من فتره قصيره احضرت سيدي للعبه استراتيجيه ,احببتها فعلا وكنت اقضي اغلب وقتي وانا (أتكتك) وابني مدن وازينها بالبساتين والنوافير وساحات لعب الاطفال..
وتقوم اللعبه على ثلاثة اركان
(الميزانيه)
(الموارد)
(السكان-الشعب)
طبعا كنت اجلس على اللعبه ساعات وساعات وانا أتأمل الكم الهائل من المسؤوليات اللتي تقع على عاتق اولياء الامر واصحاب الزعامه على مجموعه من الناس والمواطينين..
حين بدأت اتوغل في تفاصيل اللعبه زادت رغبتي في الدخول اكثر واكثر واكتشاف المزيد من الاسرار والحيل التي قد تمكني من ارضاء الجماهير واشباع حاجاتهم عن طريق توفير مساكن ومستشفيات ومراكز بيع المواد الغذائيه والاقمشه وغير ذلك من المستلزمات
في الحقيقه تغيرت الكثير من افكاري واعتقاداتي حين بدأت بعشقي لهذه اللعبه الاستراتيجيه
.
لربما هي ليست اكثر من رسومات واكواد تصور شيئا من الواقع لتبني شخصيات ومدن قد تأخذك بالخيال بعيدا لتنسى انك وسط كم من اوامر البرمجه والمعادلات الحاسوبيه الا انها حقيقه جسدت الى حد ما معاناة اولياء الامور بما يخص بتلبية حاجات الناس وتهييئ مكان مناسب يصلح لتكوين حياه اجتماعيه يسودها التعايش والرخاء.
عندما بدأت باللعبه كان هناك مبنى واحد فقط يسمى (قاعة المدينه) وهو المكان الاساسي ولب المدينه وهو المكان اللذي يبات فيه (العبيد) حيث انهم يقومون باعمال البناء ونقل البضائع وتحمل العبئ الاكبر خلال قيامي ببناء مدينتي الخاصه..
من ثم أبدأ ببناء بعض (المناجر) و (كسارات الاحجار) و (اكواخ تصنيع الطين) حيث انها المباني الاساسيه اللتي سأقوم من خلالها ببناء باقي المدينه
وكلما ازدت ببناء المنازل والخدمات,كلما ازداد عدد المواطينين.
حيث ان كل منزل اقوم ببنائه يئوي ما يقارب 5 اشخاص وكل منهم يقوم باستلام ورشته الخاصه تلقائيا..
لكني في حقيقة الحال اصابتني اللعبه بارهاق شديد وغضب اشد
حيث انها برمجت على ان يتجمهر مجموعه من المواطنين اصحاب الورشات والمهن امام باب (قاعة المدينه)تاركين وظائفهم دون وجود بديل يسد مكانهم وكل منهم يطالب بمصلحته الخاصه
فصاحبة محل الخياطه تشتكي من ابتعاد منزلها عن بئر الماء وتطالب بحفر بئر قرب منزلها..والنجارين يشتكون من عدم توفر الخبز والغذاء اما الخباز فيطالب ببناء حانه قريبه من مكان عمله.. واصحاب مزارع العنب! يريدون مطاعم تقدم طعاما جديدا بدل من البقوليات والسمك
اما اصحاب مزارع الدواجن يريدون ملابس جديده بدل المهترئه..
بينما اقف انا حائرا بين المطالب المتراكمه وبين صرخات التهديد بعمل (شغب) داخل المدينه واحراق جميع ما فيها..
ولكني افكر واقول لو ان صاحبة محل الخياطه لو ذهبت لتخيط الملابس, على الفور سيذهب اصحاب مزارع الدواجن لشراء ملابس جديده منها, من ثم سيتوقفون عن الاعتراض امام قاعة المدينه وهذا يعني انهم سيقومون بعملهم ويوجهون اهتمامهم على حيواناتهم مما سيملئ المطاعم باللحم واصناف جديده, اذن اصحاب مزارع العنب قد تم تلبية مطلبهم وهكذا..
لكن صدق من قال ارضاء الناس غاية لا تدرك فكلما انفقت من اموال المدينه على المراتع والحدائق ورفاهية الشعب كلما ازدادت مطالبهم وكثر احتجاجهم وتجمعهم على باب قاعة المدينه..
يريدون المزيد المزيد ويتصنعون الفقر والمسكنه واذا ما تأخرت في تلبية مطلب احدهم حرض البقيه على اعمال الشغب واحراق المنازل ..
وهذا ما يخبرني به الوزير ونائب الشعب الظاهر على يمين الشاشه..
بينما اكون في حالة اضطراب من قلة توفر الموارد بسبب تظاهرات اصحاب الورشات الخاصه بالموارد..
يريدون الحصول على ما هو لهم دون ان يؤدون ما عليهم من واجبات فهي حلقة مغلقه فكل ما ستقوم به من واجبات سيعود اليك على شكل خدمات ومميزات
..
لكني لم ارغب بقيادتهم بعد الان ولم اتحمل المزيد من المطالب والصراخ حتى قمت على الفور باحراق المدينه بنفسي ونسف كل ما هو قائم فيها..
وبدأت استمتع بمنظر السكان وهم يتركون المدينه مع اطفالهم وهم يتحسرون على ما حصل لمدينتهم اللتي ارادوا ان تعطيهم دون ان يعطوها...
اللعبه كانت رائعه ومسليه الا انها اتعبتني فعلا
هي خيال ولكن كم هي قريبه من الواقع.. ان عدم معرفتنا بالضغوطات والمسؤوليات الواقعه على ولي الأمر يوحي لنا بأن هناك الكثير من النعم والموارد اللتي بدورها سوف تأمن لنا حياه رغيده لا تشوبها المصاعب والمتاعب, لم يتم استغلالها بالشكل الصحيح انما هي موضوعه بين يدي (ناس وناس) لكن في الحقيقه المسؤوليه علينا نحن اولا ,ان طورنا قدراتنا وضغطنا على انفسنا قليلا او على الاقل قمنا بواجباتنا على اكمل وجه لاستطعنا تحسين حياتنا ودفعها للافضل دوما..