الحب...
ذلك الشعور الأسطوري...
تلك الخرافة التي ما انفكّ الأدباء يكتبون عنها...
تلك الأغنية التي ترنّمها الأرواح... وترقص على أنغامها القلوب...
تلك النار التي تُلهِب النّفوس...
ذلك الألم الذي يستزيد منه العشّاق...
أهو حقّاً موجود؟!...
هل يسافر مع الأيام كما تسافر المشاعر الأخرى؟!..
هل يطرق جميع الأبواب؟!...
إن كان صديق السعادة.. فلِمَ لا يزورني كلّما زارتني؟!..
وإن كان أعزّ صديقٍ للحزن.. فلِمَ لا أراه.. رغم أن الحزن يسكن روحي!!..
هل يخشى زيارتي؟!.. أم أنني أنا التي تخشى تلك الزيارة؟!..
إن أتاني وطرق باب قلبي.. هل سأتمكّن من فتح ذلك الباب الموصد له؟!.. وتلك الأقفال الصّدئة.. أيُّ مفتاحٍ سيُحرّكها؟!...
ياله من قلب... هو أشبه بسجنٍ بلا نوافذ.. وليس له مدخل سوى ذلك الباب الذي لا يفتح.. فمِمَّ أنا خائفة؟!.. لِمَ أوصد ذلك الباب؟!..
ربّما حاول الحبّ طرقه قبل اليوم... ولكنني لم أسمعه... ربّما لانشغالي باستضافة المشاعر الأخرى... التي حتى الآن لا أعرف من أين تدخل إلى قلبي!!.. وأيّ طريقٍ تسلك غير ذلك الباب الصّدئ؟!...
وإن كان الحبّ هو أكثرها تهذيباً... فهو الوحيد الذي سيطرق الباب... وهو الوحيد الذي لن يدخل... لأنني وببساطة لن أسمح له بالدخول...
فلو كان الأمر بيدي... لما سمحتُ لعاطفةٍ بالسيطرة على قلبي... ولكن... غريبٌ أمر تلك العواطف... لا أجدها إلا واقفةً أمامي... ومن أين تدخل؟!.. عندما أعرف هذا سيرتاح قلبي ثانيةً... سيتخلّص من هؤلا الضيوف المزعجين... هؤلاء الضيوف الذين يهزّون كيانه ويُضعفون وجدانه...
سيعود إليه هدوء الأيام الغابرة... ستعود اللامبالاة... صديقتي القديمة التي رحلت دون وداع...
ولكن... في ذلك اليوم... سيرحلون... سيرحلون جميعاً دونما عودة... وأعزّ أصدقائي... الحزن... لن أراه ثانيةً!!.. من سيسهر معي الليالي لنتأمل النجوم ونحادث القمر؟!.. من سيتأمل معي البحر وهو يطفئ نار الغروب الملتهبة؟!... من سيراقص دموعي تحت ضوء الظلام؟!..
لا... لم أعد أريد أن أعرف من أين يدخلون... هم أصدقائي... هم جزءٌ مني... من دونهم أنا لا شيء... فإن كان الإنسان كتلة من العواطف والمشاعر فلِمَ أنا... وفقط أنا أريد التخلي عنها؟!...
لأنني غبية... لأنني أبحث عن سبب فنائي بين أسباب وجودي... لأنني لا أعرف بأنني إن قتلتُ مشاعري سأكون قد قتلتُ روحي...
والحبّ!!.. إن كان واحداً من هذه المشاعر فهو حتماً يعرف المدخل إلى قلبي...
إذن... لِمَ لمْ يدخل بعد؟!.. أم أنّه مسافرٌ أتعبه التّرحال... فقرّر الاستقرار... أيُعقل أن يكون بهذه الأنانية!!.. هناك الملايين من القلوب التي تنتظره... ألا يريد زيارتها؟!.. ولكنني سمعتُ عنه كثيراً... هو ليس بالأنانيّ... هو أجمل كلّ العواطف...
أيُعقل؟!.. أيُعقل أن يكون قد مات؟!.. أيُعقل أن يقتله هذا الزّمان؟!.. هل اغتالته الأيام؟!.. هل ترقد روحه الآن مع أرواح العشّاق؟!.. عشّاق الغزل العذري والحبّ العفيف الطاهر!!..
ولِمَ لا؟!.. فنجاسة هذا العصر كفيلةٌ بقتله...
فتعالوا إخواني... يا من تبحثون عن الحبّ... تعالوا نصلّي على قبر صديقنا الذي لم نره... ولن نراه...
بين أشجار الصّفصاف... وأزهار النّرجس... يرقد بسلام... من كان يسمّى... الحبّ...........