يعتقدون ان الرب عاقب «شارون» لتخليه عن غزة و«واشنطن» لتأييدها قيام دولة فلسطينية
■ القس موشيه يعمل على تأسيس لوبي صهيوني مساند لاسرائيل داخل البرلمان الجنوب افريقي
أعطى الانحياز الأمريكي الكامل للكيان الصهيوني، والخطاب المتصهين للرئيس الأمريكي جورج بوش، متنفسا واسعا لهذا الكيان في مد أذرعه أفقيا في الكثير من دول العالم عبر جماعات دعم ونفوذ لتحويلها الى لوبيات ضغط مساندة للمشاريع والسياسات الصهيونية في المنطقة.
ولا شك أن حجم النفوذ الصهيوني في العالم، ومنذ بواكير تشكيل الحركة الصهيونية العالمية، تشعب وارتدى أشكالا مختلفة، من أجل التأثير على صانع القرار السياسي في مختلف دول العالم.
ثمة مؤشرات ودلائل لا تحصى تؤكد حجم هذا النفوذ واتساعه خاصة في الدول الأفريقية وبعض دول آسيا.
وأثبتت الأحداث الدولية أن اللوبي الصهيوني جزء لا يتجزأ من الإدارة الأمريكية ومصالحها، وجاء تزايد قوته متناغما مع بدء احتلال الولايات المتحدة لمناطق نفوذ الاستعمار القديم في المنطقة.
وإذا كانت بريطانيا هي المسؤولة عن إطلاق المشروع الصهيوني، وتسهيل الهجرة إلى فلسطين، فإن الولايات المتحدة هي المسؤولة عن ضمان استمرارية الكيان الصهيوني وتثبيته على الخارطة السياسية والاقتصادية والعسكرية.
إن هذه التكاملية ما بين الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية بدأت في بدايات القرن الماضي بعد تنامي الفكر المسيحي المتصهين والذي كان الجد الأكبر لبوش المنظر الأول له عبر مؤلفاته ومواقفه الداعمة لهذا التيار المسيحي التوراتي.
وأسس اليهود سلسلة مثيرة للاهتمام من المنظمات للتأثير على السياسة الخارجية للدول التي تتواجد فيها وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية، وتعتبر «إيباك» الأكثر شهرة بين جميع منظمات الدعم الصهيونية في دول العالم، ويضم هذا اللوبي إنجيليين بارزين مثل غاري باوير وجيري فالويل ورالف ريد وبات روبنسون، إضافة إلى ديك ارمي وتوم ديلاي زعيمي الأغلبية السابقين في مجلس النواب.
جميع هؤلاء يعتقدون أن إحياء «إسرائيل» هو تنفيذ لنبوءة الكتاب المقدس ودعم أجندتها التوسعية، وهم يعتقدون أن مخالفة ذلك ستكون مناقضة لإرادة الله، ومن المحافظين الجدد غير المتدينين جون بولتون وروبرت بارتلي، المحرر السابق لصحيفة وول ستريت جورنال، ووليام بينيت، وزير التعليم السابق، وجين كيركباتريك، السفيرة السابقة في الأمم المتحدة، والكاتب الصحفي جورج ويل وهم من المؤيدين المخلصين.
وليس جديدا أن تأثير المحافظين الجدد في الإدارة الأمريكية والمتصهينين الجدد أمثال دانيل بايبس تجاوز حدود أمريكا ليشمل العديد من دول العالم، فبايبس ومن حوله الكثيرون لا يزالون في حراك دائم من أجل نشر الفكر التوراتي المتصهين في الدول الأفريقية لإنشاء لوبيات ضغط ودعم في تلك الدول لصالح «الدول اليهودية» التوراتية التي يبشر بها أتباع هذه الأفكار.
وبايبس هذا، يعمل بكل جهده لتكوين لوبي كبير في جنوب أفريقيا، يدعم الأفكار الصهيونية المتطرفة ويساند الكيان الصهيوني في إشعال الحروب الحضارية.
مصادر «الحقيقة الدولية» في القارة السمراء أشارت الى أن بايبس زار جنوب أفريقيا وعددا من الدول الأخرى مؤخرا، والتقى بالعديد من رجال الدين المسيحي وأعضاء برلمانات تلك الدول من أجل إقناعهم بما يبشر به، وقد وجد أخيرا من يناصر فكره.
مناصرون سود
جاءت أولى ثمار جهود بايبس على شكل دعوة أطلقها زعيم الحزب الديمقراطي المسيحي الأفريقي في جنوب أفريقيا القس كينيث موشيه في خطاب له أمام حشد من أعضاء الحزب، إلى تقديم الدعم اللامحدود للكيان الصهيوني.
ولم يتوقف شكل الدعم الذي يقدمه موشيه على الجانب الخطابي وحسب بل إنه تقدم باتجاه تأسيس لوبي صهيوني مساند لإسرائيل داخل البرلمان بهدف مساندة إسرائيل ضمن القانون المعمول به في الدولة الأفريقية.
يقول موشيه في خطابه سابق الذكر: «هناك دول أخرى أؤمن بان الله يريدنا أن نمد يد المساعدة لها، يجب علينا أن نتحدث عن ذلك الآن، لأنه الوقت الذي حدده الله لذلك، إنها دولة إسرائيل».
ويمضي القس موشيه في تأصيل فكرته عبر تحليل ديني استند الى معتقدات الحاخامات اليهود عندما قال: إن برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك دمرا عام 2001 لان الولايات المتحدة اتخذت حينها قرارا يضر بالمصالح الإسرائيلية.
بل إن هذا الرجل لم يقف عند هذا الحد فقد ظهر يهوديا أكثر من اليهود أنفسهم عندما فسّر «طبيا» دخول رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق أرئيل شارون في غيبوبة حتى الآن فقال: لقد دخل في هذه الغيبوبة لأنه أجبر المستوطنين على الانسحاب من قطاع غزة.
ويعبر موشيه عن قلقه العميق حيال ما يجري الآن في الولايات المتحدة، خاصة إذا ما ربح الحزب الديمقراطي في أمريكا. فيقول: إنهم سوف يعملون على تغيير مواقفهم من إسرائيل، وسوف ينقلبون على إسرائيل.
ووفق موشيه فان بعض الناس لا يعون أهمية الوقوف إلى جانب إسرائيل، فيما بعضهم الآخر لا يفهمون ذلك.
ويربط سياسيا ما يمكن أن يجري في انتخابات الرئاسة الأمريكية وبين الانتخابات في بلاده - جنوب افريقيا - فيشير إلى أن فوز الديمقراطيين في انتخابات عام 2008 مبرر أساسي لضمان فوز حزبه - الحزب الديمقراطي المسيحي - عام 2009م. يقول: علينا أن نجد دائما من يقف إلى جانب إسرائيل.
ويستمر موشيه بخطابه المتصهين بالقول «عندما كانت جنوب أفريقيا معزولة ومكروهة من العديد من الأمم والدول في العالم، إلى درجة أن حامل جواز السفر الكيني كان يحق له السفر إلى كل دول العالم إلا جنوب أفريقيا، فلقد كانت مثل كلمة الكفر تقريبا، والعمل الحكيم الذي قامت به حكومة الحزب الوطني في ذلك الوقت لإنقاذ الدولة من الغرق كان الوقوف إلى جانب إسرائيل.
ولهذا وفق قوله ولأن جنوب أفريقيا وقفت مع إسرائيل، خلّصها الرب من الغرق على الرغم من أن وجهها إلى الحائط».
وأشار موشيه إلى أنه يجب على القارة الأفريقية أن تغير من موقفها تجاه إسرائيل. وقال: إن العديد من قادة القارة الأفريقية الذين خانوا أبناء شعبهم حصلوا على رشاوى من المسلمين.
نعم - يقول القس موشيه – ويتابع: لقد استلموا رشاوى، لكن الإسلام لا يستطيع فعل اي شيء للقارة، هم لا يستطيعون فعل شيء لقارة أفريقيا، من يستطيع أن يفعل شيئا هم الإسرائيليون، أولئك الذين يقرأون، والذين فاز معظمهم بجوائز نوبل، وهم الإسرائيليون لان الله يريد أن يفعل شيئا لتلك الأمة.
إدانة إسلامية في جنوب أفريقيا
ودان المجلس القضائي الإسلامي وشبكة مراجعة الإعلام مسعى القس موشيه، مؤكدين أن هذه الخطوات تتناقض مع البرنامج الوطني للحزب الديمقراطي المسيحي، وأن هذه الخطة خطوة خطيرة وغير مسبوقة إذ أنها تحول الدور البرلماني الذي يجب أن تلعبه أحزاب الأقلية إلى العمل كعملاء لأنظمة خارجية.
ودعيا في بيان مشترك أعضاء الحزب إلى رفض التبعية إلى الكيان الصهيوني، وتذكير الحزب وقيادته بان الأغلبية العظمى من شعب جنوب أفريقيا ممثلين بالمجتمع المدني والحركات العمالية هم معارضون لدولة إسرائيل العنصرية.
وقال البيان: لقد عانت دولتنا من النظام العنصري الذي لا يزال جاثما على صدر الشعب الفلسطيني منذ ستين عاما، أي منذ النكبة الصهيونية، وهذه الأيديولوجية العنصرية التي يتبناها النظام الحاكم في إسرائيل، مستمرة في إلزام أتباعها بان يكونوا عنصريين أكثر مما كان عليه نظام الفصل العنصري، وأن كبار رجال الكنيسة المعروفين بنضالهم ضد النظام القديم في جنوب أفريقيا مثل المطران توتو والمطران ندونجانا يعرفون ذلك، وأدانوا الفظائع الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني.
ودعا البيان كافة فئات الشعب والحكومة لمعارضة دعوة القس موشيه، مبينين أن جنوب أفريقيا ناضلت طويلا ضد الاضطهاد ومن اجل تحرير العبيد ويجب أن يستمر هذا النضال ضد إسرائيل حتى يتم تحرير الشعب الفلسطيني من الاضطهاد، ويجب علينا أن نمنع الحزب الديمقراطي المسيحي من استغلال المميزات التي يمنحها له البرلمان للعمل كواجهة لإسرائيل.
علم «إسرائيل»
ولكن ماذا يعني، حراك الصهاينة في العالم، ومنه القارة السمراء لإقامة «إسرائيل الكبرى» بالنسبة للأردن؟ ولماذا علينا في الأردن أن نقف موقفا رافضا وبقوة ضد تصريحات القس كينيث موشيه زعيم الحزب الديمقراطي المسيحي الأفريقي في جنوب أفريقيا في خطاب له أمام حشد من أعضاء الحزب؟
ولماذا تتناقض دعوة يهودية الدولة الإسرائيلية مع حق عودة اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم وممتلكاتهم في فلسطين التاريخية؟
يقول العين والوزير السابق مروان دودين انه لا يوجد عربي واحد لا يدرك الإشارة التي يحملها علم الكيان الصهيوني والتي تشير إلى إقامة دولة إسرائيل الكبرى من البحر إلى النهر باعتبارها قامت على فكر توراتي حاولت الصهيونية تحويله من دين يهودي إلى قومية.
وأضاف أن الفكرة الصهيونية لا يمكن أن تنجح كونها قامت على نظرية الدمج القسري بين أتباع جنسيات مختلفة ما يعني إمكانية زوالها بسبب آلية تكوينها وعنصريتها.
ودلل دودين على ذلك بزوال النظام العنصري في دولة جنوب إفريقيا بانتخاب نلسن منديلا رئيسا لها وبقبول الأقلية البيضاء بالعيش الكريم ضمن وطن أساس قيامه المواطنة.
وأشار دودين الى أن كل ذلك يؤكد أن اليهود في غالبيتهم سيعودون إلى جذورهم والبلدان التي جاءوا منها لتقوم الدولة الفلسطينية وتضم غالبية المسلمين من الفلسطينيين جنبا إلى جنب مع أقلية من المسيحيين إلى جانب أقلية يهود من أصول فلسطينية.
وقال النائب السابق الدكتور مصطفى العماوي إن المؤامرات الصهيونية مستمرة وبدعم دولي وهو الأمر الذي يلقي على عاتقنا مسؤولية التركيز على الوحدة الوطنية التي ستبقى كما كانت دوما صفا واحدا يتعالى على نقاط الضعف.
ولفت العماوي إلى ضرورة استدعاء سفير أية دولة في الأردن تدعم حكومته الفكر الصهيوني أو إنكارها للحق الفلسطيني.
بدوره أكد أمين عام المرصد السياسي الأردني الوزير والنائب السابق الدكتور بسام العموش أن حلم إسرائيل الكبرى حلم صهيوني بدأ في عام 1897 ويبرز بين فينة وأخرى على السطح عبر تصريحات اليمين المتطرف الإسرائيلي والأمريكي.
واعتبر العموش حلم «إسرائيل الكبرى» مشروعا فاشلا لن يتحقق أبدا كونه مرفوضا وطنيا وإسلاميا وقوميا وعالميا، رغم السيطرة المالية والإعلامية للصهيونية العالمية.
وقال النائب الدكتور بسام حدادين إن فكرة الوطن البديل أو الخيار الأردني فكرة إسرائيلية تنطوي على السذاجة من عدد من الصهاينة على اختلاف دينهم من يهودية أو مسيحية أو أبالسة، كونهم يسعون بذلك إلى تحويلها إلى حقيقة على الأرض، معتبرا أن هذا حلم بعيد المنال ويتناقض مع الواقع ولا يمكن للعقليات المريضة أو الدينية المهووسة أن تسقطه على واقع الشعوب الحية والحضارات الضاربة في جذور الأرض.
رئيس الوزراء الأردني الأسبق الدكتور فايز الطراونة قال إن الخيار الأردني ينحصر في بعض الدوائر الأمريكية والإسرائيلية من أشخاص يعتنقون إيديولوجيات متطرفة ويتبنون حلم حل القضية الفلسطينية وفق الرؤية التي تتبناها إسرائيل.
وأضاف الطراونة أن هذه الرؤية ترى أن الخيار الأردني سيعفي إسرائيل من الإشكالية الديموغرافية ومن تنفيذ الشرعية الدولية بخصوص الدولة الفلسطينية والمستوطنات، مشيرا الى انه يراد لتنفيذها اتحاد الأردن وفلسطين لنقل تبعات الديموغرافيا (عودة اللاجئين) إلى دولة الاتحاد الكونفدرالي أو الفدرالي.
وأكد الطراونة أن الأردن ليس من الذين يرتعدون أمام أحلام باحث في مركز في أمريكا أو طامع برئاسة إسرائيل، لأنه ـ أي الأردن ـ ليس كيانا على هامش الأحداث يتقرر مصيره بشطحات فكرية هنا وهناك.
وأشار إلى أن الأردن واجه في مسيرة نضاله ونهضته العديد من التحديات والمنعطفات التاريخية ونهض أكثر قوة وتحصنا بأردنيته الباقية مدى الدهر بإذن الله والتي تلغي وتنفي قناعات المتشككين باحتمالية زوال الكيان الأردني.
وقال إن كون الأردنيين دعاة سلام ووحدة لا يعني أنهم ليسوا قادرين على فتح أبواب الجحيم ذودا عن كيانهم الأردني الخالد والأغلى والأعز.
ودعا الطراونة إلى رفض هذا الطرح من الجميع وهو في مهد العصف الدماغي قبل أن يتحول إلى مواقف دول بادعاء رغبات داخلية أردنية كونه مرفوضا من الأردنيين لخطورته وتعديه على السيادة الفلسطينية والأردنية كما انه مرفوض من الفلسطينيين لأنهم يناضلون من اجل دولتهم المستقلة، فالأردن هو الأردن وفلسطين هي فلسطين.