يجبْ أن يكون الإنطباع الأولّ راسخاً متيناً كأرضٍ صلبة تستطيع الوقوف عليها !

- أستميحكِ عذراً ، لدى صديقي عادةٌ سيئة ، يخرج لبيتهم القريب أو لقضاء بعض حوائجه ويتركني أواجهكم أيها الزبائن المتبرمون ..
دقائق وسيأتي أرجو عدم المؤاخذة سيدتي
- آها ، لا عادي .. بس أتمنىّ ما يطوّل
- اطمأني ، ماجد لا يستطيعُ البقاء بعيداً عن هذه الأجهزه ، تماماً كالسمكة المحتاجة للماء دوماً .. دقائق وستشاهدينه مقتحماً هذا الباب لاهثاً منقطع النفَس .. يتنفس الحواسيب صدقيني !
رأيتُ عينيها الدائريتين وقد ارتفعتا لأعلى أظنها ابتسمتْ ،
راح إبليس يصفق في رأسي كرجلٍ يجلس في المقعد الأماميّ يشاهد مسرحية ، ويصيح :
-برافو ..أحييك .. بطل .. هيا تصاعَد تصاعَد

لم تجلس أمامي ، راحت تقلب عينيها في لوحات المفاتيح الجديده وجموع الماوس والهيدفون والسيدي ..
لم تخاتلني ولو بنظره ، كل هذه الأناقة كل هذا الإعتداد لم يجعلها تكلف نفسها اختلاس لمحه..
يالنا من مساكين أبناء الرياض ..نجهلُ لغة الأنثى تماماً .. كل مانقوم به مجرد تخمينات لا أكثر ...
أحدنا يقول : الأناقة ..نعم الأناقة تسرق الأنثى
يرد آخر : لا ، الأسلوب .. أهم شيء أسلوبك في الخطاب!
الثالث : لتجذب الأنثى ناحيتك ، عليك أن تضحكها .. نعم أظنه الإضحاك
يروح ليلنا رجماً بالغيب .. نتخرص الدروب المؤدية إليهنّ ..
في بلادٍ أخرى .. سيضحكون كثيراً من هذا الحوار ..
في بلادي .. هذا الحوار مقدس .. غايتهُ نبيلة .. نتعاونُ على فك أسرار اللعبة المجهولة !

عندما كان نيوتن ينظر للتفاحة ، يحلل سقوطها ، يتأملها على الأرض .. كان كل همه الوصول لنقطة الجاذبية.
كلنا في الرياض نيوتن .. كلنا نتأمل تفاحاتنا يلفحنا الحرمان .. نبحث عن أسرار الجاذبية !

سأقتلُ هذا الصمت .. سأبدأ :

- هل تريدين بعض الشاي ؟
إلتفتت صوبي بسرعه وبلهجةٍ نزقة : لا شكراً !

راح إبليس يرميني بالطماطم ، تباً لك يا أبله .. أتحسب نفسك في مقهى أيها النادل الأحمق .. شاي ! شاي لعنة الله عليك |!؟
تراجع .. انسحب تكتيكياً لدقيقه ثم احشد قوّاتك من جديد يا فتى المشروبات !!


كانت واقفةً أمام رفوف المحل مائلة الجذع ، تتخصر يدها السمراء أوسط جسمها وتنقل بصرها في كل شيء إلا أنا!
تحمل شنطةً انيقه فوق كتفها كانت تلامس جسمها الغض ببراءة !
تقف بهذا الميلان والتخصر والحقيبة المتدلّية التي تزيد عباءتها تضوّقاً لتفصح عن كثير !
كانت أمامي وتقاطيعها تبوحُ بأسرار ما خلف الستار !
آه لو كنتُ رساماً .. نحاتاً .. لكنتُ أقف الآن أمام كنزٍ ثمين ولقطةٍ خالدة !
لكني أبله .. لا أتقن إلا الفرجه ... غادرتني أبجديتي وفقدت النطق ..

أصعبُ الأشياء أولها .. أن تبدأ ، هذا يعني أن تتكلف المشقة الهائلة .. كل ما بعد البدء أسهل !
البدايات أشبه بحجرٍ يسد الطريق ، لا تقدم لا مراوحة إلا بزحزحة هذا الحجر ..
كان بيني وبينها ثمة أحجارٍ هائلة .. تكبلني عن بداية الإنطلاق عن اشتداد المسير !

حتى المشاهد الوحيد لهذه المسرحية .. صديقي ابليس الذي روّج لهذا العمل كله .. كان أخرساً في مقعدهِ الأمامي !
يراقبني صامتاً .. أدرك جيداً فيما يفكر ؟ ! خذلهُ البطل !

أحلام مستغانمي بالنسبةِ لي ، لا تعدو كونها كاتبة ، تتقن فن الرواية لا أكثر !
لكن لم أعلم أنها في يومٍ من الأيام ستكون بالنسبة لي أكثر من ذلك ..
طوق نجاة مثلاً !

وقعت عينا سمرائي الجميلة بعد كل هذا الوقت على " ذاكرة الجسد " ..
مرمية ً على الطاولةً ،
كنتُ واقفاً عند الصفحة الثمانين ، عطلتني فاتنتي عن متعة القراءة !

راحت تغرد بصوت الكروان تسألني :

- مجنونة أحلام صح ؟!
كانت تسألني !
نعم ، لأول مره .. توجه حديثها ناحيتي ..
الخرس .. حالة التوهان .. اللاوعي .. كل هذه الثلاث كنت أنزلق في عتباتها واحدةً بعد اخرى !

- قرأتها ثلاث مرات وأنوي قراءتها للرابعة مجدداً ، كل مافيها مبهر ..

هه مازالت تحدثني ، تخاطبني .. هذا حوار ،
ها قد انزاح الحجر وبدأ الإنطلاق !
أخذتُ أتأملها واجماً

صاح إبليس من مقعده كمشاهدٍ بلغ به الحماس مبلغه :

تكلم ..أيها الغبي تكلم !


:
:


5


قديماً ، كنتُ أضحك ممن يقضي أوقاته بين دفات القصص والروايات، ماهي القراءة ؟ هي الحياة النظرية !
الخروج ، التسكع ، مواجهة الناس .. هذه الحياة العمليّة ، التجربة الحقة..هي الرواية الأصدق !
هؤلاء الكتاب يجيدون الثرثرة عبر الورق ، كأنما يبيعون يوميّاتهم وخلاصة تجاربهم .. يدّعون أنهم حريصون على تقديم المعرفة وبث الوعي ..
محظوظون ببلهاء يتلقون ما يأفكون .. لو خرج أحد العظماء من قبره يتحدثُ عن سيرته لفرغت القاعة ثالث يوم وانفض الجمع من حوله ..
لكن لو قدم سيرتهُ في كتابٍ أنيق معنون كما ينبغي ، لتهافت الناس على قراءة ما حبّر ..يتصنعون الثقافة والنبل !

كانت لديّ عقدةُ القراءة .. لا أعرف الإمساك بكتاب والبقاء أسيراً له كما يفعل غيري ..
لكن مع الوقت ، بدأتُ أتصالح مع الورق ، ورويداً رويداً رحتُ منغمساً في القراءة ومتابعة المشهد الثقافي وأبرز وجوهه .


لحسن حظي أني أحببتُ الروايات ، لحسن حظي أني ارتبطتُ بأحلام على وجه التحديد .. لولاها لما كنتُ الآن أمام هذه الفرصة السانحة !
الآن عرفتُ فائدةً أخرى للقراءة !
عندما سألتني سمرايَ عن أحلام.. أحسستُ بشغفها اللامحدود بها وبالرواية التي بين يديّ ، عرفت أن باب الحظ يُفتح للمرة الأخيره ..
الآن الآن وليس أي وقتٍ آخر ، إما أن أخلق التأثير أو تباً لي وللثقافة أبد الآبدين ..

واضعاً قدماً على الأخرى ، مرتخياً للوراء ، سمّرت عينيّ بعينيها بطلاقة .. ورحتُ أتحدث كأكاديميٍ متخصص :

- لدى أحلام أهم ورقةٍ على الإطلاق : سحر اللغة ! أحسدها كثيراً .. بإمكانها أن تكتب كل مايخالجها من شعور وعاطفة وأحاسيس دون أن يمل قارئها ..
أنتِ أنهيتي قرائتها أكثر من مره ، ألم تلحظي شيئاً مهماً : كانت تكتبُ قصة بطلها بأسلوب المونولوج الباطني .. دفع مافي الذات إلى السطح ، البوح ولا غير البوح !
هذا الحديثُ الذاتيّ أصدق حديث ـ لا زيف فيه لأنه ينبع من أعماق النفس.. قد تتحدثين مع إحداهنّ فيمتلأ الحوار بالزيف بالمجامله بالنفاق ،لكن حديث الذات صادق ، ليس إلا الحقيقة !
شاهدي في المسلسلات ، حين يريدُ المخرج أن يوصل للمشاهد حيرة بطله ، يجعله ساهماً يفكر في إطباق ، وصوتهُ يتحدث للمشاهدين كناية ً عن الإنهماك في التفكير و الإضطراب ..
لو كان البطلُ يتحدثُ عن همومه لأحدهم، ربما يظنه المشاهد يكذب يزيف يبالغ .. لكن حديثهُ لروحه هو أصدقُ تعبيرٍ يصل الى من خلف الشاشه ،
الإقناع .. هذا ما فعلته أحلام ..كتبت بهذا الأسلوب البارع وتفوقت

كان حديثي وسيلةً لغاية ، كنتُ أتحدث لأصطاد لا لأخلق حواراً جدياً !
كنت كمن يقفُ على جال بحيرةٍ مُدلياً سنارتهُ في الماء ويقول للسمكه هيّا اقتربي!

يبدو أن حديثي راق زبونتي .. هاهي سمكتي تتقدمُ خطوة ، عينيها تمارسُ شيطنةً تعبثُ بمن يقابلها ، صوتها الناعم يحاولُ صفع ثقتي وهي تقول :
- أوافقك تماماً .. كنتُ أٌقرأها بإندماجٍ تام . بكيتُ كثيراً في مشهد زواج حبيبته بقسطينه ، توقفتُ عند ذلك الجزء كثيراً ..

مشهد الزواج لا أعرفه ، لم أصل إلا للصفحة الثمانين ، حرقتي علي الرواية يا فاتنتي لكن لا يهم .. سأراوغ :

- بالمناسبة ، أحلام هنا ليست مبتكرة ، الإنغماس في الشخصيات وسبر أغوارها وإيضاح معالمها ومايعتمل في خفائها فنٌ روسيّ بإمتياز !
الروس هم من يجيدون حقاً تصوير شخوصهم وصراعاتها النفسيه و حيرتها ونزعات الخير والشر فيها .. هل قرأتي لديستويفسكي مثلا ً ؟ تولستوي ؟ تشيخوف وإن كان ساخراً نوعاً ما ؟
كلهم يتعمقون في الذات البشريّه ، كتاباتهم تعتبر مراجعَ هامة في علم النفس.. دوستويفسكي نشأ مريضاً بالصرع .. هذا المرض هذه الحالة النفسية أثّرت كثيراً في أدبه ، صار بارعاً في رسم المعاناة البشرية من الداخل ، حين يورد الجريمة في كتاباته صدقيني هو لا يوردها ليخلق إثاره أو يرسم حبكة ، إنما ليفصّل دافعيّتها وأغوار منفذها ..

على وقعِ إصغائها رحتُ أواصل :

- نجيب محفوظ ، أبرع العرب الذين طرقوا هذا النهج ، في روايةٍ كامله اسمها " قلب الليل " يتحدثُ عن شخصيةٍ وحيده ، ممزقه مطحونه ، اقرأي ثلاثيّته لتشاهدي براعة الوصول للعمق .. واقرأي كيف صوّر بطله أنيس زكي في ثرثرة فوق النيل ، أنيس ذلك الأشلاء المتبقية لإنسان ، الرجل الكافر بالحياة المترسب في بحر الإحباطات المتتاليه ، ثمة فروقات هائله بين الروائيين ..هناك من يكتبها ناقلاً لك تجربة حياةٍ لم تعشها ، هذه الحياة قصيرة والرواية تعطينا حياوات كثر .. بقعة ضوءٍ هائلة على جوانب لم نكن لنتلمسها على أرض الواقع ..
وهناك من يكتبها هراءاً منبثاً يحشد فيها الإثارة المبتذلة والحرف الرخيص وينعم بالشهرة التي يمحنها إياه مراهقٌ سيلعنهُ حين يكبر !
في الرواية هناك من يسبح على السطح وهناك من يغوص ، أحب الغوّاصين في قيعان الأنفس البشرية ليستخرجوا كل خفاياها من الأعمق . همنقواي فاز بنوبل عن روايةٍ واحده تتحدث عن عجوز يصطاد سمكة قرش ويسحبها من منتصف البحر الى الشاطيء، 200 صفحة تصور صراعاً مع هذا القرش واضطرابات هذا العجوز وتقلباته بين الفرح والخوف والحزن .. إما ان تضيف الرواية لقارئها أو فإنها عبث لا أكثر .. كامو صاحب رواية الغريب الفائز عنها بنوبل أيضاً كان يحكي عن شخصيةٍ وحيده تترقب وقت الاعدام والأفكار والكوابيس التي تمر به .. يقول كامو بعد فوزه بالجائزة :يجب أن تكون الرواية فلسفةً مصوّرة !


تأكدتُ أني أثرتُ فيها قليلاً .. هاهي تجلسُ على الكرسيّ دون دعوه .. سنارتي تهتز أخيراً وقصبتُها تتقوّس بشدة .. سمكتي ابتلعت الطُعم وراحت تغرد :
- أحب كثيراً روايات العاطفة والرومانسية.. لهذا ربما لم أقرأ للذين ذكرتهم ،مشكلتي أنحازُ للحزن بالذات .. تأسرني التراجيديا رغم بؤسها ..
- كتابة الحزن أسهل طريقٍ للوصول ، جادةٌ ممهدة ! أصعب شيءٍ هو أن ترسم بسمة أو تهِب معرفة .. هذا طريقٌ وعِر يحتاجُ إمكاناتٍ جبارة ..
الحزن بات سِمةً يتحلّاها كثير من المثقفين ليبينوا عن أنفسٍ عركت الحياة وعرفتها ..
صاروا يظنون الإغراق في الحزن نوعُ من النضج ..
أنا أحترم الحزن كحاله كشعور وقتيّ لا أصدق به كنمط ..أكفر به رداءاً على الدوام ..تولستوي يكفر بالسعادة المطلقه والحزن السرمديّ ..
وأنا كذلك !

-إذاً ماذا تقول عني ؟ حتى في السينما أترك كل شيء وأتتبع بوليود لأنها .. آها.. كما تعرف.. دموع في دموع .

قالتها بلهجةٍ عذبه ..كانت ترفع حاجبيها وهي تقول " كما تعرف " ، نطقت عبارتها الأخيرة وهي تهزأ ساخرةً من نفسها ..
لكنتُها الضاحكة كانت أطربَ ما سمعت . ولأول مرةٍ منذ جاءت رحتُ أبتسم لها ..
كنا كصديقين على طاولةِ مقهىً في بيروت تحفنا الأشجار ، لسنا مخنوقين بالطابعات والشاشات والحواسيب في الرياض ، قلتُ على الفور :
- المخرج الهنديّ لو خيّروه بين جائزة الأوسكار أو قاعه تغصّ بالمتفرجين الباكين على فيلمه .. لاختار الأخيره هههه

ما إن أنهيتُ عبارتي إلا رأيتها تضعُ راحة يدها على فمها من خلف العباءة تداري شهقةً صدحت بصوتٍ عال وهي تضحك ،
أظنّ الصديق الذي قال عن الضحك "مفتاحُ الأنثى" كان أصدقنا تخميناً !
على أنغام ضحكاتها كنتُ أغرق في الفرح .. وإبليس الذي كان صامتاً يراقب الحوار ، هاهو يدفن سبابتيه تحت لسانه ويصفر لي بإعجاب !
لا ياماجد ..أرجوك لا تخرج ، لا تعكر صفو الحفلة .. إنتظر في سردابك يا إمام الصيانةِ لا عجل الله فرجك !

قامتْ تطعن الفضاء من جديد ، علقت حقيبتها على كتفها الشريف ، عينيها تبسِمان لي وهي تقول :
- على كلٍ ، يبدو أن صديقك لا ينوي العودة .. سأوصي السائق بالمرور غداً ، شكراً لك

هرعتُ إلى الباب كأني أريد صدها عن الخروج ، قلتُ أرجوكِ انتظري قليلا ً ..

خرجتُ أقفز الدرجات الثلاث راكضاً لسيارتي ، لبثتُ فيها قليلا ً أبحث عن غايتي وأنا أنوي رفع الستار عن التهوّر الأخير ..
بسرعة صعدت درجات المحل ودخلت لاهثاً :

- تفضلي
- ماهذا ؟
- رواية " الأبله " ليدستويفسكي ، لن تجديها في الرياض أبداً .. وصلتني من البحرين وأنهيتها قبل اسبوع ، أرجو أن تقبليها
- ولكن
- لا تقولي أي شيء ، إذا أنهيتيها ، أو لم تعجبك، بإمكانك إرسال السائق لهذا المحل وإعادتها .. صدقيني هذا الروسيّ تجربةٌ ثرية !

وضعت الكتاب في حقيبتها وقالت شكراً.... !
- إسمي فيصل
- شكراً فيصل !


خرجتْ ،

وقفتُ أتأملها والسائق المحظوظ يفتح لها باب السيارة مقترباً منها دون أن يقول له أحدهم شيئاً ..وقفتُ أمام باب المحل أشيّع شمسي الآفلة ..
كعاشقٍ أشرف فوق التل يرقب قافلة حبيبته التي سارت بها ولا يدري متى اللقاء !
رحتُ أرقب هودجها -اليوكن - يتوارى بين جموع السيارات المتدافعةِ كالحجيج ..

دخلتُ المحل لأجد ماجد ، وجدتهُ يبتسم ، قلتُ وأنا آخذ روايتي الجميلة " صديقة السمراء/ذاكرة الجسد ":
- كنت أخشى مقاطعتك لي .. كنت أفكر ماذا سأقول لها لو أطللتَ من مستودعك الخلفيّ وأنا الذي كذبتُ بشأن ذهابك للبيت !
- لا ،كنت أستمع لك جيداً أيها الناقد الأدبيّ فآثرتُ الإنزواء، تعال ، ماهو هذا الديتسوفسكي ؟
أجبت ضاحكاً - نوع من أجود سنارات الصيد !
- سمعتك تقول لها تفضلي ، بالله ماذا أعطيتها لتشكركْ ؟
أجبته وأنا أقهقه هذه المره :
-أعطيتها كتاب ، مجرد كتاب ياصديقي ، يحوي بين أوراقه الثقافة والأدب والمعرفة والتشويق والحبكة وإسمي ورقم هاتفي الجميل
- يا الملعون !
- الموتُ للجبناء .


قبل أن أخرج من ميدان معركة السمراء ، إلتفتّ صوب ماجد :
- طلبتُ منك 15دقيقه لكنك أمهلتني أكثر من ذلك !

.. وهو يفتح أحد الأجهزة ليبدأ الإصلاح :

- أظن صداقتنا تستحقُ أكثر من ربع ساعة !

:

:


6

منبه الجوال و صوتُ أمي خلف باب الغرفة كلهم يوقظني للجامعة .. أزحتُ غطائي عني وجثمتُ وسط السرير أتثاوب .. أحك رأسي وأفكر !
آخر خاطر قبل النوم ، كان السمراء .. قضيتُ ليلةً من التفكير الطويل والسباحة في الخيال حتى غرقت !
أول خاطرٍ حين صحوت ، كانت السمراء " اللعنة لم تتصل " !

غسلتُ آثار النوم عن وجهي ولكن من يغسل عقلي مما يدور فيه !
أتأمل في المرآة وجهي وأفكر : أتُراها حين تتأملُ وجهها وهيئتها كاملةً أمام المرآة تعجبُ بنفسها أم ألِفت زينتها .. مرآتها أسعدُ الأشياء طراً !
عثرتُ في عصا المكنسة الكهربائية وأنا أنزل للدور الأرضي ، ألقيتُ بوابلٍ من الشتائم على الخادمة المسكينة التي وقفت مطرقةً في خوف !

حين وصلتُ سيارتي وقفتُ ألعن كل شيء ، لقد نسيتُ مفاتيحي في الغرفة !
صعدتُ سريعاً .. جلبتها .. نزلتُ وأنا أفكر :
هذا الصباح يزورها الآن كما يزورني .. هذه الشمس تسطعُ أشعتها علي وعليها في ذات الوقت .. سرت فيني خِفةٌ وتراقصتُ لهذا الشعور فابتسمت !

في القاعه ، كان الدكتور يتحدث بحماسَه وأنا في بحر ٍ آخر ، أتواجدُ جسداً في المكان لا أكثر ، روحي هناك ترفرفُ مع سمراي !
أسترق النظر تحت الطاولة لهاتفي ، جعلتهُ صامتاً لكن لم تنقطع عيني عن تأمله .. كل وميضٍ كان يجعلُ قلبي يخفق بشدة ..و حين أكتشف أن المتصل أحد السخفاء أصدقائي سرعان ما ألعن الحظ وألعنُ حتى المتصل المسكين !

سمعتُ ضحكاتِ الطلاب فانتبهتُ لأجد الجميع ينظر لي باسماً، وصوتُ الدكتور يجلجل في القاعة ذات المدرج المتموّج :
- هيّا أجب !
- .. أعدِ السؤال لو سمحت !
- لن أعيده ، أنتَ أخبرني عماذا تحدثتُ الآن !

على حمرة الخجل المتراقصة في ملامحي ، وعلى تقريع الدكتور وضحكات زملائي جلستُ وأنا أتمتم :
- "بالطقاق" .. لا تتصل !

وأنا في الطريق للبيت أمني نفسي :
ربما لم تفتح الكتاب ، روايةٌ بحجم " الأبله ".. تحتاجُ وقت فراغٍ هائل ونفسيةً مرتاحه لتُقرأ بإنسجام ، نعم نعم .. لم تفتح الكتاب حتى الآن !
ثم يقفزُ تحليل آخر :
ربما فتحته البارحة .. قرأتْ في مقدمة الرواية إهدائك المضحك فرمتها على السرير واتضح لها أنك مخاتل لا أكثر !
أو ربما إمعاناً في تأديبي ، شرعت في قرائتها وبدأت تستلذ بأحداثها متجاهلةً رقمي المسكين في أول صفحة !

كنتُ كتبتُ على صفحته الاولى وأنا في السيارة قبل إعطاءهِ إياها :
" أُهدي أجمل ماقرأت ، لأجمل عينٍ رأيت .. فيصل / .......055541 "

يا للحيلة الرديئة ، كنتُ بالأمس أتراقصُ لها واليوم أعلنُ براءتي منها .. شعرتُ أني أحمقٌ جداً!
أفكر وسرعتي تتجاوز ال140 على الطريق :
عادت لغرفتها البارحة ، خلعت عن نفسها ملابس الخروج ، ارتدت بيجامتها الفاخره ، استلقت على السرير وفتحت الكتاب ..
استلقت على السرير بالبيجامة .. استلقت على السرير ، استلقت .. أردد هذه الصورة في عقلي ! ! أواصل :
فتحت كتابي متشوقةً للرواية الممدوحه ، ضحكت بصوتٍ عالٍ على الإهداء السخيف ، ضحكتْ أكثر من ذلك الأداء التمثيلي البارع الذي قام به ذلك المغفل في المحل ..
قالت لنفسها : كنتُ أظنهُ أديب بحق يتضح أنهُ الآن مجرد مراهقٍ لا أكثر ! ألقت كتابي عنها وراحت تقرأ مجلةً للأزياء والموضة !

سخِرتُ من نفسي وأنا أتصوّر هذا المشهد ، ربما هذا ما حدث فعلا ً .. يا للناقد الأدبيّ المضحك !


العزلة كانت إختياري أنا ،
لا شيء عندي يعدلُ متعة القراءة في غرفتي أو جولة بالسيارة في انحاء الرياض الفخمه ..
يبدو أن عزلتي قد تسرب لها الآن شيءٌ من الأذى ،
أن أبقى هكذا مفكراً في تلك العيون ، أن أبقى هكذا أتأمل الجوّال ..أن أحادث نفسي بشأن تلك العيون المجرمة ، سأجنّ !


أصدقائي أربعةٌ منذ أمد ، لم يزيدوا أبداً منذ سنين ، يجتمعون دوماً في شقة صديقي فهد .. وأنا أكثرهم غياباً عن هذا الجمع ..
تباً لذاكرتي ، كيف نسيت ماجد ! ماجد أصبح من الأمس أعز الأصدقاء ..
أحب مجالسة أصدقائي .. إعتزالهم هذا لايعني أنهم مليئين بالسلبيات التي أترفع عنها ، العلة فيني أنا .. أنا من يجنح للعزلة والبقاء على هامش حياة الآخرين .
لم أعد منفرداً كذئب في أطراف قرية .. داهمتني السمراء ! شاركني خيالها المؤذي كل تفاصيلي .. قاسمني يومي وتسكعي وحتى قراءتي !
طالما قد انتفت عني صفة الوحده ، فليشاركني أوقاتي من يرفهُ عني .. لا من يجعلني مجرد عصبيٍ حانق !
اليوم يومُ الأصدقاء .. وداعاً عزلتي الهادئه !

********

- هلااااا نجيب محفووظ !
كالعاده فهد يستقبلني بلسانه اللاذع وأنا أسلّم عند مدخل الشقة ، لم يرد حتى السلام !
- "ترى حليمه بولند وهي حليمه على سن ورمح، إذا دق عليها احد .. ترد " هههههههههه !
آآه يافهد، مازلت في غيّك القديم .. لو رأيتَ مارأيتُ البارحه لألقيت حليمة من الدور العلويّ لذاكرتك !
- " لازم نبخششك عشان تسيّر " ؟ ثم متوجهاً بحديثه للأصدقاء الضاحكين : " قايل لكم في هالديرة ماتمشي أمورك إلا بدهن سير وواسطه " !
على صوت الضحكات الصادحة في أرجاء المكان أخذتُ مقعدي ورحنا نتحدث في كل شيء !

حين نمتلأ بالفراغ ، تستحيلُ الأشياء التافهة لقضايا كبرى !
نتجادل للجدال ، نتحدثُ عن أي شيء في كل شيء ، لو مرت نملةٌ تافهه بيننا صارت محور نقاشٍ ضاحك تتعالى فيه الأصوات أينا لمحها أولا ً !
بين البلوت و أغاني القنوات الصادحه وفتيات الفيديو كليب يروح ليلنا العاصميّ سريعاً سريعاً ..
على سحب السجائر المُحيلة فضاءات الغرفة لضباب ، وعلى بعض الرشفات المحرّمة من كؤوسٍ نتحصلها بصعوبه وبثمنٍ متضاعف عن سعرها الأصلي ..
وعلى صوت ضحكاتنا المترنحة في سماء الليل يروحُ الوقت يجري كعداءٍ منطلقٍ ليحرز المجد لنفسه وبلده ..

ربما وحدي من يدركُ أن هذا الوقت يُهدر ، كلهم مقتنعون بأن مانمارسهُ هو المتعة المنشوده !
لهذا ، أصبحتُ مثار سخريتهم لأني الوحيدُ الذي يهتم للكتب والقراءة ويعتزل مجلسهم الموقر إلا في الإسبوع مرة ...
وفهد هذا الصديقُ الذي منذ عرفتُ الدنيا عرفته ، رفيق النخل والسواقي في القرية القديمه .. هو أشدهم لذعاً لبعض ممارساتي التي يسميها غير مفهومه !
قال لي ذات مره وأنا أحمل كتاب الحرافيش لنجيب محفوظ ، بكم اشتريته ؟ أخبرته أني أنفقت لأجله 45 ريال !
راح يضحك ويقول :
أعطني نصفها وأقص عليك قصصاً أمتع مما ستقرأ له ! من يومها راح يسميني نجيب محفوظ .. ماموقفُ نجيب يا ترى لو سمع نبأ هذه التسمية ؟!

الواحدة منتصف الليل ، نغلق باب الشقة متجهين لسياراتنا .. هزيعُ الليل يسخر من مشية بعضنا المترنحه وعيوننا المحمرة وضحكاتنا الصادحة بلا أسباب..
لا أدري من قال "ما أرق الرياض في آخر الليل ".. هو يكذب ، ربما كان جالساً بجوار أديب لبنانيّ يتغزل في بيروت ومصري يتغنى بشرم الشيخ .. فأراد إطراء الرياض مقلداً ليس إلا ..
الرياض في الليل موحشة ..تصطف فيها البيوت والمحلات المغلقة كأسنانٍ تتجاور في فك رجلٍ ميت ! رجلاً غارت عيناه ويبست جمجمته وبات رفاتاً لا ملامح له ..
الرياض في الليل لا وجه لها .. تمر فيها السيارات المتقطعة كشهبٍ في السماء تعبرها بسرعه ..
لا وجه لها يا ذاك الذي قلت : " لو بغيت ، أخذتها من يدها ومشيت " ، بربك أسمعتَ عن فتاةٍ لها أطراف وليس لها وجه .. هذه فتاة من الجن ، مرعبه !

ارتميتُ في سيارتي الغارقة في الظلمه .. انطلق كل اصدقائي لبيوتهم .. وحدي بقيتُ خلف المقود في مواقف العمارة السكنية التي علقت عليها لافتةٌ تقول " للعزاب " !
كانت معلقةً فوق نافذة شقتنا بالضبط ، أتأملها ساخراً وأتذكر مقولة احلام :
في قسطينة ، هناك كل شيء يدعوك للشراب لكنه ممنوع ! بلدٌ توفر لك كل أسباب الشرب ثم تحرمها عليك !
لا أدري وهذه الجملة تخطرُ في رأسي .. أتذكرت الرياض؟ .. أم تذكرتُ السمراء التي تحب أحلام ..لا أعرف !
لكني أعرف اني تذكرت مقولة ذلك الأديب الذي نسيتُ اسمه ورحت اشتمه ، قال لا عشق إلا بعد معرفة .. هذا لأنهُ لم يعش في الرياض ..!
وميض الجوال يشق العتمة ..
أرفعهُ بيدٍ مرتعشة .. ليس رقماً مخزناً لدي .. تتراقص أرقامه العشرة في ليل السيارة الواقفة بأمر قائدها الحزين !
عشرة أرقام يعلوها ساعة جوالي تخبرني أنها الواحدة والربع ، أوسدت الهاتف أذني وبصوتٍ متعب :

- ألو
- هلا .. فيصل ؟



يتبع ...



الساعة الآن 02:47 AM